الشارع اللبناني متمترس خلف القوى الحزبية: بحكومة أو من دونها البلد على شفير الهاوية

مخاوف من إحياء الصراع السني ـ الشيعي على خلفية «العقدة السنية»

TT

الشارع اللبناني متمترس خلف القوى الحزبية: بحكومة أو من دونها البلد على شفير الهاوية

يُجدد القسم الأكبر من اللبنانيين عند كل استحقاق «ولاءهم» للأحزاب والقوى السياسية الحاكمة، وهو ما حدث في الانتخابات النيابية الأخيرة التي أعادت إنتاج الطبقة نفسها التي تتصارع مكوناتها منذ نحو 6 أشهر على الحصص الوزارية، ما يؤخر تشكيل الحكومة التي دخلت قبل 3 أيام منعطفاً خطيراً بعد حل ما عُرفت بـ«العقدة المسيحية» وتبلور تشدد «حزب الله» في موضوع تمثيل حلفائه السنّة، مما يهدد، بحسب عدد من الخبراء، بإعادة إحياء الصراع السني - الشيعي في لبنان.
وإذا كان عدد لا بأس به من المواطنين قد ملّ عملية شد الحبال المستمرة بين القوى السياسية لتحصيل أفضل حصة وزارية، كمّاً ونوعاً، فإن الجماهير المؤيدة لحزب معين لا تزال مقتنعة بصوابية تمترس قيادة حزبها خلف مطالبها وشروطها، اقتناعاً منها بأن «تشكيل الحكومات لطالما كان ملفاً سياسياً بامتياز، باعتبار أنه بوجود حكومة أو عدمه، فالبلد على شفير الهاوية»... هذا ما عبر عنه «م.ع»، (32 عاما)، من إحدى قرى الجنوب اللبناني، مشددا على أن مطلب «الثنائي الشيعي» بتوزير حلفائه السنة مطلب محق تماما ويتوجب أخذه بعين الاعتبار من قبل الرئيس المكلف، لافتا إلى أنه «كما انتظرنا 5 أشهر لتأخذ (القوات اللبنانية) مطالبها أو يتم تحجيمها، فيمكن أن ننتظر مزيدا من الوقت سعيا لتحصيل حقوق النواب السنة الذين لا ينتمون إلى (تيار المستقبل)». وقال «م.ع» لـ«الشرق الأوسط»: «حين كان كل النواب السنة ينتمون لـ(المستقبل) كان الحريري يحتكر تمثيل السنة وزاريا، أما اليوم وبعدما بات 62 في المائة من نواب السنة فقط من (المستقبل)، فلا يمكن القبول باحتكاره كل التمثيل السني الوزاري».
وأشار «م.ع» إلى أن «حكومات سابقة بقيت 9 أشهر لتتشكل فقط لأن فريقا معينا كان يرغب بتوزير شخصية معينة، كما أن حكومة الرئيس تمام سلام استلزم تشكيلها 11 شهرا، لذلك نعتقد أننا لم نتجاوز الخطوط الحمر من حيث المواعيد؛ وإن كان البعض يتحجج لتجاوز حقوق البعض بالوضع الاقتصادي الضاغط». وأضاف: «تشكيل الحكومة الآن لن يحل الأزمة الاقتصادية المزمنة. يكفي استخفافا بعقول اللبنانيين».
بالمقابل، يبدو الجمهور السني مستنفرا بعد دخول «حزب الله» على الخط لفرض توزير حلفائه السنة. واعتبر «ي.د»، (50 عاما)، من عكار (شمال لبنان)، أن «ما يحصل في المرحلة الراهنة محاولة لاستكمال مخطط تطويق سعد الحريري وإضعافه سياسيا وإسلاميا، وبالتحديد في الساحة السنية»، لافتا إلى أنه «على الرغم من اقتناع (حزب الله) والرئيس عون وسواهما بأن لا بديل عن الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة، إلا إن ما يسعون إليه أن يكون بشروطهم أشبه بأسد من دون أنياب، أي بمعنى آخر غير قادر على فرض رأيه داخل الحكومة». وأشار «ي.د» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الشارع السني اليوم يفضل أن يعتذر الرئيس الحريري عن (عدم) تشكيل الحكومة إذا كان الخيار بين الاعتذار والرضوخ لشروط (حزب الله)، عادّاً أنه «قد يكون من المفيد أن يترك الرئيس المكلف هذه الطغمة الحاكمة لتقلع أشواكها بيديها، وألا يؤمن لها الغطاء في هذه المرحلة ويتركها تثبت عجزها».
وتتفاوت الآراء في الشارع المسيحي الذي عاد منقسما بعد سقوط الاتفاق بين «القوات» و«التيار الوطني الحر». واعتبر «ش.م»، (36 عاما)، من الأشرفية (بيروت)، أن العقدة الوحيدة التي تؤخر تشكيل الحكومة هي سعي الأقوياء للاستحصال على أكبر عدد ممكن من الوزراء بغية الاستئثار بالحكم وضمان الإمساك بالثلث المعطل، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «في النهاية، سيتوصلون إلى صيغة يخرج منها كل الفرقاء رابحون، وستُحل الأزمة على الطريقة اللبنانية بعد إقناع الجماهير بأن كل طرف قدم التضحيات والتنازلات».
أما «م.ص»، (43 عاما)، التي تؤيد المجتمع المدني، فتبدو ناقمة تماما على الوضع الحالي، عادّةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مشهد تشكيل الحكومة مستفز لدرجة كبيرة، لكن الأكثر استفزازا رضوخ القسم الأكبر من اللبنانيين وعدم سعيهم لإسقاط هذه الطبقة الحاكمة التي تتقاسم الحصص على عينك يا تاجر ومن دون خجل».
ويستبعد الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، أن يتمسك «حزب الله» طويلا بمطلبه توزير «السنة المستقلين»، لافتا إلى أن ذلك لن يفيد هؤلاء النواب الذين سيخسرون في شارعهم السني إذا ظهروا كأنهم يقفون خلف «حزب الله» الذي يطالب بحقوقهم. وقال شمس الدين لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد من الفرقاء يستطيع أن يتحمل مسؤولية المزيد من التأخير في تشكيل الحكومة، خصوصا إذا لم تحل (العقدة السنية) خلال الأيام القليلة المقبلة، فذلك سيعني أننا دخلنا في أزمة مفتوحة لأشهر، أضف أن ذلك سيهدد بإعادة إحياء الصراع السني - الشيعي»، مرجحا أن «يتراجع (حزب الله) عن مطلبه ويضع ذلك في خانة التضحيات التي قدمها للإسراع بتشكيل الحكومة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».