الكتاب الأول... مرآة المبدع أم ماضيه؟

شعراء وكتاب مصريون يرونه حجر الأساس في تجاربهم

الشاعرة شيرين العدوي
الشاعرة شيرين العدوي
TT

الكتاب الأول... مرآة المبدع أم ماضيه؟

الشاعرة شيرين العدوي
الشاعرة شيرين العدوي

يمثل الكتاب الأول والفرح به نقطة ضوء مهمة وكاشفة في حياة الكتاب والشعراء، يصفه بعضهم بأنه كالطفل الأول الذي يشع في المكان بهجة البراءة والملامسة الأولى للحياة، وآخرون يعتبرونه «الجين الإبداعي» الذي يحمل سماتهم وصفاتهم.
سألنا عدداً من الشعراء والروائيين المصريين عن صورة عملهم الإبداعي الأول في ذاكرتهم الإبداعية، وإلى أي مدى تشكل هذه الصورة مرآة لماضيهم ومستقبلهم في فضاء الإبداع، وكانت هذه الردود:

الشاعرة شيرين العدوي:
البدء بخطة غضة

ترددت طويلاً قبل نشر ديواني الأول «دهاليز الجراح». كان لدى كم هائل من القصائد، فاستبقيت القصائد التي تمثل مرحلة أخرى في الكتابة. كل من كان حولي من الشعراء والنقاد كانوا يرون أن طريقي للقصيدة سيتطور بعمق. ونبهني الشاعر الكبير سيد حجاب إلى القصائد التي يمكن أن تكون قريبة من الناس لأن أغلب البشر لم يتجرعوا كم الثقافة التي تجرعها المبدعون. ولذلك على المبدع أن يعبر عن آلامهم وأحلامهم دون تدنٍ، بل يسحبهم على سجادة من نور. في الحقيقية، كانت القصائد منذ التجربة الأولى تأخذني إلى تعدد الأصوات داخل العمل، وتتراوح بين القصائد الطويلة جداً والومضة، وتعبر عن الهم المشترك القومي بنعومة اليومي والمعتاد، ربما انفتاح القاموس الشعري أكثر ومحاولة إحياء اللغة والتجربة المحلقة، كانت تعطى تلك الإشارة، ولم أستطع إلا أن أكمل طريقي لقصيدتي التي أحلم بها، رغم الإشارة التي حاول أن ينبهني إليها الشاعر الراحل سيد حجاب.
الآن، ربما بتعميق الرؤية، وربما قصيدتي نفسها ما زالت تحمل سماتها الأولى، لكنها في الوقت نفسه تجرب نفسها بالانعطاف إلى أشكال مغايرة للحداثة وما بعد الحداثة، وربما ما حدث معي في حال التجريب تلك كان بسبب أن من ناقشوا الديوان كانت أيديهم حانية، فأشاروا إلى الطريق التي كنت أعبدها لنفسي بالقراءة وممارسة الحياة. هؤلاء الذين ناقشوني في تجربتي الأولى كانوا شعراء، ولذلك كان نقدهم الفني إلهاماً واستشرافاً للآتي. أذكرهم الآن: أحمد سويلم ومحمد الشهاوي، والنقاد الذين يحملون الفن كأمانة، مثل الدكتورين مصطفى الضبع ومجدي توفيق. إنه دور الشاعر ودور الناقد في صنع عملية إبداعية حقيقية. ولو عاد بى الزمن، لترددت في النشر، ولكن مهما كانت النتائج، كان لا بد من البدء بهذه الخطوة الغضة لأمضي لخطوات أعمق.

