مرحبا بـ2014.. مرحبا بالمخمل والبروكار والصوف

الموضة تستقبل العام الجديد بأقمشة دافئة وغنية

الدانتيل من الأقمشة التي لا تغيب وتنجح دائما في إضفاء لمسة رومانسية (فستان من الدانتيل الأسود المبطن بالأخضر من كاورلينا هيريرا Carolina Herrera)
الدانتيل من الأقمشة التي لا تغيب وتنجح دائما في إضفاء لمسة رومانسية (فستان من الدانتيل الأسود المبطن بالأخضر من كاورلينا هيريرا Carolina Herrera)
TT

مرحبا بـ2014.. مرحبا بالمخمل والبروكار والصوف

الدانتيل من الأقمشة التي لا تغيب وتنجح دائما في إضفاء لمسة رومانسية (فستان من الدانتيل الأسود المبطن بالأخضر من كاورلينا هيريرا Carolina Herrera)
الدانتيل من الأقمشة التي لا تغيب وتنجح دائما في إضفاء لمسة رومانسية (فستان من الدانتيل الأسود المبطن بالأخضر من كاورلينا هيريرا Carolina Herrera)

حلول عام جديد مناسبة تنجح دائما في إدخال نوع من السعادة، المشوبة بالترقب والتفاؤل، على النفوس. فهي ترمز إلى فصل انتهت كتابته، بكل أفراحه وأحزانه، وبداية فصل جديد بكل ما تتضمنه هذه البداية من تفادي أخطاء العام الماضي والاستفادة منها لتحقيق المزيد من الإنجازات. لا شعوريا، تتحول هذه الحالة من الترقب إلى رغبة عارمة في الاحتفال بما يمكن تسميته حفلات الوداع والاستقبال. وإذا سألت أي امرأة عن الطريقة التي تريد الاحتفال بها بالمناسبة، سيأتيك جوابها ومن دون تردد: بأجمل حلة وأحلى مظهر. بالنسبة لها، هذا يتطلب إما أزياء تحملها من النهار إلى المساء بسهولة، أو أزياء سهرة غير عادية تلمع مع كل حركة أو إيماءة. والحقيقة، إن هذه ربما تكون من المناسبات القليلة التي يمكنها فيها أن تطلق العنان لخياراتها، سواء كانت البريق الذي يشع من الترتر وأحجار الكريستال أو من أقمشة اللاميه أو من البروكار. وعلى ذكر الخيارات، فهي كثيرة ومتنوعة، لأن أجمل ما في الموضة حاليا، أنها تعانق كل الأساليب والتوجهات، فكل شيء مقبول وجائز طالما يخضع لمعايير الذوق الخاص أو الرفيع. من هذا المنطلق، ليس من الضروري، أن تنجرف المرأة الموالية للموضة الهادئة، وراء موضة البريق، بل يمكنها الحفاظ على أسلوبها الكلاسيكي العملي من دون أن يؤثر هذا على صورتها، ما دامت هذه الصورة تتقيد بمعايير الأناقة العالمية. في المقابل، يمكنها تطويع التفاصيل واستعمالها كوسيلة للحفاظ على التميز. والمقصود بهذه التفاصيل، ليس فقط الإكسسوارات أو التطريزات وما شابهها، بل نوعية الأقمشة، التي تلعب هذا العام دورا بارزا في تحديد مظهرك. أكبر مثال على هذا، الصوف، فإلى عهد قريب، لم يكن يعد مناسبا للسهرات، وهذا مفهوم إلى حد كبير في بلداننا العربية حيث تكون درجات الحرارة غير محتملة، لكنها في هذا الوقت من السنة وفي الأوقات التي تنخفض فيها درجات الحرارة إلى تحت الصفر، فإن الدفء يصبح حاجة ملحة. وهنا، لا بد من ذكر ميزات الصوف، فبالإضافة إلى أنه يأتي بعدة أنواع، بعضها بملمس الحرير وخفته، فإنه لا يحتاج سوى إلى بعض الإكسسوارات أو الجواهر، لكي يرتقي إلى مستوى أي مناسبة، أيا كانت فخامتها وأهميتها، سواء كانت القطعة على شكل فستان أو كنزة سوداء مثلما برهنت لنا المصممة كارولينا هيريرا في عرضها لخريف وشتاء 2014. فكنزة من الصوف برقبة عالية مع بنطلون واسع أو مستقيم أو مع تنورة مستديرة - تبدو رائعة في أي مناسبة، وكل ما عليك القيام به هو تزيينها ببروش أو قلادة لتتحول من قطعة عملية إلى قطعة سهرة تنافس باقي القطع. وليس ببعيد أن تتفوقي عليها إذا كنت من النساء اللاتي يفضلن الدفء والراحة على تعذيب النفس بسبب الخوف من تكسير بعض الكليشيهات المترسخة في الذهن، مثل أن أزياء السهرة يجب أن تكون من الحرير أو الموسلين أو الساتان وتكشف الصدر والأذرع. المؤكد، إن مظهر امرأة مرتاحة مع نفسها يعكس الثقة والأناقة أكثر من مظهر امرأة تلبس قطعة شفافة ومثيرة، لكن تجعلها ترتعش من البرد طوال الوقت عوض التركيز على الأحاديث والاستمتاع بها. ثم لا تنسي أن الأناقة لها عدة وجوه، والوجه البسيط في الغالب هو الأكثر أناقة مقارنة بالوجه المتكلف والمبالغ فيه. إذا كانت فكرة كنزة من الصوف لا تناسبك أو لا ترين أنها تناسب أجواء سهرتك، فإن جاكيت توكسيدو يمكن أن يفي بالمطلوب وأكثر، لأنه يمنح الدفء والتميز في الوقت ذاته. فهذا الجاكيت موجه أساسا لمناسبات المساء، وبالتالي يمكنك ارتداؤه مع بنطلون أو مع فستان طويل مرصع بالأحجار، كما يمكنك ارتداؤه مع قميص أبيض أو فقط وضعه على كتفيك بلا مبالاة بدل شال الباشمينا الذي أصبح موضة قديمة.
في هذا الوقت من السنة، تبرز أيضا أهمية أقمشة أخرى تجمع عمق الألوان بفخامة الملمس ودفئه، مثل البروكار والمخمل. ورغم أن هذه الأقمشة تتنافس بعضها مع بعض لجذب المرأة، فإن كل واحدة منها تتميز بخصائص وميزات معينة.
