الرئيس اليمني يخوض صراعا سياسيا مع الخصوم وعسكريا مع «الحوثيين» و«القاعدة»

مصادر: أطراف تغذي الصراع وتسعى إلى إجهاض التسوية السياسية

الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي
الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي
TT

الرئيس اليمني يخوض صراعا سياسيا مع الخصوم وعسكريا مع «الحوثيين» و«القاعدة»

الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي
الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي

يخوض الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي وحكومته صراعا على أكثر من جبهة لاستقرار الأوضاع في البلاد، في ظل النشاط المحموم لجماعة الحوثي المتمردة في شمال البلاد وتنظيم القاعدة النشط في جنوبها، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد وضعا اقتصاديا صعبا.
وتشير مصادر محلية إلى استيلاء المسلحين الحوثيين على أحد المواقع العسكرية في شمال غربي العاصمة صنعاء، وتحديدا في منطقة «بني مطر» على طريق يربط بين محافظة الحديدة (ميناء الحديدة) الاستراتيجي والعاصمة صنعاء، وتذكر المصادر أن الحوثيين يكثفون وجودهم في تلك المنطقة الهامة والاستراتيجية، وتأتي تطورات «بني مطر» بمحافظة صنعاء، بعد فترة هدوء في محافظة عمران بشمال صنعاء التي استولى عليها الحوثيون قبل تسليمها إلى الحكومة المركزية بصنعاء.
وتقول مصادر سياسية يمنية لـ«الشرق الأوسط» إن العمليات التي تسعى إلى تقويض النظام في القائم وعلى رأسه الرئيس عبد ربه منصور هادي «تتلقى دعما محليا وإقليما من جهات معروفة وتسعى إلى تقويض العملية السياسية والتسوية التي جرت في ضوء المبادرة الخليجية وتحويل اليمن إلى دولة فاشلة»، خاصة أن بعض «الأطراف التي كانت في نزاع سياسي وأمني وعسكري محتدم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أعربت، مؤخرا، عن رغبتها في تسوية الخلافات معه من أجل إقامة تحالفات جديدة»، تحت اسم «المصالحة الوطنية»، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
من جهة ثانية، يواصل، من يعتقد أنهم عناصر تتبع تنظيم القاعدة وتنظيمه المحلي «أنصار الشريعة» سلسلة الاغتيالات التي تستهدف ضباط أجهزة الأمن والمخابرات والقوات المسلحة بمختلف تشكيلاتها، فقد أكد مصدر عسكري يمني لـ«الشرق الأوسط» أن جنديا قتل وجرح آخر في محافظة شبوة بجنوب شرقي البلاد، عندما استهدفه مسلحون مجهولون، ضمن سلسلة العمليات التي تستهدف النقاط والدوريات الأمنية وبعض المعسكرات، وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «مسلحين يرجح أنهم ينتمون لـ(القاعدة)، قتلوا أكثر من 500 ضابط وجندي خلال الأشهر الماضية، رغم الحملات العسكرية التي قتلت المئات منهم في شبوة وأبين وحضرموت».
وكان مسلحون يعتقد بانتمائهم لـ«القاعدة»، قتلوا 4 جنود من القوات الخاصة وأصابوا اثنين آخرين في اعتداء وصف بـ«الإرهابي الغادر والجبان»، والذي استهدف نقطة أمنية في محافظة البيضاء التي ينشط فيها تنظيم «أنصار الشريعة» المتشدد والمتفرع من «القاعدة»، ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) عن مصدر أمني قوله «إن العناصر المسلحة التي يرجح أن تكون من عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي هاجموا نقطة أمنية في منطقة عزة بمدينة البيضاء مساء اليوم (أول من أمس) مما أدى إلى استشهاد أربعة جنود وإصابة اثنين آخرين إصابتهما خطرة، فضلا عن قيامهم بإحراق طقم تابع للنقطة ثم لاذوا بالفرار»، وأشار المصدر الرسمي إلى استمرار قيام تعزيزات أمنية بملاحقة وتعقب المهاجمين في الجبال المحيطة بالمنطقة.
وحسب وزارة الداخلية اليمنية، فقد تمكنت حملة أمنية في محافظة لحج الجنوبية من إلقاء القبض على 4 أشخاص «يشتبه بضلوعهم يوم أمس (الخميس الماضي) بارتكاب جريمة اغتيال الرائد عبد القادر عقيل كرو وإصابة الجندي نصر ناصر عبد الله جامع». ونقل مركز الإعلام الأمني التابعة لوزارة الداخلية عن الشرطة في لحج أن الأربعة الأشخاص المضبوطين والذين يشتبه بتورطهم في جريمة الاغتيال تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما.
وتأتي هذه التطورات في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة يعاني منها الشارع اليمني ومنها انعدام الوقود ومشتقاته والضربات «التخريبية» التي تستهدف شبكات الكهرباء وأنابيب النفط وأدت إلى انقطاع شبه تام للكهرباء في صنعاء وغيرها من المحافظات، وتردي الاقتصاد اليمني بسبب عدم تصدير النفط بسبب هجمات مسلحة تستهدف أنابيب تصديره في شرق البلاد.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.