«الشرق الأوسط» زارت قرية الروضة بشمال سيناء، التي شهدت منذ عام، أحد أكثر المذابح «الإرهابية» بشاعة في تاريخ مصر الحديث، وكانت محل اهتمام وإدانات دولية غير مسبوقة تليق بدموية الهجوم... والتقت عدداً من الأهالي.
الثمانينية حبوبة بحيري حريب، التي فُجعت بنبأ مقتل ابنيها عبد السلام ومحمد، وإصابة ثالثهما أحمد ومقتل نجله (حفيد السيدة ووالد الطفلة) طه، قالت لـ«الشرق الأوسط» بلهجتها البدوية المميزة لأبناء سيناء، وهى تخفي ملامحها من وراء «قنعة» سوداء تغطي جسدها الهزيل، وتترك متنفساً لعين واحدة ترى منها من حولها، وتنطق بثبات لافت عمن رحلوا: «روحوا لدار كريم، ربنا يلحقنا بهم على خير»، مضيفة أنها تشعر وهي تحتضن الصغيرة منى أن «الشهداء في حضني أحياء فهي قطعة منهم، خصوصاً أنها ولدت بعد استشهاد والدها بـ4 شهور»... والطفلة منى واحدة من بين 7 أطفال وصبية من أبناء الأسرة، ولم يغادروا قريتهم منذ الحادث كما فعل آخرون، ويعتمدون في مصدر رزقهم على مخصصات مالية تصل شهرياً من وزارة التضامن الاجتماعي في الحكومة المصرية.
ويعرف أهل الروضة، وكذلك زوارها من القرى المجاورة، منطقة شرق القرية التي توجد فيها «مقبرة الشهداء» أو بالأحرى 4 مقابر حوت جثامينهم بشكل جماعي، وكل مقبرة أحيطت بأحجار بيضاء اللون، وفيما لا تنقطع حركة الزائرين للضحايا الراحلين، كانت هناك حركة أخرى ينفذها الجنود المتمركزون في القرية لتأمين المكان بشكل يومي بموازاة حلول الذكرى الأولى للحادث.
وفى أقصى جنوب القرية، حيث المساكن المطلة من على تبة عالية على المسجد، كان الستيني منصور زايد، يشاهد جمع ركام آثار إعادة ترميم منزله، بعد إنهاء جهات التنفيذ عملها في إطار برنامج «رفع كفاءة منازل أهالي قرية الروضة»، الذي قررته الحكومة المصرية بعد الهجوم. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في يوم الحادث، استطعت الفرار عبر نافذة المسجد متجهاً نحو الجنوب ومن خلفي ابني، وما إن تقدمنا معاً لنحو 30 متراً تبين لنا أن إرهابياً كان يتخفى وراء شجرة ويقنص بالرصاص الحي كل من يلوذ بالفرار من المصلين... ومع ذلك مضيت في طريقي، وكان نصيبي رصاصة في الفخذ لم أشعر بها وواصلت مهرولاً، وسمعت صوت ابني من ورائي يسقط... ونادانى: (أموت يا أبي)، وكان ردي لا إرادياً: (اذهب إلى الجنة... الله يسهل عليك يا ولدي، روح للجنة)».
الخمسيني سلامة سواركة، أوضح أنه بعد «أسابيع قليلة من الحادث البشع أزيلت كل آثار الجريمة من الدماء والعبوات الحارقة وأصبح المسجد يحمل اسم مسجد الشهداء».
ويشار إلى أن الذكرى الأولى كذلك تبدو مظاهر إحيائها حاضرة بوضوح في الجانب الشمالي من القرية، حيث جُهز المبنى الخاص بإدارة أعمال القرية، ونشطت حركة إزالة ركام المباني من الشارع الرئيسي المؤدي للمسجد، وبدأ العمال مضاعفة أوقات عملهم وهم يستكملون آخر ما تبقى من ترميمات المنازل عبر طلائها من الخارج بلون موحد.
ورغم حالة الوجع الظاهرة في حديث معظم أبناء الروضة، فإن الشاب حمدان عيد، وهو ابن أحد ضحايا الهجوم قال محاولاً إظهار تجاوزه للمحنة: «دماء الشهداء منحت قريتنا روح تحدٍ وبقاء». وأضاف معترفاً: «كنت مع أسرتي من بين من تركوا القرية خوفاً من تكرار هجوم الإرهابيين، لكنني عدت بعد شهور قليلة وأقمت في عُشة مجاورة لمنزلي لحين الانتهاء من ترميمه، وبعد إتمام الإصلاحات دخلت بيتي بحالته الجديدة».
دماء الضحايا تمد شريان الحياة للمنكوبين ... في ذكرى المذبحة الأولى
دماء الضحايا تمد شريان الحياة للمنكوبين ... في ذكرى المذبحة الأولى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة