عرسال الحدودية تستفيد طبيا من وجود اللاجئين السوريين.. وتخسر اقتصاديا وماليا

عدد مخيمات اللاجئين المنظمة وغير المنظمة في البلدة بلغ أكثر من 90

عرسال الحدودية تستفيد طبيا من وجود اللاجئين السوريين.. وتخسر اقتصاديا وماليا
TT

عرسال الحدودية تستفيد طبيا من وجود اللاجئين السوريين.. وتخسر اقتصاديا وماليا

عرسال الحدودية تستفيد طبيا من وجود اللاجئين السوريين.. وتخسر اقتصاديا وماليا

يظن أهالي بلدة عرسال الحدودية الواقعة شرقي لبنان الذين لا يتخطى عددهم 38 ألفا، لوهلة أنهم اعتادوا أن يكونوا أقلية عددية في منطقتهم وأرضهم بعدما استضافوا على مر الأعوام الثلاثة الماضية ثلاثة أضعاف عددهم من اللاجئين السوريين، الذين تخطى المسجلون منهم 130 ألفا، إلا أنهم حين يدققون في أوضاعهم المالية ويبحثون عن الطمأنينة في أرجاء بلدتهم التي تعد أكبر بلدة لبنانية، يدركون أنهم يدفعون غاليا جدا ثمنا لموقفهم السياسي من الموضوع السوري، بالأمن والاقتصاد والأهم راحة البال.
فمع تخطي عدد المخيمات التي تؤوي لاجئين سوريين في عرسال الـ90 ما بين منظم وغير منظم، تضيق المساحات على أهالي البلدة إلى حد الاختناق، خاصة بعد أن تحولت شوارعها إلى أشبه بمجسم عن حمص القديمة تعج بعشرات الدراجات النارية التي تحمل لوحات سورية، وبمحال تجارية متلاصقة بتسميات سورية تسوق بضاعة تُنقل عبر الحدود التي لم تقفل يوما بالاتجاهين حتى في أحلك الظروف.
«اتخذنا قرارا بدعم أهلنا اللاجئين بالسياسة والأمن، فكان علينا أن نتحمل نتائجه بالاقتصاد»، هكذا يختصر خالد سلطان العرسالي معظم مواقف أهالي البلدة الذين يئن القسم الأكبر منهم من تداعيات اللجوء السوري عليهم.
فسلطان الذي يمتلك محل سمانة عند أطراف البلدة، تراجعت مبيعاته من 50 ألف ليرة لبنانية يوميا (نحو 37 دولارا) إلى 15 ألف ليرة (نحو عشرة دولارات) بعد الأزمة السورية وما تلاها من افتتاح عدد كبير من اللاجئين محالا تجارية أدت إلى تراجع أعمال اللبنانيين. ويقول سلطان لـ«الشرق الأوسط»: «بعد أن كانت البلدة تحوي 100 محل تجاري، تخطى عدد هذه المحال اليوم 200، علما بأن معظم السوريين يقصدون المحال السورية واللبنانيين المحال اللبنانية».
ويعد سلطان أن التأثيرات السلبية لأزمة اللجوء متوقعة في بلدة تستضيف ثلاثة أضعاف سكانها، «إلا أننا في النهاية لا نزال قادرين على استيعابها». وبرزت أخيرا مشكلة الصرف الصحي في البلدة جراء التضخم السكاني مما ترك تأثيرات مباشرة على المياه الجوفية التي يعتمد عليها الأهالي مصدرا لمياه الشرب.
ولم يسلم قطاع صقل الحجر الذي تشتهر فيه البلدة البقاعية من تداعيات الأزمة السورية، فبعد أن كان القسم الأكبر من الحجر يُنقل من أكثر من 200 معمل في عرسال حيث الأكثرية السنية المعارضة للنظام السوري، إلى قرى في جنوب لبنان معقل حزب الله، تراجعت المبيعات إلى حد كبير مع تفاقم الخلاف السني - الشيعي في لبنان حول المسألة السورية.
وتحول عدد كبير من شبان عرسال الذين يتقنون المهنة إلى عاطلين عن العمل بعد دخول العامل السوري الذي يعمل ببدل أجرة أقل. ويقول سلطان: «كان العامل اللبناني يتقاضى 25 دولارا يوميا مقابل 40 دولارا يتقاضاها الخبير بالمهنة، أما اليوم فبات العامل السوري يتقاضى 15 دولارا مقابل 25 دولارا للخبير السوري».
