ذللت حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الليبية طرابلس غالبية العقبات، التي كانت تحول دون عودة مواطني تاورغاء إلى ديارهم التي نزحوا عنها، منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، قبل أكثر من 7 سنوات، فتحولت بلدتهم إلى مدينة أشباح.
واتخذ المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج، إجراءات فعلية لرفع كفاءة القطاعات الخدمية، بالإضافة إلى توصيل شبكات الكهرباء، ومياه الشرب، والصرف الصحي من جديد، بجانب بحث تنفيذ ما تضمنه اتفاق المصالحة بين تاورغاء ومصراتة المجاورة (200 كيلومتر شرق العاصمة)، واستكمال تهيئة المنطقة تمهيداً لعودة جميع المواطنين.
وقال عبد الرحمن الشكشاك، رئيس المجلس المحلي بتاورغاء في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن «تيار الكهرباء عاد إلى أنحاء المدينة للمرة الأولى منذ خروج المواطنين منها»، متحدثاً عن «عودة وشيكة لجميع النازحين إلى ديارهم... والأجواء الآن أصبحت مواتية أكثر مما مضى».
وأضاف الشكشاك: «كثير من المواطنين عادوا إلى ديارهم، ولم يتبقَ إلا قليل ممن يقيمون في المخيمات، وهؤلاء أحرار في قرارهم. لكن ندعوهم جميعاً للعودة»، لافتاً إلى أن 5 مكاتب مكلفة بحصر الأضرار التي يمكن إصلاحها بشكل سريع تواصل أعمالها.
ونزح قرابة 40 ألف مواطن من تاورغاء، من ذوي البشرة الحنطية، عن ديارهم بعد إضرام النيران فيها بسبب خلافات مع مصراتة تعود إلى عصر النظام السابق، وأقاموا جبراً في مخيمات بشرق وغرب وجنوب البلاد.
وكانت تاورغاء من القوى الداعمة العاملة مع القذافي في أثناء حكمه، لكن فور إسقاطه هاجمت كتائب مصراتة المدينة عقاباً لها على اتهامات سابقة بـ«الاعتداء على مدينتهم، واغتصاب نسائها». لكن سكان تاورغاء يرون أن هذه الاتهامات باطلة، ويؤكدون أن «شباب تاورغاء كانوا يعملون مع (الشعب المسلح)، وليس مع قوات القذافي».
وقالت الشركة العامة للكهرباء في طرابلس، على صفحتها عبر «فيسبوك»، إنه «تم شحن محطة التغذية بتاورغاء، حيث أضاءت المدينة بعد سنوات طويلة من الإظلام».
وسبق لرئيس المجلس الرئاسي بحث عملية تأمين مدينة تاورغاء، وهي المهمة الموكلة للمنطقة العسكرية الوسطى. وعلى الرغم من تأكيد الشكشاك عودة غالبية النازحين، فإن مواطنين يقيمون في المخيمات يتمسكون ببقائهم هناك «لحين تنفيذ شروطهم»، كما رصدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، خلال زيارتها مخيمي الفلاح 1 و2 في طرابلس فقط، وجود 340 عائلة من النازحين.
وقال ناصر إبدوي، أحد مواطني تاورغاء، إن عدد الأُسر التي رجعت إلى المدينة حتى الآن قليل، قياساً بمن يقيمون في المخيمات، وفي شقق مستأجرة على نفقتهم الخاصة، وقال بهذا الخصوص إن «باقي العائلات التي تقيم بالقرب من تاورغاء يذهبون إليها ليلتقطوا صوراً (سيلفي) فقط».
ورأى إبدوي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن «المدينة غير صالحة نهائياً للسكن»، حيث «توجد إصابات من (الليشمانيا) بين المقيمين والزوار من أهالي المدينة».
وسبق للشكشاك الكشف عن «إصابة أكثر من 200 شخص في المدينة بمرض الليشمانيا الجلدي، وأمراض أخرى تسببت بها مخلفات الحرب»، وقال إن المدينة «تعاني من انتشار أمراض بسبب مخلفات ما زالت منتشرة في كل مكان، ما جعلها بيئة حاضنة للجراثيم ومسببات الأمراض، فضلاً عن نقص حاد في الإمكانات الطبية، إذ ليس فيها سوى مستشفى ميداني واحد لا يستوعب المرضى».
لكن الشكشاك قال لـ«الشرق الأوسط» إنه منذ الإعلان عن وجود المرض «بدأت منظمة الصحة العالمية، والأجهزة المعنية في البلاد، في مكافحته، بالدواء ورش المبيدات».
ونوّه ناصر إبدوي، الذي يقيم على نفقته الخاصة في شقة مستأجرة بمدينة سبها (جنوب البلاد)، بأن مطالب المواطنين المعترضين على العودة إلى ديارهم تتمثل في «تنظيف المدينة من مخلفات المصانع والمنازل»، التي يقول إن «مصراتة تجلبها إلى مدينته»، و«صيانة المرافق العامة مثل المدارس والمستشفى، وتعويض المواطنين بشكل عادل من أجل صيانة منازلهم المهدمة والمحترقة»، مستدركاً أن أهم مطلب لديهم هو «خروج ميليشيات مصراتة من مدينتنا».
وكان رئيس المجلس المحلي لتاورغاء قد أكد استمرار عمل بعض الشركات واللجان، كلجنة الكشف عن الألغام ومخلفات الحرب، وبحث ملف المفقودين منذ قرابة 8 سنوات.
ويشتكي نازحو تاورغاء من قسوة العيش في المخيمات، والحجرات المسقوفة بالخشب والصاج، ويقولون إن عدد المرضى في صفوفهم يتزايد بسبب برودة الطقس. وفي هذا السياق، قال عبد الرحمن غندور، الممثل الخاص لمنظمة «اليونيسف» في ليبيا، إنه «على الرغم من كل الصعوبات، تسعدني رؤية الأطفال في مخيم تاورغاء يرتادون الفصول الدراسية ويستمتعون ببيئة تعليم آمنة».
وكان السراج قد أعلن عودة نازحي تاورغاء إلى مدينتهم، مطلع فبراير (شباط) المقبل، لكن ميليشيات مسلحة محسوبة على رئيس المجلس الرئاسي منعت وصولهم، فافترشوا صحراء منطقة قرارة القطف بمدينة بني وليد (شمال غرب).
الكهرباء تنير تاورغاء بعد سنوات من الإظلام
انطلاق عمليات عودة اللاجئين بعد أن ذللت حكومة الوفاق غالبية العقبات
الكهرباء تنير تاورغاء بعد سنوات من الإظلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة