نحو نسق تعليمي يستند إلى الإبداع لا الذكاء

إعادة طباعة «فلسفة الإبداع» لمراد وهبة

نحو نسق تعليمي يستند إلى الإبداع لا الذكاء
TT

نحو نسق تعليمي يستند إلى الإبداع لا الذكاء

نحو نسق تعليمي يستند إلى الإبداع لا الذكاء

أعاد المجلس الأعلى للثقافة في مصر طباعة كتاب «فلسفة الإبداع»، الذي قدمه أستاذ الفلسفة الدكتور مراد وهبة للقراء لأول مرة عام 1996، وكان الإصدار الثالث له لـ«دار العالم الثالث» في سلسلة «التنوير»، في طبعة شعبية.
ويسعى المؤلف عبر فصول الكتاب إلى تأسيس نسق تعليمي جديد لا يستند إلى ثلاثية التلقين والتذكير والذكاء. فالإبداع، عند وهبة، يتمثل في قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الواقع، وبذلك يكون الإنسان قادراً على التغيير بفضل إعمال العقل.
وهناك، حسب المؤلف، علاقة عضوية بين الإبداع والمستقبل، فالإبداع تجسيد للأخير، وليس امتداداً للماضي عبر الحاضر، الذي هو الوضع القائم الذي يجب تجاوزه إلى وضع آخر، بشرط وجود رؤية مستقبلية، يستند إليها تأسيس النسق التعليمي الجديد، وهو ليس بالأمر اليسير، لأن البنية التعليمية متداخلة مع نظيرتها الاجتماعية، والأخيرة متداخلة مع نسق القيم المملوء بالمحرمات الثقافية.
وينفي وهبة، في كتابه، وجود أية علاقة بين العبقرية والجنون. ونفي هذه العلاقة يعني أن الأولى ليست ظاهرة مرضية، لكنها تدخل في إطار الإبداع السوي، كما أنه ينفي وجود أي علاقة بين العبقرية والسحر، مشيراً إلى أن السحر كان له الغلبة على العلم عند بزوغ الحضارة الإنسانية، لكنها بدأت تتضاءل مع التطور العلمي.
ومن ناحية أخرى، لا يرى المؤلف أن هناك إبداعاً آنياً أو إلهاماً، فهذا كله لا يستقيم علمياً، ولكنه موجود في الأساطير التي ننسجها، مثل أسطورة التفاحة التي سقطت على رأس نيوتن ففجرت «قانون الجاذبية».
من هنا، أكد وهبة أن السؤال عن ماهية العبقرية ينتفي لأنه، حسب وجهة نظره، ليس ثمة عبقرية، ولا يبقى سوى الإبداع في شكله السوي، بوصفه السمة الجوهرية في عقل الإنسان، وهذا معناه أنه يمكن ممارسته منذ الطفولة، ويستلزم ذلك إعادة النظر في أسلوب تعليم الأطفال.
ونوه وهبة هنا بتجربة الفنان حبيب جورجي، الذي كان عميداً لقسم التربية الفنية بوزارة التربية والتعليم المصرية، التي جمع خلالها ستة من أطفال الشوارع، وأسكنهم معه، وهيأ لهم وسائل التعبير التلقائي، بمعزل عن أي نوع من أنواع التدريب التقليدي، وتركهم يستوحون من خيالهم، ويستنبطون التعبير الذاتي المبدع من داخلهم، فقدموا لوحات فنية في صياغات عفوية، كما قاموا بنسج سجاجيد رآها فنانون بريطانيون أفضل من نظيرتها الحديثة عند فنانين إنجليز وفرنسيين.
ويرى وهبة أن نظريات التعلم تجاهلت دراسة السلوك الاستبصاري، وهو على علاقة وثيقة بنظيره الإبداعي، فالموضوع المبدع، حسب وجهة نظره، يتجسد في ظهور ما هو جديد، حيث يأتي الإبداع كمشروع في المستقبل.
ومن هنا، يدعو إلى إعادة النظر في النسق التعليمي لأنه قائم على ثلاثية التلقين والتذكر والذكاء، وهو غير صالح للبقاء في إطار رباعية المستقبل التي تتمثل في الإبداع والكونية والاعتماد المتبادل، والتي لا يمكن أن تستقيم إلا بالإبداع، ما يستلزم تأسيس نسق تعليمي جديد.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض