مصر: «مذبحة المصلين» في ذكراها الأولى... دماء الضحايا تمد شريان الحياة للمنكوبين

«الشرق الأوسط» تجولت في قرية الروضة بشمال سيناء

مصر: «مذبحة المصلين» في ذكراها الأولى... دماء الضحايا تمد شريان الحياة للمنكوبين
TT

مصر: «مذبحة المصلين» في ذكراها الأولى... دماء الضحايا تمد شريان الحياة للمنكوبين

مصر: «مذبحة المصلين» في ذكراها الأولى... دماء الضحايا تمد شريان الحياة للمنكوبين

تحت ظل شجرة يحجب أشعة الشمس القوية عن مترين مربعين تقريباً، كان الخمسيني سلامة سواركة، يتوسد آمناً راحة يده اليمنى ويستغرق في قيلولته بينما تعلو من حوله أصوات معدات ثقيلة تُنفّذ عمليات مد المرافق والخدمات إلى قرية الروضة بشمال سيناء، والتي شهدت منذ سنة واحدة إحدى أكثر المذابح «الإرهابية» بشاعة في تاريخ مصر الحديث وقُتل فيها 311 شخصاً من بينهم 27 طفلاً كانوا يؤدون صلاة الجمعة في مسجد القرية انقض عليهم مسلحون حصدوا أرواحهم.
القيلولة الهادئة لسواركة كانت في ساحة تبعد أمتاراً معدودة عن مسرح الحادث البشع، بل إن الشجرة الهادئة وارفة الظلال تُعد من بين الشهود على جثث الضحايا بعد إخراجهم من المسجد، وتجهيزهم للنقل لمثواهم الأخير في مقبرة جماعية احتضنت أجسادهم بما تحمله من رصاصات وشظايا وجروح تنزف دماء. وتجولت «الشرق الأوسط» في القرية المنكوبة، وذلك بالمواكبة مع مرور سنة على الأحداث التي اصطلح البعض على تسميتها «مذبحة المُصلين» وكانت محل اهتمام وإدانات دولية غير مسبوقة تليق بدموية الهجوم.
على بعد نحو 300 متر غربي المسجد الذي بات مركز بوصلة القرية وربما محافظة شمال سيناء كلها، لم تهنأ السيدة الثمانينية، حبوبة بحيري حريب، براحة معتادة في منتصف النهار، إذ حرمتها أنّات ابنة حفيدها الثانية الرضيعة منى التي تعاني مرضاً أصاب غدتها... كانت العجوز تهدهد ابنة حفيدها بين يديها اللتين لم تتوقفا عن الرجفة منذ فُجعت بنبأ مقتل ابنيها عبد السلام ومحمد، وإصابة ثالثهما أحمد، ومقتل نجله (حفيد السيدة ووالد الطفلة) طه، وكانوا جميعهم من المصلين بمسجد الروضة.
تحدثت حبوبة التي ينادينها مَن جلسوا حولها من أرامل وأطفال الضحايا الثلاث بـ«الجدة»، إلى «الشرق الأوسط» بلهجتها البدوية المميِّزة لأبناء سيناء، وهي تخفي ملامحها من وراء «قُنْعة» سوداء تغطي جسدها الهزيل وتترك متنفساً لعين واحدة ترى منها من حولها، وتنطق بثبات لافت عمّن رحلوا: «روّحوا لدار كريم، ربنا يلحقنا بهم على خير».
وتابعت أنها تشعر وهي تحتضن الصغيرة منى أن «الشهداء في حضني أحياء، فهي قطعة منهم، خصوصاً أنها وُلدت بعد استشهاد والدها بـ4 شهور»... والطفلة منى واحدة من بين 7 أطفال وصبية من أبناء الأسرة ولم يغادروا قريتهم منذ الحادث كما فعل آخرون، ويعتمدون في مصدر رزقهم على مخصصات مالية تصل شهرياً من وزارة التضامن الاجتماعي في الحكومة المصرية.
وأضافت السيدة أن «ابني الشهيد كان يعدني أن نؤدي معاً مناسك الحج حالما تيسّر الحال، وشاء القدر أن يفي بوعده رغم رحيله، إذ رُزقت بأداء الفريضة ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة الأخير، والذي خُصص جزء منه لذوي شهداء مسجد الروضة».
وفى أقصى جنوب القرية، حيث المساكن المُطلّة من على تبّة عالية على المسجد، كان الستيني منصور زايد، يشاهد جمع ركام آثار إعادة ترميم منزله، بعد إنهاء جهات التنفيذ عملها في إطار برنامج «رفع كفاءة منازل أهالي قرية الروضة» والذي قررته الحكومة المصرية بعد الهجوم.
