طواقم الدفاع المدني بغزة.. ومعاناة لانتشال الضحايا

أحد أفرادها لـ {الشرق الأوسط} : نضطر لرفع الركام بأيدينا

أحد أعوان الدفاع المدني أثناء أداء عمله في غزة أمس («الشرق الأوسط»)
أحد أعوان الدفاع المدني أثناء أداء عمله في غزة أمس («الشرق الأوسط»)
TT

طواقم الدفاع المدني بغزة.. ومعاناة لانتشال الضحايا

أحد أعوان الدفاع المدني أثناء أداء عمله في غزة أمس («الشرق الأوسط»)
أحد أعوان الدفاع المدني أثناء أداء عمله في غزة أمس («الشرق الأوسط»)

تواجه طواقم الدفاع المدني في قطاع غزة ظروفا مأساوية ومعاناة لا تقف فقط عند محاولات إنقاذ الضحايا من تحت الركام، بل تتعدى «المأساة الجهنمية» كما يصفها رجال الدفاع المدني، لأنهم لا يملكون من المعدات ما يمكنهم من العمل بسهولة وبسرعة لإنقاذ مزيد من أرواح الناس التي تزهق بفعل صواريخ الاحتلال وتدمير منازل على رؤوس ساكنيها.
ويعاني جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة من نقص في الإمكانيات والمعدات التي تستخدم في عمليات الإنقاذ التي تنفذها طواقم من الجهاز، حيث يؤثر ذلك بشكل كبير على عملهم في ظل العملية العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة في قطاع غزة والتي تستهدف بشكل مباشر منازل المدنيين.
ويقول أحد أفراد طواقم الدفاع المدني أحمد صبح (27 عاما)، لـ«الشرق الأوسط»، إنهم يضطرون لرفع الكثير من الركام بأيديهم لعدم توافر معدات كالبواقر والحفارات والجرافات الكبيرة التي يمكن استخدامها في إزالة الركام من المنازل المدمرة خاصة تلك التي يتم استهدافها وبداخلها سكان، مشيرا إلى أنهم لا يجدون الإمكانيات اللازمة لانتشال الضحايا من بين الركام. ويضيف «منذ 3 أيام وصلنا بلاغ بوجود 9 مواطنين من عائلة واحدة تحت ركام أحد المنازل في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، ووصل طاقم من 16 فردا إلى المنطقة التي كانت تتعرض حينها للقصف العنيف، وعملنا على مدار 4 ساعات كاملة على الرغم من محاولات الاحتلال إرهابنا بتحليق طائراته على مستويات منخفضة فوق المنزل ذاته، ولكننا واصلنا العمل»، مبينا أن قلة الإمكانيات بحوزتهم أعاقتهم عن إنقاذ سيدة وطفلة بعد أن نزفتا طويلا تحت ركام المنزل، فيما تم إنقاذ الآخرين وهم بحالات تتراوح ما بين الخطيرة إلى المتوسطة.
وذكر صبح حادثة أخرى شارك فيها لمحاولة إنقاذ 3 شبان حوصروا أسفل الأرض على بعد 6 أمتار، بعد أن دمر الاحتلال منزلا من طابقين عليهم خلال تفقدهم للمنزل الذي يقع في حي تل الهوى غرب مدينة غزة، مبينا أن 5 من أفراد الطاقم عملوا على نقل الحجارة الكبيرة بأيديهم، فيما استخدم باقي أفراد الطاقم المكون من 10 أشخاص معدات صغيرة لتدمير الحجارة لكي ينجحوا في الوصول لمن هم أسفل المنزل، مبينا أنهم بعد أكثر من 9 ساعات من العمل المتواصل أنقذوا الشبان الثلاثة، وهم مصابون بجروح متوسطة نقلوا على أثرها لمستشفى الشفاء بمدينة غزة.
واستعرض جهاز الدفاع المدني في مؤتمر صحافي عقد منذ أيام في مستشفى الشفاء المعاناة الكبيرة التي تجدها طواقمه في التعامل مع الظروف الحالية، مناشدا كل أحرار العالم تقديم الإمكانات اللازمة للجهاز بهدف تقديم خدماته الإنسانية للمواطنين في غزة.
ويقول عبد الله أبو عودة (43 عاما)، وهو سائق إحدى سيارات الدفاع المدني، إنهم يواجهون صعوبات جمة جراء استهدافهم المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أنهم تعرضوا أمس وأول من أمس لإطلاق نار مباشر من الدبابات الإسرائيلية في منطقة حي الشجاعية شرق مدينة غزة. ويضيف «على الرغم من أن سياراتنا معروفة لدى الاحتلال، فإنه تعمد استهدافنا في أكثر من مرة، كما استهدف طواقمنا لدى وصولها إلى عدة مناطق، وقد استشهد وأصيب العديد من الجرحى من زملائنا في الطواقم المختلفة»، مشيرا إلى أنه في عدة مرات كان الاحتلال يتعمد الاستهداف أكثر من مرة لذات السيارة بعد أن يُسمح لها بالدخول لمناطق التوغل البري. وتابع «نعمل في ظل القصف المدفعي والجوي وفي ظل قلة الإمكانيات المتاحة لنا. نعمل في وضع مأساوي بل أكثر من ذلك، وضع جهنمي نواجه به حربا خاصة عنوانها الاحتلال من جهة وقلة الإمكانية من جهة أخرى».
ويقول شادي أبو حسنين، لـ«الشرق الأوسط»: «17 يوما نعمل في ظروف مأساوية، لا نجد الوقت كي نطمئن فيها على عوائلنا، وبعضنا قد يعود لبيته شهيدا يُحمل على الأكفان بدلا من أن ينتظره أطفاله سالما يحتضنهم ويعانقهم بعد كل هذا الغياب». ويضيف «بعضنا يذهب في مهام ويودع زميله الآخر، لكنه لا يجد وقتا ليتصل بعائلته ويودعهم، وحين نعود نحتضن بعضنا البعض إن عدنا بسلام».
ووفقا لبيان جهاز الدفاع المدني، فإن أحد أفراد الجهاز ويُدعى إبراهيم السحباني، قتل، وأصيب 9 عاملين آخرين بجروح مختلفة، فيما استهدفت 3 سيارات للدفاع المدني بشكل مباشر من قبل الطائرات المختلفة، في حين استهدفت 4 سيارات أخرى من قبل المدفعية والدبابات. ويقول أبو حسنين «أمس ذهبنا لحي الشجاعية لانتشال بعض الشهداء الذين تركوا تحت الدمار. 17 مواطنا أنقذناهم أحياء من تحت الركام بعد 4 أيام من بقائهم هناك. عجبت كيف بقي هؤلاء أحياء بين كل هذا الدمار والركام. نشاهد مناظر مروعة وفي الوقت ذاته نعجب في بعض الظروف من بقاء إنسان صائم وهو لا يجد ما يأكله ولا يشربه ويئن من الإصابة التي تعرض لها لكنه حي يرزق بعد أيام طويلة تحت الردم والركام»، مشيرا إلى أنهم تعرضوا خلال مهمتهم في حي الشجاعية لقصف مدفعي وإطلاق نار من الدبابات، مما اضطرهم لمغادرة الحي بعد ساعتين من العمل.
وأشار إلى أنهم على الرغم من الصيام وقلة الإمكانيات فإنهم يعملون بطاقة وجهد كبير لإنقاذ أراوح الفلسطينيين الذين يتعرضون للهجمات الإسرائيلية، مناشدا كل الدول العربية التحرك من أجل وقف ما وصفه بـ«شلال الدم» في غزة.
ويقول المسؤول في جهاز الدفاع المدني محمد الميدنة، لـ«الشرق الأوسط»، إن أفرادا من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية الذين استنكفوا عن العمل سابقا قد انضموا للعمل معهم منذ بدء الحرب، بهدف تقديم المساعدة في ظل العدوان الإسرائيلي الذي يطال كل الفلسطينيين بلا استثناء، مشيدا بجهودهم وجهود بعض وحدات الإنقاذ التابعة لبعض الوزارات مثل وزارة الإسكان والأشغال العامة. وأكد على العراقيل التي ذكرها أفراد طواقم الدفاع المدني خلال التقرير، مشيرا إلى أنهم نجحوا في تجاوز قلة الإمكانية وكل العراقيل التي تواجههم، لكن الاستهداف الإسرائيلي للمباشر للطواقم يشكل الهم والخطر الأكبر على حياتهم، داعيا كل المنظمات الحقوقية والدولية لتوفير الحماية الخاصة لتلك الطواقم على اعتبار أنها جهة تقدم خدمات إنسانية فقط.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.