بعد عام من أزمة الاستفتاء... بارزاني في بغداد لبحث الملفات العالقة

التقى الصدر وقيادات عراقية أخرى... وتركمان كركوك يحذرون من صفقة على حسابهم

عبد المهدي وبارزاني خلال لقائهما في بغداد أمس (رويترز)
عبد المهدي وبارزاني خلال لقائهما في بغداد أمس (رويترز)
TT

بعد عام من أزمة الاستفتاء... بارزاني في بغداد لبحث الملفات العالقة

عبد المهدي وبارزاني خلال لقائهما في بغداد أمس (رويترز)
عبد المهدي وبارزاني خلال لقائهما في بغداد أمس (رويترز)

بعد قطيعة مع العاصمة الاتحادية بغداد دامت لأكثر من سنتين وبعد عام من أزمة الاستفتاء، وصل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني أمس الخميس، العاصمة العراقية بغداد.
بارزاني حظي باستقبال كبير في مطار بغداد الدولي حيث تقدم كبار مستقبليه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف الفتح هادي العامري وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين، في إشارة رأت فيها الأطراف المعارضة للزيارة ملامح اتفاقات أو صفقة يمكن أن تكون على حسابهم. وبحسب مصادر كردية، فمن المتوقع أن يلتقي بارزاني مسؤولين عراقيين آخرين، من بينهم الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر.
وينظر إلى هذه الزيارة على أنها خطوة جديدة في تحسن العلاقات بين أربيل وبغداد، بعدما شهدت تدهورا في أعقاب إجراء الإقليم، الذي يتمتع بحكم ذاتي، استفتاء على الاستقلال في سبتمبر (أيلول) 2017.
وفور وصوله إلى بغداد بحث بارزاني مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الملفات العالقة بين الطرفين التي زادتها أزمة الاستفتاء الكردي خلال شهر سبتمبر عام 2017 تعقيدا، وأهمها المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك وقوات البيشمركة والموازنة المالية.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع عبد المهدي جدد مسعود بارزاني دعمه للحكومة التي يرأسها عادل عبد المهدي. وقال إن «زيارتي إلى بغداد هي من أجل تهنئة أخي وصديق دولة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي». وأضاف: «نلتزم بالاتفاق ولكي نتسامى فأنا أناديه بأبي هاشم وهو يناديني بأبي مسرور».
وتابع بارزاني قائلا: «كان لأبي هاشم دور كبير في صياغة الدستور وبمواقف كبيرة أخرى»، مردفا بالقول: «استبشرنا خيرا بتوليه منصب رئيس الحكومة العراقية». وقال أيضا: «أعبر عن دعمنا الكامل للأخ الدكتور عادل عبد المهدي وسنتواصل في سبيل تعزيز العلاقات والثقة التي كانت موجودة أصلا ولحل الإشكالات العالقة». من جهته، وصف عبد المهدي بارزاني بأنه «مهندس كبير في عملية بناء العلاقات ليس فقط في العراق والمنطقة بل في العالم، ونحن نحمل تاريخا طويلا ومشتركا». وأضاف عبد المهدي: «للرئيس برنامج حافل ومكثف للقاء جميع الشخصيات العراقية»، مبينا أن «اللقاءات سوف تتكرر في بغداد أو أربيل من أجل حل المشكلات العالقة بين الطرفين».
إلى ذلك حذرت الجبهة التركمانية من مغبة عقد صفقات سياسية خلال زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إلى بغداد. وقال نائب رئيس الجبهة وعضو البرلمان العراقي حسن توران في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «موقفنا كتركمان واضح دائما وأبدا حيث إن عقد أي صفقة سياسية على حساب مكونات كركوك لن يكتب لها النجاح من دون إشراك تلك المكونات وليس فقط التركمان»، مبينا أن «الأطراف السياسية حاولت في الماضي عقد مثل هذه الصفقات ولكنها فشلت لأن حل قضية كركوك لا يمكن أن يكون إلا كركوكيا خالصا، وهو ما بينه الدستور في المادة 140 أيضا لجهة أن أي تطبيق لهذه المادة يستند إلى معطيات لا يملك التعامل معها إلا أبناء كركوك من كل القوميات والعرقيات والإثنيات».
وكشف توران عن «تسلم التركمان رسائل إيجابية بهذا الشأن من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح من خلال دعمه الحل الكركوكي عبر الجلوس على مائدة حوار».
من جهته، عد عضو البرلمان العراقي السابق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» زيارة مسعود بارزاني إلى بغداد بأنها «بداية جيدة لحل المشكلات العالقة لا سيما أنها تأتي بعد آخر زيارة قام بها إلى بغداد عام 2016». مبينا أن «الكرد دائما يؤكدون ثوابت ثلاثة في تعاملهم مع بغداد وهي التوازن والتوافق والشراكة الحقيقية في صناعة القرار وهو ما لم يتوفر حتى الآن».
وأوضح شنكالي أنه «رغم وجود بوادر إيجابية بشأن الزيارة لكن هناك مشكلات أساسية لا بد من معالجتها أبرزها الموازنة المالية وقضية البيشمركة والمادة 140 من الدستور».
وفي السياق نفسه، أكد الدكتور إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الزيارة تمثل في الواقع نقطة تحول كبيرة في العلاقة بين أربيل وبغداد وهي محاولة لدفع العقد والملفات العالقة نحو الحل»، مبينا أن «لدى البارزاني مشكلات داخل إقليم كردستان بينما القوى العراقية في بغداد لاتزال ترى فيه زعيما وطنيا كبيرا لا يمكن التوصل إلى أي حل من دونه». وأشار الشمري إلى أن «العلاقة الجيدة بين بارزاني وعبد المهدي سوف تسهم كثيرا في تخطي كثير من العقبات».
وكان بارزاني رئيسا لإقليم كردستان العراق قبل أن يتنحى مع انتهاء ولايته بعيد الاستفتاء، ويرأس اليوم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي فاز في سبتمبر الماضي في الانتخابات التشريعية بالإقليم. وبعد تصويت غالبية سكان إقليم كردستان على الاستقلال العام الماضي، اعتبرت بغداد العملية غير قانونية. وعلى الأثر، اتجهت المدرعات العراقية شمالا لاستعادة مناطق متنازع عليها مع أربيل لا سيما تلك الغنية بالنفط، وفرضت عقوبات اقتصادية.
ولكن منذ تسمية عبد المهدي رئيسا للوزراء في أكتوبر (تشرين الأول)، بدا أن التوتر انخفض بين الطرفين. فبعد خسارة فؤاد حسين، مرشح بارزاني للانتخابات الرئاسية العراقية، عينه عبد المهدي وزيرا للمالية في حكومته. وأعلن الجانبان التوصل إلى اتفاق الأسبوع الماضي لاستئناف صادرات نفط كركوك شمال بغداد. وقال عبد المهدي لصحافيين أول من أمس: «يهمنا جداً أن تكون العلاقات بين أربيل وبغداد جيدة وسالكة، والحقيقة أننا فعلاً شاهدنا تحسنا كبيرا على الصعد كافة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».