وترك الحادث بالنسبة إلى زايد فجيعة «لن يُهدئ منها تجديد منزل أو حتى بناء قصر» حسب ما قال لـ«الشرق الأوسط» وهو يستند إلى عمود خرساني في ساحة مجلس ملاصق لبيته. وكان زايد يتجه ببصره نحو مئذنة المسجد، وهو يضيف: «في هذا اليوم وُلدت من جديد رغم أنني لم أتمنَّ ذلك، استطعت الفرار عبر نافذة المسجد متجهاً نحو الجنوب ومن خلفي ابني، وما إن تقدمنا معاً لنحو 30 متراً حتى تبين لنا أن إرهابياً كان يتخفى وراء شجرة ويقنص بالرصاص الحي كل من يلوذ بالفرار من المصلين».
واستطرد زايد بعد أن توقف لبرهة خلالها مسح دموعٍ غلبته وهو يعود بذاكرته لهول المنظر: «شاهدت المصلين الفارين من داخل المسجد إلى خارجه يتساقطون واحداً تلو الآخر برصاص القاتل الواقف خلف أغصان الشجرة، ومع ذلك مضيت في طريقي، وكان نصيبي رصاصة في الفخذ لم أشعر بها وواصلت مهرولاً، وسمعت صوت ابني من ورائي يسقط... وناداني: أموت يا أبي، وكان ردي لا إرادياً: اذهب إلى الجنة... الله يسهل عليك يا ولدي، روح للجنة».
بعد صمت لافت واصل الرجل: «فقدت الوعي، وعرفت بعدها أن ابني مات قبل وصوله إلى المستشفى، بينما نُقلت أنا للعلاج في مستشفى معهد ناصر الطبي بالقاهرة، وعولجت تماماً من آثار الحادث، وبعد أن عدت إلى بيتي عرفت أن أخي أيضاً استُشهد في الحادث، ورزقنا الله بالطفلة رهف حفيدتي وابنة الشهيد الذي رحل بعد أيام قليلة من عُرسه».
عُدنا إلى قرب ساحة المسجد مرة أخرى، في الوقت الذي كان يهمّ فيه سلامة سواركة، بالاستيقاظ من غفوته وبدأ استعدادات إشعال نيران «شاي العصاري»، وبدأ يصل إليه تباعاً شيب وشباب وأطفال من أبناء القرية يتهيأون لأداء صلاة العصر في المسجد في جماعة لا يتجاوز حضورها 40 شخصاً بعد أن كانوا في السابق يقدّرون بنحو 150 في الصلوات العادية، لكن فقدان القرية لأكثر من نصف رجالها ترك أثره على كل مناحي الحياة.
تحدث سواركة إلى «الشرق الأوسط» وأوضح أنه بعد «أسابيع قليلة من الحادث البشع أُزيلت كل آثار الجريمة من الدماء والعبوات الحارقة التي أُلقيت بين المصلين، وكذلك الطلقات النارية، فيما فُرش المسجد من جديد وتواصلت أعمال الدهانات لحوائطه، وأصبح يحمل اسم مسجد الشهداء».
الصلاة الآن في مسجد القرية يتجاور فيها السكان مع الجنود المكلفين بالحراسة، والذين بدأت مهامهم عقب الحادث وهم مكلفون بحمايته تأهباً لأي طارئ، كما يشارك الأهالي الصلاة في المسجد عمال ومهندسون يتولون أعمال الترميمات لمنازل الأهالي وإصلاح شبكات الكهرباء والمياه، وهي من ضمن حزمة مشروعات أعلنتها الحكومة المصرية لصالح أبناء القرية.
حكايات الوجع في منازل القرية المنكوبة الممتدة على الطريق الساحلي الدولي الرابط بين سيناء ومحافظات مصر، والتي تقدر مساحتها بنحو 3 كيلومترات، لا تنتهي فهناك منازل لم تعد تحوي غير أرامل وأطفال، وأخرى تضم رجالاً كباراً من الناجين ومنهم منصور سويلم، الذي فقد شقيقه وزوج ابنته، والذي قال وهو يتطلع ناحية بيت مهجور مكوّن من عشّتين متجاورتين: «هنا كان يسكن جاري منصور محارب، وقُتل جميع من في المنزل من رجال، والسيدات رحلن عند ذويهن في محافظة الإسماعيلية، وفي اتجاه آخر أشار إلى مزرعة أشجار مثمرة للمانجو والزيتون والرمان، وقال هذه الأشجار غرسها الشهيد محمد زوج ابنتي، وكان يتطلع إلى أن يقطف ثمارها».
وفي النطاق الجنوبي للقرية، كانت تنتشر عشش يسكنها بعض الأهالي الذين نزحوا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من مناطق الحرب على الإرهاب الملتهبة مثل جنوب الشيخ زويد، والتي أصبحت مسرحاً لعمليات ملاحقات قوات أمنية لجماعات تكفيرية متشددة تابعة لتنظيم داعش.