ويرفض حسن رايد، مسؤول «اتحاد الجمعيات الإغاثية» في عرسال حصر ملف النزوح السوري في سلبياته، لافتا إلى أن هناك كثيرا من الإيجابيات التي يتغاضى كثيرون عن الحديث عنها.
ويقول رايد لـ«الشرق الأوسط»: «أهالي عرسال استفادوا إلى حد بعيد من إيجارات الأراضي والشقق والمحال التجارية، وازدهرت أعمال كثيرين منهم»، موضحا أن «المكسب الأكبر من موضوع اللجوء كان لجهة الاستشفاء، فبعد أن كان أهالي البلدة يقصدون المستشفيات المحيطة في بعلبك وغيرها من المدن، بات لديهم مستشفيان؛ حيث يستفيدون من معظم الخدمات الطبية بشكل مجاني».
وهو ما يؤكده خالد الحجيري صاحب أحد المطاعم الكبيرة في البلدة، فقد نشطت حركة الرواد لديه، كما أنه استقدم يدا عاملة سورية نظرا لأسعارها المتدنية مقارنة برواتب الموظفين اللبنانيين. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «وقد نشطت حركة البيع في الصيدلية التي تديرها زوجتي عند مدخل عرسال مع بدء توافد اللاجئين السوريين».
وأنشئ مستشفى «الرحمة» في عرسال قبل نحو عام بهدف أساسي هو معالجة الجرحى السوريين الذين كانوا يتدفقون وبأعداد كبيرة من البلدات السورية الحدودية، خاصة مع احتدام المعارك في منطقة القلمون. وتضم عرسال اليوم، إلى جانب مستشفى «الرحمة»، مستشفى ميدانيا، علما بأنها المرة الأولى التي بات في البلدة كادر طبي وأطباء متخصصون في أكثر من مجال.
وأكد مدير مستشفى «الرحمة» الدكتور باسم القاري أنهم يقدمون الخدمات الطبية للبنانيين أهالي عرسال وكذلك للنازحين السوريين، «فاستيعاب البيئة الحاضنة ومحاولة توزيع المساعدات التي تصل إلى البلدة على السوريين واللبنانيين على حد سواء أساسي لتفادي المشكلات التي قد تنتج عن التضخم السكاني».
وأوضح القاري لـ«الشرق الأوسط» أن المستشفى يستقبل يوميا نحو 150 مريضا ثلثهم من اللبنانيين، «تماما كما هي النسب الإجمالية لعدد اللبنانيين والسوريين في البلدة: ثلث من اللبنانيين وثلثان من السوريين».
ولا ينفى القاري أن الأولوية تبقى في بعض الحالات للسوريين، باعتبار أنه لا إمكانية للجوئهم إلى مستشفيات أخرى في لبنان إذا كانوا لا يحملون أوراقهم الثبوتية، كما أن الإجراءات التي يتوجب الخضوع لها أصعب من تلك التي يخضع لها اللبنانيون. وركزت مفوضية شؤون اللاجئين ومعظم المنظمات الإنسانية أخيرا على إنشاء مشاريع وتقديم مساعدات للمجتمعات المضيفة للسوريين بعد أن تفاقمت أوضاع اللبنانيين الذين انحدر أكثر من 170 ألفا منهم تحت خط الفقر في إحدى النتائج المباشرة لأزمة اللجوء، بحسب البنك الدولي.
وعلى الرغم من تغير ملامح بلدتهم كليا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فإنه لم يسجل نزوح أي عائلة لبنانية من عرسال، بحسب ما يؤكد رئيس البلدية علي الحجيري، لافتا إلى أن العرساليين ليسوا من النوع الذي يترك أرضه حتى ولو ضاقت سبل العيش.
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نتحمل مجبرين تبعات الثورة السورية التي توقعنا أن تكون مماثلة لغيرها من الثورات فتستمر شهرا أو اثنين أو حتى ثلاثة، لكن مرت ثلاث سنوات والثورة مستمرة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».