البروكار، مثلا، درامي يتميز بمظهر سميك وألوان متداخلة إلى حد ما، لهذا يجب أن تضعي بعين الاعتبار أن القليل منه كثير. صحيح أن بعض المصممين يتعاملون معه بحيطة وطرحوه بدرجة لون واحدة، مثل كارولينا هيريرا، وصحيح أنه إذا كان بجرعات بسيطة فهو عنوان الترف والفخامة، خصوصا أنه يتميز بأشكال ثلاثية الأبعاد تمنحه حيوية لا تتوافر في باقي الأقمشة، إلا أنه عندما يأتي مطرزا بشكل غني ومبالغ فيه، فإنه قد يعطي الانطباع بأن مكانه الأنسب هو الستائر أو الكنبات. وهذا ما انتبهت له ميوتشا برادا وطوعته منذ عدة مواسم في قطع أقبلت عليها المرأة بنهم، سواء كانت بنطلونات للنهار أو فساتين للكوكتيل. وما إن اكتشفت المصممة أنها وضعت يديها على منجم ذهب، حتى سارعت بطرح مجموعة لا تقل إبهارا في خطها الأصغر (ميوميو) من خلال تشكيلة، تبدو للوهلة الأولى كأنها مستلهمة من الفينتاج بالنظر إلى نقوشاتها وألوانها المعدنية. سارة بيرتون، مصممة دار «ألكسندر ماكوين»، بدورها قدمت فستانا باللونين الأحمر والأسود هذا الموسم، كما حذت حذوها كل من ستيلا ماكارتني، والثنائي دولتشي آند غابانا و«مارني»، إضافة إلى سرب من محلات الموضة مثل «توب شوب»، و«زارا» و«إتش آند إم» حتى لا تشعر المرأة ذات الإمكانات المحدودة بأنها مهمشة وخارج لعبة الموضة. واللافت هذا العام، أن معظم المصممين أجمعوا على جمال البروكار، فالأميركية ترايسي ريس، مثلا، صرحت بأنها تعشق هذا القماش لأنه مثير للنظر، مما يجعلها تستعمله في معظم تشكيلاتها. وأضافت أن جانبا آخر من جاذبيته بالنسبة لها، أنه لا يحتاج إلى أي إكسسوارات أخرى. فهو يكفي لكي يسرق الأضواء. المأخذ الرئيس فيه، أنه لا يناسب كل النساء، لأنه قد يضفي عليهن بعض الوزن كما لا يخفي بعض العيوب التي تحب المرأة التمويه عليها عموما. بعبارة أصح، فهو لا يناسب المرأة التي تميل إلى الامتلاء أو السمنة، كما لا يناسب المرأة الهادئة أو الخجول، وإن كانت بعض الأشكال الصغيرة والألوان غير المتضاربة، أو قطعة واحدة على شكل بنطلون مثلا أو جاكيت، مناسبة للكل.
أما بالنسبة للمخمل، فلا يختلف اثنان في أنه يعيش نهضة جديدة منذ بضع سنوات، سواء تعلق الأمر بأزياء الرجل أو المرأة. بالنسبة لهذه الأخيرة، كانت دار «غوتشي» هي التي أعادت فتح عيونها على جمالياته عندما قدمته لها منذ عامين تقريبا من خلال فستان سهرة باللون الأخضر الزمردي. أثار الفستان الانتباه والرغبة فيه، مما شجع الكثير من المحلات الشعبية على استنساخه. ما نجحت فيه الدار الإيطالية حينها، أنها نفضت عنه غبار الزمن وخلصته من إيحاءاته القديمة، التي ارتبطت بموضة الثمانينات، وهي حقبة تريد الكثير من النساء نسيانها، لتسوقه لنا في صورة عصرية أضفت على الحفلات الكثير من الدفء والبريق. فقد اكتشف المصممون أنه، بألوانه العميقة التي تتراقص في الضوء، رائع يعوضهم عن استعمال التطريزات التي أصابت المرأة بالتخمة بعد عشر سنوات تقريبا من التركيز عليها. كما أنه يعد قماش مناسبات المساء والسهرة بلا منازع، حين تنخفض درجات الحرارة خصوصا.
بالنسبة للرجل، فإن هذا القماش الذي ارتبط بالحقبة الجميلة يتوجه إليه بسخاء أكبر، لأنه يأتي في قطع للنهار والمساء على حد سواء. وبعد أن كان يخاطب شرائح معينة من الرجال أغلبهم من الطبقات المخملية، كما يشير اسمه، ثم المفكرين ونجوم الروك آند رول فيما بعد، أصبح قماش كل الرجال والأوقات والأماكن ما دامت النية هي التميز. وعلى عكس الاعتقاد السائد لدى البعض، أنه جريء يناسب الرجل الاستعراضي فقط، فإنه يضج بالكلاسيكية مع لمسة حنين إلى الماضي الجميل، حسب طريقة تنسيقه. توني غلينفيل، المدير الفني في «كوليدج أوف فاشن» بلندن، يقول إنه «يتمتع بلمسة حسية مثيرة ومتلونة حسب الزمان والمكان. فهو يبدو حميما في مناسبات النهار، كما يبدو لافتا في المساء، وما علينا إلا أن نتخيل صورة جيمس بوند بتوكسيدو من المخمل». ويضيف أن هذا القماش ليس صرعة موسمية تعود إليها الموضة بين الفينة والأخرى، بل من الأساسيات التي تتشكل بوجوه مختلفة في كل موسم، ومن هنا على كل رجل أنيق أن يمتلك على الأقل سترة واحدة منه. ويوافقه الرأي ريتشارد فرومبورغ، صاحب محلات «غري فلانل»، بقوله إن المخمل خضع لعملية تجميل ناجحة محت صورته الداندية إلى حد ما وجعلته يعيش نهضة جديدة وشبابية في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، لا ننصحك بارتداء بدلة متكاملة من المخمل، بل الاكتفاء بسترة مع قميص أبيض مثلا ورابطة «بابيون» على أن يكون البنطلون من قماش مختلف والعكس.