أمام عشة منها بُنيت بإحكام جلست أم ماجد، كما يناديها جميع سكان القرية، وقالت إنها تنتظر وصول لجان حكومية لتعاين العشش، وكما أخبروها أنهم «سيبنون مكانها بيوتاً إسمنتية لهم».
وأضافت أم ماجد لـ«الشرق الأوسط» أنها «استقرت في قرية الروضة الآمنة منذ 3 سنوات، ولم تكن تعلم أنها وزوجها وأبناءها الثلاثة سيفرّون من الموت ليلاقيهم هنا ويحصد من منزلهم زوجها وابنها المعاق ماجد».
وتذكرت في أسى كيف أنها استقلت صباح يوم الجريمة مع ابنها المعاق البالغ من العمر 25 سنة سيارة من منزلهم الذي يبعد نحو كيلومتر عن المسجد، وكان الضحية رغم إعاقته الحركية يساعد والده في رعاية أشقائه.
وبصعوبة روت أم ماجد آخر لحظة لها تشاهد فيها ابنها «عندما نزل من السيارة بصحبة كرسيه المتحرك يدفعه نحو المجلس المجاور للمسجد لينتظر فيه موعد صلاة الجمعة، بينما أكملتُ أنا زيارة أقارب لي يسكنون قريباً من المسجد، وما إن بدأ الإمام في إلقاء التحية على المصلين حتى سمعت إطلاق أعيرة نارية بكثافة، وحسبتها في بداية الأمر ضمن عمليات أمنية عادية، واستُبدل بالأصوات المنبعثة من مكبرات الصوت صراخ وتشهّد، عندها أيقنت أن كارثة حلّت في المكان».
واستكملتْ: «انقبض قلبي وفررت مسرعة، ولكن لم أستطع الاقتراب حتى هدأت أصوات النيران، وقطع طريقي ناجٍ من المجزرة وهو غارق في الدماء، في مشهد أفقدني توازني حتى أفقت على النبأ الحزين أن ابني المعاق ماجد قُتل، وأيضاً زوجي». «الحمد لله أنني نجوت» قالها عودة القديري وهو يشير إلى منزله، وأضاف بينما كان يشير إلى منزله: «هذا السكن يحوي بناتي، ولا أعرف لو قُتلتُ كيف كان سيكون حالهن؟». المصير الصعب الذي يخشاه القديري تعيشه السيدة أم ياسر، وهي أربعينية فقدت زوجها وترك في عنقها أمانة تربية بنتين وولدين، إذ قالت: «الرزق على الله، والحمد لله مستورة»، وتابعت أنها كغيرها من أرامل القرية أصبحن هُن من يؤدين دورهن في تربية الأبناء، ويحملن وصايا أزواجهن وأولادهن لهن قبل رحيلهم.
يعرف أهل الروضة، وكذلك زوارها من القرى المجاورة، منطقة شرق القرية التي توجد فيها «مقبرة الشهداء»، أو بالأحرى 4 مقابر حوت جثامينهم بشكل جماعي، وكل مقبرة أُحيطت بأحجار بيضاء اللون، وبينما لا تنقطع حركة الزائرين للضحايا الراحلين، كانت هناك حركة أخرى ينفّذها الجنود المتمركزون في القرية لتأمين المكان بشكل يومي بموازاة حلول الذكرى الأولى للحادث. الذكرى الأولى كذلك تبدو مظاهر إحيائها حاضرة بوضوح في الجانب الشمالي من القرية، حيث جُهز المبنى الخاص بإدارة أعمال القرية، ونشطت حركة إزالة ركام المباني من الشارع الرئيسي المؤدي إلى المسجد، وبدأ العمال في مضاعفة أوقات عملهم وهم يستكملون آخر ما تبقى من ترميمات المنازل عبر طلائها من الخارج بلون موحد.
ورغم حالة الوجع الظاهرة في حديث معظم أبناء الروضة، فإن الشاب حمدان عيد، وهو ابن أحد ضحايا الهجوم قال محاولاً إظهار تجاوزه للمحنة: «دماء الشهداء منحت قريتنا روح تحدٍّ وبقاء»، وأضاف معترفاً: «كنت مع أسرتي من بين من تركوا القرية خوفاً من تكرار هجوم الإرهابيين، ولكنني عدت بعد شهور قليلة وأقمت في عشة مجاورة لمنزلي لحين الانتهاء من ترميمه، وبعد إتمام الإصلاحات دخلت بيتي بحالته الجديدة فيما كنت أحمل بيدي صورة والدي الشهيد ووضعتها في صدر المجلس».


مقالات ذات صلة

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )
آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.