منطقة الحدود الشمالية... مكانة تاريخية ونقلة حضارية

دارة الملك عبد العزيز تسرد مسيرة تطورها

صور من مركز أرشيف الوثائق التاريخية بدارة الملك عبدالعزيز
صور من مركز أرشيف الوثائق التاريخية بدارة الملك عبدالعزيز
TT

منطقة الحدود الشمالية... مكانة تاريخية ونقلة حضارية

صور من مركز أرشيف الوثائق التاريخية بدارة الملك عبدالعزيز
صور من مركز أرشيف الوثائق التاريخية بدارة الملك عبدالعزيز

أوضحت دارة الملك عبدالعزيز في توثيق لمنطقة الحدود الشمالية بمناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التفقدية، أن المنطقة حافظت على تواجدها التاريخي من خلال عبور طريق الحاج العراقي وما يليه من بلدان المشرق الإسلامي لهذه المنطقة وصولاً إلى الحرمين الشريفين، مشيرة إلى أن المنطقة اشتهرت بدرب زبيدة، حيث يمر جزء منه عبرها .
وتمثل منطقة الحدود الشمالية مكانة تاريخية وحضارية، حيث عرفت بمأوى الصقور وانتشار هوايات القنص، بالإضافة إلى معالمها الأثرية وطبيعتها الخلابة، إذ منحها موقعها الحدودي كبوابة للجزيرة العربية أهمية جغرافية محورية، حيث كان يمر عبرها خط النفط "التاب لاين" الذي أحدث نقلة كبيرة ومهمة في تطور المنطقة وازدهارها .
وخصص ملكين من ملوك السعودية إبان توليهما سدة الحكم، زيارتين لمنطقة الحدود الشمالية منذ نشأتها، وهما الملك سعود قبل 67 عاماً، والملك عبد الله قبل 12 عاماً، حيث كان للزيارتين التاريخيتين أثراً مهماً في تقدُّم عجلة التنمية الاقتصادية.
وتعدّ شرطة منطقة الحدود الشمالية التي أنشأت عام 1370هـ، من أقدم الشرط في السعودية، وكانت تسمى "شرطة محافظة خط الأنابيب" لتتولى مهمة تحقيق وضبط الأمن في المنطقة وحماية الأرواح وحفظ الأعراض والممتلكات الخاصة و العامة، تلى ذلك مراحل تطويرية متعاقبة وسريعة لانتشار وتوسيع التغطية الأمنية لتشمل كافة الحدود الإدارية للمنطقة، وتم في عام تغيير مسماها إلى شرطة منطقة الحدود الشمالية .
ويحد منطقة الحدود الشمالية كل من العراق والأردن من الشمال، ومن الشرق المنطقة الشرقية ممثلة بمحافظة حفر الباطن، ومن الجنوب منطقتا حائل والجوف، ومن الغرب منطقة الجوف والأردن، وتضم محافظات عرعر، ورفحاء، وطريف، والعويقيلة، وجديدة عرعر، وشعبة نصاب.
وأشارت دارة الملك عبدالعزيز إلى احتضان الحدود الشمالية لعدد كبير من المواقع الأثرية والتاريخية التي تعود لعصور ما قبل الإسلام في بدينة ووادي الشاظي في عرعر، كما تتمثل أشهر آثار مدينة طريف في الأساسات الجدارية لقصر دوقرة، بينما تعتبر مدينة رفحاء مدينة محطات الحجيج والمواقع الأثرية الرائعة في لينة .
وأضافت أن المنطقة تتميز بتواجد الجبال وبعض الوديان والشعبان، وموارد متعددة للمياه، جعلتها مع وفرة المراعي مصدراً مهماً للثروة الحيوانية بالمملكة.
كما ساهم اكتشاف خام الفوسفات، وقيام مشروع الملك عبد الله لتطوير مدينة وعد الشمال في محافظة طريف، في جعل المنطقة ذات مناخ استثماري متميز يضعها على أعتاب نهضة كبرى، كما أنه يوجد بها إحدى المحميات الطبيعية للحياة الفطرية والمعروفة بـ"محمية حرة الحرة" .
وعرفت دارة الملك عبدالعزيز بالتراث والفنون الشعبية بالمنطقة التي تتعايش مع أجواء الماضي وسحر التاريخ، حيث تعكس الرقصات والأهازيج صوراً جمالية متنوعة عن المنطقة، إذ لكل مناسبة أداء تراثي خاص مع عزف الربابة ذات الوتر الواحد، والموسيقى الشجية، مشيرة إلى دور العرضة في الحدود الشمالية في إحياء المناسبات بقصائدها المغناة في الأعراس والترحيب بالزوار، إلى جانب رقصة الشباب المعروفة برقصة السامري، أما الألوان الشعبية التي يشتهر بها أهل المنطقة، فهي الهجيني والحداء بألحانه الخاصة بأهل الخيل أثناء هذبها، بالإضافة إلى الدحّة وهي أشهر الألوان الشعبية في المنطقة .
وتتميز المنطقة أيضاً بتنوع المأكولات الشعبية، حيث يعتمد سكان المنطقة في كثير من الأطباق على الموارد المحلية والحيوانية مثل الألبان والسمن، ويعدّ التمر واللبن الطعام الرئيسي في المنطقة، بالإضافة إلى ما تجود به الصحراء من حيوانات مثل الضب والأرانب البرية والطيور، وللفقع "الكمأة" نصيب من الأطباق الشهية التي يقوم سكان البادية بجمعها في مواسمها، ومن أشهر الأطباق المليحي والمرقوق والمطازيز والوشيق .
يذكر أن محافظة عرعر كانت تسمى محافظة "خط الأنابيب" حتى عام 1376هـ، حيث أُطلق عليها إمارة منطقة الحدود الشمالية عندما استلم إمارة المنطقة الأمير عبد الله بن عبد العزيز بن مساعد آل جلوي، ومن هذا التاريخ وهي تتطور وتقدم من جميع النواحي ، لتلاقي هذه المنطقة كل أوجه الدعم من القيادة الرشيدة أسوة ببقية مناطق المملكة .
وقد بدأت القصة بأمر ملكي من الملك عبد العزيز، وقع على أثره عبد الله السليمان وزير المالية الأسبق في 22-8-1366هـ الموافق 11-7 - 1947م، اتفاقية مع الشركات الحاصلة على امتياز النفط السعودي لإنشاء خط التابلاين، حيث مثل المشروع تحدياً في عالم صناعة النفط، إذ يعد الأكبر من نوعه في العالم، وامتد بين ساحل الخليج العربي إلى ساحل البحر المتوسط، بطول يقارب 1700 كيلومتر، وليختصر مسافة بحرية تصل 10 آلاف كيلومتراً لو تم إيصاله عن طريق الناقلات إلى مراكز الاستهلاك، ليكون معبراً لنقل النفط من المملكة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية .
وقد التزمت الشركة المتعهدة بإنشاء خط التابلاين بتوفير فرص عمل في محطاتها ومرافقها جندت لها عاملين من أبناء البادية في المنطقة بوظائف تتناسب مع إمكاناتهم، وذلك مقابل أجور جيدة تؤمن لهم دخلاً ثابتاً، كما قامت الشركة بتدريب الكثيرين منهم ليكونوا أكثر تأهيلاً للأعمال المنوطة بهم، وقامت بحفر آبار المياه وإنشاء المدارس والمراكز الصحية التي تقدم خدماتها المجانية.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.