* همسة
- بينما الأسود أو الأزرق النيلي من الألوان الكلاسيكية التي لا يؤثر فيها الزمن، مما يجعل المرأة تقبل عليها، خصوصا إذا كانت الفكرة ارتداؤها في مناسبات كثيرة وعلى مدى سنوات - فإن الأمر يختلف بالنسبة للبروكار. فهو خاص بامرأة مرفهة، لا يهمها إن كانت ستلبس فستانها في مناسبة واحدة ثم تنساه لعقد من الزمن أو أكثر.
- الذهبي من أسهل الخيارات في هذه المناسبة، سواء جاء في فستان من اللاميه لحفلة كبيرة، أو في إكسسوارات على شكل ساعة يد أو حذاء أو حقيبة يد. وطبعا، جواهر من الذهب هي أفضل ما يمكن أن تنسقيه مع قطعة باللون الأسود حتى تنعشه وتضفي عليه البريق.
- رغم أن الأناقة لا تعني التكلف والبهرجة ولا الاستعراض، فإنها لا تعني أن تحرمي نفسك من متعة استعمال قطع جواهر لا يمكنك استعمالها في الأيام العادية. سواء كانت من «كارتييه» أو «تيفاني» أو «بولغاري» وغيرها من بيوت الجواهر الراقية، فإن هناك مناسبات تتطلبها وهذه واحدة منها، لأنها ستضفي البريق على وجهك وعلى أي قطعة تقررين ارتداءها.
- مهما تغيرت الموضة والتوجهات، يبقى الدانتيل حاضرا ولو في تفاصيل صغيرة تزين الجوانب والحواشي. في السنوات الأخيرة، أرسلت عواصم الموضة العالمية رسالة قوية، مفادها أنه قماش الأنوثة والرومانسية بلا منازع. وبالفعل، أكد أنه كذلك، وإن كان القليل منه كثيرا مثل البروكار، إذ يفضل الاكتفاء به في الأكمام أو الياقة أو حواشي فستان لتأثير قوي وعصري.

* عندما تعرفين الفكرة التي ألهمت مجموعة «سوبرستيشين» Superstition من «شانيل» ستسحرك أكثر من ألوانها التي تتحدى رمادية السماء وبرودة الطقس وأكثر من تركيبتها التي تتوزع على البشرة بسهولة لتتجانس معها مباشرة. الفكرة أن الآنسة غابرييل شانيل كانت تؤمن بالخرافات بشكل كبير.. تتفاءل ببعض الأشياء وتتشاءم من أخرى.. الأمر الذي ترجمته الدار في كثير من تشكيلات الأزياء والجواهر وأخيرا في هذه المستحضرات الساحرة. الجميل فيها أنها تثير الإحساس بالتفاؤل بعام جديد بحكم أن ألوانها مستوحاة من ألوان الربيع مثل الوردي والمرجاني والبني الناعم وغيرها. فظلال الجفون قد تكون الوحيدة التي جاءت داكنة لخلق إطلالة مدخنة تلعب على سحر الغموض وجاذبية العيون، ومع ذلك، فهي الأخرى تتخللها ذرات معدنية خفيفة الغرض منها زيادة إضفاء البريق عليها وبعض الاتساع. كل المجموعة تقريبا مصنوعة بتركيبة من الكريم تجف بمجرد وضعها على البشرة لتضفي عليها نضارة سريعة تبدو فيها المرأة كما لو أنها خضعت لحقن بوتوكس، خصوصا فيما يتعلق بأحمر الخدود وأحمر الشفاه.



عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

TT

عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

(عزة فهمي)
(عزة فهمي)

في ليلة دافئة من ليالي مدينة الرياض وقبل نهاية عام 2024 بأشهر قليلة، سطعت النجوم لتنافس بريق حضور تتقدمه يسرا وهند صبري وفاطمة البنوي إلى جانب باقة من الشخصيات المبدعة والمؤثرة في مجالات الفن والترف والجمال. المناسبة كانت افتتاح أول محل رئيسي لنجمة أخرى هي عزة فهمي.

فنانة تعتز بكل ما هو عربي أصيل وتُروجه للعالم في أجمل حالاته. فهي ترى الجمال في مشربيات البيوت القديمة وفي غموض الفراعنة كما في قصور المماليك وأشعار الشعراء وأغاني أم كلثوم وتفتُّح الورود وأجنحة الطيور. أي كل شيء يتحرك لتلتقطه عيناها. تختزل كل هذا في حليٍّ تحكي ألف قصة وقصة بخط عربي واضح، يزيد من جماله توظيفها فيه للفضة والذهب والأحجار الكريمة. كانت أول من فعل ذلك في العالم العربي لتتحول إلى مدرسة.

عزة فهمي مع النجمة يسرا في محلها الجديد بالرياض (عزة فهمي)

رباعيات صلاح جاهين

تقول إن فترة السبعينات من القرن الماضي كانت حقبة مهمة في تكوينها الفني. كان شعراء من أمثال عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وصلاح جاهين ضمن دائرة أصدقائها إلى جانب فنانين من مجالات أخرى مثل النحت والتصوير والسينما. تتذكر أن أول بيت شعر استعملته كان للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وكان على سلسلة مفاتيح. أتبعته بمجموعة لرباعيات صلاح جاهين، لقيت صدى كبيراً، وفق ما تقول: «كانت هذه الرباعيات تلخص فلسفة الدنيا كلها. كل شخص كان بيلاقي نفسه في رباعية معينة، وهو ما أشعرني كم أنا محظوظة أني من هذه البقعة من العالم لما تحتويه من كنوز ثقافية فنية قديمة وحديثة على حد سواء».

عقد من مجموعة «ثريا» مستوحى من الطراز العثماني تتوسطه كلمة «سعادة»... (عزة فهمي)

حب مصر

هذا التفنن السردي الذي تصبه في مجوهراتها، ورثت جانباً كبيراً منه عن والدها، الذي تقول إنه «كان قارئاً نهماً وعاشقاً للثقافة العربية على وجه الخصوص... منه تعلمت أن أحب مصر، شعبها، وعمارتها، وأرضها».

ومع كل هذا الحب لمصر، كان توسعها خارجها مسألة وقت فقط. فمن ورشة صغيرة في حلوان ثم في «بولاق الدكرور» المنطقة الشعبية المواجهة للمهندسين بالقاهرة، بدأت تصاميمها تنتشر وتشد انتباه العالم، لا سيما بعد أن تزينت بها مثيلات لايدي غاغا وغلين كلوز وناعومي كامبل وقبلهن يسرا وسعاد حسني وأسمهان ونعيمة عاكف وسامية جمال وغيرهن كثيرات، فضلاً عن استقبال متاحف مثل «السميسونيان» في واشنطن إبداعاتها.

بادلتها لغة الضاد الحب ذاته، إذ لمست تصاميمها وتراً حساساً لدى كل امرأة تفهم الشعر وتسمع أغاني الحب، وتريد أن تتزين بهويتها أو فقط أن تجعل من مجوهراتها مفتاحاً لأحاديث ممتعة في سهراتها الطويلة.

بداية الشغف

تتذكر عزة أن الطريق لم يكن معبَّداً بالورود، لكنه كان واضحاً أمامها. شعرت منذ الصبا أن حسها الفني لا يضاهيه سوى طموحها الكبير للتميز، لهذا استقالت من عملها الحكومي لتتفرغ لممارسة فنها. ولكي تُتقنه ويأتي بالمستوى المطلوب، استعانت في البداية بـ«معلمي» خان الخليلي. تتعلم منهم وتتعامل معهم. لكن حتى هؤلاء، أدركت بعد وقت أن طموحاتها تفوق إمكاناتهم وتقنياتهم. ما كان يدور في خيالها من أفكار وصور تريد أن تجسدها في قلادات أو أساور أو أقراط وخواتم كان جديداً عليهم. تقول في مذكراتها «أحلام لا تنتهي»: «كان أمل حياتي أن أدرس في الكلية الملكية لفنون الحلي والمجوهرات بلندن حتى أصقل موهبتي وأتمرس في تنفيذ أفكاري وترتيب تلك الصور التي تتراكم في خيالي بشكل متسارع».

