يلعب هذا المعرض على وتر استعارة بصرية لكتاب «وصف مصر» الذي وضعه مجموعة من العلماء والفنانين، صاحبوا حملة نابليون بونابرت في القرن الثامن عشر على مصر، وسجلوا في أجزائه أغلب أنماط الحياة الشعبية والاجتماعية والثقافية في البيئة المصرية آنذاك.
يستعير الفنان فريد فاضل، روح هذا الكتاب في معرضه المقام حاليا بقاعة بيكاسو بالقاهرة ويستمر حتى 6 من ديسمبر (كانون الأول) 2018، مديرا لعبته الفنية في إطار يجمع ما بين الكلاسيكية في نسقها الفني التقليدي المعروف، والواقعية التي تقترب من نبض الواقع بكل تحولاته، وكأنها بمثابة عين كاميرا، تلتقط ما يمور في وجدانه من رؤى ومشاعر وانفعالات.
ويولي الفنان اهتماماً خاصاً بشخوصه الإبداعية، موظفاً المكان في الخلفية بصورة موحية، ليصبح بمثابة مرآة تعكس ما بداخل هذه الشخوص، ونظرتها إلى ذواتها والحياة والواقع من حولها. تاركاً للمتلقي مساحة سردية مرنة، للتعامل مع الشخوص بحيوية وانسيابية، كأنها سؤال مفتوح في جسد المكان والزمان.
وتضمر اللوحات حالة من الحماس الجياش لمصر وتاريخها، وتراثها العريق، تنعكس في خلفية اللوحات على شكل إشارات وعلامات وعناصر نباتية، مثل أشجار النخيل، والملابس البدوية بزركشتها الحانية المغوية، مما يعني أننا إزاء حالة فنية، قائمة على الدمج بين وعي الفنان الفردي بذاته، ووعيه الجمعي في إطار اللوحة، التي تجسد حالة من خبرة البشر في المكان.
يصف الفنان هذه العاطفة بجملة واحدة اختارها مدخلاً جمالياً للمعرض وعنواناً له وهي «رغبة قلبي»، وإن كان ذلك لم يمنع في الوقت نفسه تفرد كل لوحة وتمتعها بطابع مميز ونكهة مصرية مختلفة.
وهو ما يمكن فهم أسبابه عبر حديث فاضل لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «لكل مكان في مصر سحره وخصوصيته لدي، ولكل تفصيلة معنى ودلالة تحرك مشاعري وترفد أفكاري، وتدفعني لحمل ريشتي للتعبير عنها».
ولذلك، تارة تجده يعبر عن الرجل النوبي المستغرق في أفكاره وتخطيطه للمستقبل، وتارة أخرى تجده يجسد الشخصية الصعيدية بكل صلابتها واعتزازها بنفسها، وفي المجمل يحضر الإنسان المصري في كل مكان، ومن ذلك بورتريه لرجل يرتشف الشاي «في الخمسينة» كما يطلق عليه المصريون - راضياً قانعاً مهما اشتدت صعوبات الحياة.
وخلال ذلك كله يظل البورتريه عنصراً أساسياً لمعرضه كما تعودنا منه، حاملاً تفاصيل مدهشة عن شخصيات أصحابها في حضور ظاهر وناطق بالكثير عن مصر.
ومن البورتريه الذي لا يكاد يخلو منه معرض لفريد فاضل، إلى أعمال تنقل لنا مشاهد من الحياة اليومية، مؤكدة عطاء مصر وخيرها مثل لوحة «فرحة حصاد القطن» التي تتداخل فيها ألوان الذهب الأبيض الشاهقة بألوان أهرامات الجيزة العريقة بصفرتها الذهبية الضاربة في القدم. أيضاً لوحة «غزل البنات» التي تعكس قيمة العمل والسعي وراء لقمة العيش، في فضاء يكشف ثراء الروح الشعبية.
ولم يكن من الممكن لفاضل أن يغفل البعد الحضاري لمصر، التي حفلت بالحضارات المختلفة، فعبر لوحته التي تنتمي للطبيعة الصامتة بعنوان «تأمل في الحضارة القديمة» يقدم لنا معنى رمزياً تعبيرياً، حيث يتجاور في اللوحة إناء إغريقي مع تمثال رائع لفتاة جميلة من إبداع الفنان الإيطالي أنطونيو غاريلا، تنظر فيه بدلال إلى بيضة تعلو طاولة كلاسيكية يعكس سطحها ما يعلوها من أشياء، تم اختيارها بدقة وتناسق بالغين، وبينما ينسدل بانسيابية ناعمة ستار من القماش الأبيض خلف الإناء نرى في الخلفية زخما فنيا تتصدره فرشاة الرسم، في إشارة إلى أن عالم الإبداع لا ينتهي، إنه خلف ما هو كائن بالفعل عالم آخر ينهض ويتشكل في غباره، منتظراً لمسة الفنان.
«رغبة في قلبي» معرض يستعيد زمن الحملة الفرنسية في مصر
فريد فاضل يعتز بشخوصه ويلتقطها من بيئات مختلفة
«رغبة في قلبي» معرض يستعيد زمن الحملة الفرنسية في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة