رئيس سريلانكا يعلق عمل البرلمان وسط أزمة سياسية ودستورية

الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تطالب بالهدوء والتقيد بالدستور

جنود يقومون أمس بدوريات قرب قصر الرئاسة تخوفاً من أعمال شغب في العاصمة كولومبو (أ.ف.ب)
جنود يقومون أمس بدوريات قرب قصر الرئاسة تخوفاً من أعمال شغب في العاصمة كولومبو (أ.ف.ب)
TT

رئيس سريلانكا يعلق عمل البرلمان وسط أزمة سياسية ودستورية

جنود يقومون أمس بدوريات قرب قصر الرئاسة تخوفاً من أعمال شغب في العاصمة كولومبو (أ.ف.ب)
جنود يقومون أمس بدوريات قرب قصر الرئاسة تخوفاً من أعمال شغب في العاصمة كولومبو (أ.ف.ب)

دعا رئيس برلمان سريلانكا كارو جاياسوريا، في بيان، إلى الهدوء وضبط النفس وحلّ سريع للأزمة، بعدما علّق الرئيس السريلانكي مايثريبالا سيريسينا، أمس (السبت)، البرلمان بعد دعوة أطلقها رئيس الوزراء رانيل ويكريميسينغي الذي أقاله الرئيس، أول من أمس (الجمعة)، لعقد دورة طارئة للبرلمان ليتمكن من إثبات غالبيته. وأدان وزير الإعلام والمالية مانجالا ساماراويرا، تعيين ماهيندا راجاباكسي رئيساً للوزراء، واصفاً الخطوة بأنها «انقلاب مناهض للديمقراطية» وانتهاك للدستور. وأدى راجاباكسي اليمين أمام سيريسينا، أول من أمس، بعد عزل ويكريميسينغي الذي كان يقوم بجولة في جنوب البلاد. ووفق دستور سريلانكا يقود رئيس الوزراء البرلمان ويتمتع رئيس البلاد بسلطات تنفيذية.
وذكر مسؤولون أمس، أن الرئيس سيريسينا جمّد عمل البرلمان، لمدة ثلاثة أسابيع، مما يحرم رئيس وزرائه الذي أُطيح به، من فرصة إثبات الأغلبية التي يتمتع بها حزبه. وقال المتحدث باسم الحكومة راجيثا سيناراتنه، للصحافيين: «الرئيس عطّل البرلمان». وقال المسؤولون إن الرئيس علّق كل اجتماعات أعضاء البرلمان البالغ عددهم 225، حتى 16 نوفمبر (تشرين الثاني). وكان يفترض أن ينعقد البرلمان في الجزيرة الواقعة جنوب آسيا في الخامس من نوفمبر لمناقشة ميزانية 2019. لذا، يمكن أن يسبب تعليق عمل البرلمان مشكلات للحكومة بينما تشهد البلاد أزمة اقتصادية.
وكان ويكريميسينغي الذي أقاله الرئيس، الجمعة، وعيّن محلّه الرئيس السابق ماهيندا راجاباكسي في خطوة مفاجئة للجميع، قد كتب في وقت سابق إلى رئيس البرلمان وطلب منه عقد دورة طارئة. وأوضح مسؤول من أوساط رئيس الوزراء المُقال، السبت، أن ويكريميسينغي «يريد إثبات أغلبيته في البرلمان»، وينوي إثبات أن إقالته غير قانونية.
وقال ويكريميسينغي في مؤتمر صحافي في العاصمة كولومبو، أمس، وقد أحاط به جميع شركاء الائتلاف الذي يقوده باستثناء حزب رئيس الدولة: «أنا لي الأغلبية في البرلمان». وقال أيضاً: «البرلمان وحده يستطيع إظهار من له الأغلبية». ويعني تعطيل البرلمان أن ويكريميسينغي لن تكون أمامه فرصة حالياً لإثبات حصوله على الأغلبية وسط تكهنات بأن بعض أعضاء حزبه سيساندون راجاباكسي لاقتناص ميزات ومناصب وزارية.
وقال ويكريميسينغي في مؤتمر صحافي: «الأحزاب المؤسسة معي ولديّ الأغلبية لأظل رئيساً للوزراء». وقال للصحافيين إنه لا يقبل تعيين راجاباكسي الذي بدأ بالفعل إصدار أوامر بوصفه رئيساً للوزراء، وإنه سيطعن على قرار الرئيس.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، كما نقلت عنها الصحافة الفرنسية: «ندعو كل الأطراف إلى التصرف طبقاً لدستور سريلانكا، والامتناع عن أي عنف واتّباع التدابير المناسبة». وأضافت: «ننتظر من حكومة سريلانكا أن تحترم التزاماتها (التي قطعتها) في جنيف».
وكرر دبلوماسيون أوروبيون في كولومبو المخاوف الأميركية. وقالوا في بيان إن «سفير الاتحاد الأوروبي وكذلك سفراء فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا ورومانيا وبريطانيا يطلبون من كل الأطراف التصرّف بالتوافق الكامل مع دستور سريلانكا». وطالبوا أيضاً بأن تمتنع الأطراف عن العنف وأن تحترم حرية الصحافة.
ودبت الخلافات السياسية بعد شهور من التناحر داخل الائتلاف الحاكم، وتأتي وسط نمو اقتصادي متراجع في سريلانكا. وكانت العلاقات بين الحزب الوطني المتحد الذي يتزعمه ويكريميسينغي وحزب تحالف الحرية الشعبي المتحد الذي يتزعمه سيريسينا، قد تصاعدت في الآونة الأخيرة بعد أن وجه سيريسينا انتقاداً إلى حزب ويكريمسينغي لعدم إجراء تحقيقات كافية في مؤامرة لاغتيال الرئيس. وهدد حزب تحالف الحرية الشعبي المتحد بالانسحاب من الائتلاف. واتهم سيريسينا أجهزة المخابرات الهندية بالضلوع في مؤامرة الاغتيال، وهو ما نفته نيودلهي وحكومة سريلانكا أيضاً.
وألغى تعديل دستوري أُقرّ عام 2015 إمكانية الرئيس إقالة رئيس الوزراء. وتأتي هذه التطورات السياسية بعد خلافات بين الرئيس ورئيس الوزراء المُقال في ما يخص السياسة الاقتصادية وإدارة الجهاز الإداري الحكومي. وجرى انتخاب سيريسينا رئيساً في عام 2015 بفضل دعم من الحزب الوطني المتحد الذي يترأسه ويكريميسينغي، لكن الحكومة الائتلافية شهدت خلافات داخلية في الأشهر الأخيرة. وجاءت الاستعانة ببديل ويكريميسينغي بعد ساعات من قرار حزب تحالف حرية الشعب الموحد الذي ينتمي إليه سيريسينا، والذي يشكل جزءاً من الائتلاف الحاكم في برلمان الانسحاب من الحكومة، الجمعة. وقال ويكريميسينغي إنه لا يعتزم خلق أزمة، وإن استدعاء البرلمان سيكون الحل الوحيد لإظهار أغلبية الحكومة الائتلافية بقيادة الحزب الوطني المتحد.
ويحاول حزب تحالف حرية الشعب الموحد الفوز بدعم بعض أعضاء الحزب الوطني المتحد، ولكنّ ويكريميسينغي قال إنه واثق من ولاء أعضائه. ويملك الرئيس دستورياً صلاحيات تعيين رئيس الوزراء في سريلانكا. واتهم الرئيس ويكريميسينغي وحزبه بخصخصة المشاريع العامة وبيعها للدول الأجنبية، وبالفساد على نطاق واسع.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».