سوار من مجموعة «ثريا» مستوحى من الطراز العثماني تتوسطه كلمة «سعادة»... (عزة فهمي)

تحقق الحلم وتعلمت في عاصمة الضباب فنون التصميم وتطبيق النظريات بشكل علمي وتقني. والأهم تعلمت كيف تنفذ التصاميم بنفسها، وهذا يعني أنها تحررت من أسْر الاعتماد على الغير. تشير في مذكراتها: «حينها فقط، شعرت أني أستطيع تنفيذ تصميمات معقَّدة وجديدة وأنا في غاية السعادة».

من تلميذة إلى معلمة

كانت دراستها ثم تخرجها نقطة تحول مهمة في مسيرتها، إذ منحتها القدرة والثقة على التعامل مع الحرفيين بندية. تقول: «قبل لندن كنت عندما أطلب منهم أحياناً تنفيذ رسمة معقدة بعض الشيء يأتيني ردهم: مينفعش يا باشمهندسة». يُسهبون في تبرير الأسباب، فيُفحمونها، لتقف مكتوفة اليد. لكن بعد لندن تغيَّر كل شيء؛ «أصبحت لديّ الثقة في أن أردّ عليهم، وأنا متسلحة بقدرتي على تنفيذها بنفسي». كانت تقوم بذلك على مرآهم لـ«أبرهن لهم أن كل شيء ممكن». وهكذا تحولت التلميذة إلى معلمة، وتغير لقبها لدى الحرفيين من «باشمنهدسة» إلى «الأسطى المعلم».

أقراط أذن من مجموعة «حكايات النيل» مكتوب عليها كلمة «الوصال» للتعبير عن الحب الأبديّ (عزة فهمي)

تتحسر على تلك الأيام وهي تقول كم أنها تفتقد العمل بيدها: «لقد أخذتني مشاغل الحياة وأصبحت مجرد مصممة لا منفِّذة». ثم تستطرد قائلةً بنظرة رضا إنها كسبت نفسها في المقابل.

في دردشة حميمة معها على ضفاف نهر النيل منذ نحو عام تقريباً، ذكرت لي أنها الآن أكثر هدوءاً وتصالحاً مع نفسها، إذ باتت ترى العالم من منظور مفعم بالسكينة والإيجابية، بعد أن ابتعدت عن توترات الحياة وضغوطها. تنصحني باليوغا التأملية وهي تعدِّد لي محاسنها وتأثيراتها، وتقول إنها لا تستغني عنها أبداً. بل تؤكد أن سفرها لممارستها والتمرس فيها في أماكن مختلفة من العالم، بات تقليداً سنوياً لا تحيد عنه.

كلامها عن هذا الهدوء النفسي والروحي الذي ارتقت إليه، لا يُشعرك بأنه خفف الشعلة الإبداعية بداخلها ولا تعصبها لعروبتها. لا تزال «الأسطى المعلم» حتى بعد أن سلَّمت جانباً كبيراً من أمور عملها لابنتيها، فاطمة وأمينة غالي.

فاطمة، وهي كبرى بناتها، تقوم منذ سنوات بدور الرئيس التنفيذي لما تتمتع به من دراية بإدارة الأعمال وتعرف تماماً ما تحتاج إليه علامة «عزة فهمي» من تطوير من دون المساس بجيناتها.

أمينة غالي ابنة عزة فهمي مع ضيفاتها في الرياض (عزة فهمي)

أما أمينة غالي، صغرى بناتها، فالتحقت بالعمل مع والدتها في عام 2005. رافقتها كظلها لثلاث سنوات تقريباً، تتعلم منها كل صغيرة وكبيرة وتتشرب منها مبادئ الدار وأسسها قبل أن تصبح المديرة الفنية حالياً. لكنّ فاطمة وأمينة تعترفان بأن والدتهما لا تزال القائد الذي لا يقبل بأنصاف الحلول. أما عزة فتقول بنبرة فخر إنهما إضافة رائعة لها «نحن من جيلين مختلفين لكن يكمل بعضنا بعضاً بشكل متناغم».

الهوية العربية... خط أحمر

ما يُثلج الصدر في هذه المسيرة، إلى جانب أن عزة لا تزال تمسك بكثير من خيوط الدار بيد فنانة وأم، أنها لا تتهاون في أي شيء يرتبط بما هو عربي أو مصري، من ثقافة وفنون وتقاليد وتاريخ. ربما الآن أكثر من أي وقت سابق نظراً إلى توسعها في مناطق مختلفة من العالم.

افتتاح أول متجر رئيسي لعزّة فهمي في المملكة العربية السعودية حدث يعزّزها جسراً يربط بين التراث والفخامة (عزة فهمي)

لا تُنكر أن وجودها في لندن لسنوات، في «بيرلنغتون أركايد» بمنطقة «مايفير»، كان محطة رئيسية لعلامتها، إلا أن افتتاح أول محل رئيسي في مركز المملكة التجاري بمدينة الرياض، له نكهة أخرى. فهو إنجاز استراتيجي تعتز به، نظراً للشعبية التي تحظى بها في المنطقة منذ عقود. فلها فيها زبونات مخلصات قدَّرن فنّها منذ السبعينات. تشرح أن هذه الخطوة هي ثمرة لشراكة عمرها 14 عاماً تقريباً مع شركة «عطّار المتحدة»، التي فهمت جينات «عزة فهمي» واقتنعت بها، وهو الأمر الذي يتجلى في كل تفصيلة من تفاصيل ديكورات المحل، من الألوان والنقشات إلى الثريات مروراً بطاولات العرض والقطع المعروضة عليها بكل حب.

احترم مصممو ديكور المحل الجديد أن تصاميمها بمثابة جسر يجمع العراقة بالأصالة (عزة فهمي)

فالمحل يتنفس جيناتها وفلسفتها إلى جانب الفخامة التي يفرضها المكان ومدينة الرياض. ما يُحسب لمصممي الديكور استيعابهم أن المتجر سيكون بمثابة جسر يربط بين التراث والفخامة، وهذا ما جعل تصميمه يتعدى كونه مجرّد مساحة أنيقة وشاسعة لعرض الحليّ والمجوهرات الرفيعة، بل جاء امتداداً لرؤية عزّة والتزامها بالحرفية بوصفها تراثاً ثقافياً عابراً للأجيال.

كلمة «حب» التي تظهر في كثير من القطع المنزلية كما في قطع مجوهرات مثلاً لم تأتِ من فراغ، فهي تعكس شخصيتها وأسلوبها في التصميم على حد سواء. هي التي تكرر دائماً أنها لا تستطيع أن تقوم بأي شيء لا تحبه «لأنني أعرف مسبقاً أنه لن يكون جيداً وسيفتقر إلى شيء مهم».

قلادة من مجموعة «حكايات النيل» التقى فيها الآرت ديكو مع التراث المصري (عزة فهمي)

بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لافتتاح محل رئيسي في الرياض، فإن الافتتاح نفسه لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية تضم نجوم المجتمع والفن والمال والأعمال فحسب. كان احتفالاً برحلة عزّة فهمي على مدى 55 عاماً، متتبعاً أهم محطاتها الإبداعية من خلال مجموعات أيقونية وأخرى جديدة مثل مجموعة «حكايات النيل» التي عُرضت أول مرة في يوم الافتتاح، وقالت عزة فهمي إنها تُجسد قصصاً ملهمة من التراث المصري الأصيل، تجمع الماضي بالحاضر. كل قطعة منها تحاكي لوحة فنية في ظاهرها، وتسرد حكاية من حكايات الحب الأبديّ في مضمونها وكلماتها.