فتحي إمبابي:
الحجر الأساس

عادة ما يكون العمل الأول هو الاختبار الحقيقي لموهبة الكاتب، وتعبيراً عن امتلاكه لأدواته الفنية، وأذكر أنني أمضيت عامي 1978 و1979، وهي الفترة التي سبقت نشر الطبعة الأولى من رواية «العُرْس» في 1980، أقوم بمهمة وحيدة، وهي التيقن من أن ما كتبته يندرج تحت أحد صنوف الفنون الكبرى، وهو فن الرواية. وكان سؤالي للأصدقاء والنقاد: هل هذا النص يرقي لمرتبة أن يكون رواية؟ وبمعني أكثر وضوحاً: هل أنا روائي؟
كانت المحطة الأولي في لندن، حيث عرضت المسودة الأولى على عدد من الأصدقاء المثقفين، وكان رد فعلهم أكثر من رائع، مما شجعني على عرضها على الدكتور صبري حافظ، الذي التقيته في رحاب جامعة أكسفورد، كان يوماً طويلاً وحواراً شديد الرقي، لم يقل لي إنك روائي بالقطع، لكنه أنهي حواره بالقول إن أي إجابة على سؤالك لن تثنيك عن الكتابة.
وعقب عودتي من المملكة المتحدة، التقيت عدداً من الأصدقاء، وكنت قد قمت بإعادة كتابة الرواية في الإسكندرية، حيث فصلت ما بين النصين: العُرْس والعلم. وقد لاقت رواية «العُرْس» إعجاب الجميع بلا استثناء، كان أغلبهم يلتهمها التهاماً، إلا أني أعتبر أن من دشنها، ومن جعلني اتخذ قرار النشر، الرأي الذي تبناه الناقد الكاتب الكبير إبراهيم فتحي، صاحب المعايير التي تخلو من السماحية، فقد فتن بالرواية، وكان لرأيه الموقف الفصل، ومن ثم قررت على أثر ذلك الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي «النشر».
ويشير إمبابي إلى أن كل هذا انعكس بالثقة في النفس، والقدرة على تبني أنماط الرواية بالمفهوم العالمي. هكذا، جاءت الرواية الثانية «نهر السماء» خارج عباءة أنماط الرواية العربية السائدة في ذاك الوقت، هذه المؤشرات والسمات منذ العمل الأول شكلّت حجر الأساس في تطوري وتجربتي السردية، والتي أقسمها في تلك رواية (العُرْس) إلى 3 محاور:
أولاً: اللغة، فمن أهم العناصر الروائية القدرة على امتلاك لغة تتميز بالسيولة والأنسابية، والتعبير عن مكونات الرواية الرئيسية، مثل السرد والشخصيات والأحداث والبناء الدرامي، بلغة مميزة تتسم بالبلاغة والجمال، بل من دونها ربما نصبح أمام نص قد يكون مجرد مقال أو العدم ذاته. وفي هذا الصدد، تبين لي أن قدرتي على استخدام اللهجات المتنوعة للشخصيات التي تنتمي إلى جنسيات متعددة ينعكس على النص ويثريه بالتنوع، وهو محبب لدى القارئ، رغم صعوبة الفهم أحياناً.
الأمر الثاني أن البناء الدرامي للرواية استطاع تخطي واقع عالم الهجرة الاجتماعي المفكك، حيث الاتصال الاجتماعي بين الأعراق المتعددة خارج العمل يكاد يكون معدوماً، لذلك جاء الزمن الروائي المباشر، هو ليلة عرس إحدى الشخصيات الرئيسية، يبدأ مع موكب العرس في شوارع المدينة، وينتهي في صباح ليلة عرس نهاية دامية، تبدت في انتحار العروس. وخلال تلك المدة التي لا تتجاوز اثنتي عشرة ساعة، استخدمت تكنيك الفلاش باك لنقل حياة ومشكلات وصراعات عشرات من الليبيين والسورين والفلسطينيين والمصريين واللبنانيين. وكأنك تقف على حلقة في منتصفها إنجاز العرس بين شاب وفتاة متعلمة، وبينما الجميع يتحرك جيئة وذهاباً بين ذكرياته الشخصية التي تعبر عن عالمه الخاص والتقدم باتجاه فض بكارة العروس بالطريقة البدائية، هكذا تجد نفسك تقف على الشفرة الحادة بين الحداثة والثراء النفطي، وبين التقاليد والأعراف القديمة المدمرة.
أما الأمر الثالث، فهو أنني تناولت الواقع بنقد حاد على شتى القيم السائدة، الناجمة عن هزيمة يونيو (حزيران) 67، وطال النقد الواقع المأزوم الذي تعيشه الحركة اليسارية والقومية في المنطقة العربية، وكان منطلقي في هذا هو المحبة للوطن، والمحبة للشعب المصري والعربي، والمحبة لليسار، والمحبة لقضيتي العدالة والحرية.

الشاعر القاص سمير الفيل:
أخطاء البدايات

نشبت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وقبل أن يمر عام، كتبت روايتي الأولى «رجال وشظايا»، التي أهديتها إلى أفراد طاقم الهاون 82 مم بالكتيبة 16 مشاة، وفيما يبدو فإن هذا العمل الذي صدر 1989 قد حمل بعض أخطاء البدايات، على الرغم من السرد الهادئ، ومعالجة فكرة الحرب بقدر من الحكمة والتعقل، فلم أنجر إلى النبرة الحماسية التي تصاحب هذا اللون من الأدب. وحين كتبت روايتي الثانية «ظل الحجرة»، كنت قد تخففت تماماً من أثقال الحرب، فبدا أبطالي أقل صخباً، وأكثر ميلاً إلى تأمل حيواتهم بقدر كبير من التفهم والاستبصار. صحيح أن هناك عثرات تعترضهم، وأحلاماً تتداعى، غير أن السرد نفسه كان متمهلاً، ولجأت إلى تقنية «الكولاج»، واعتمدت على تيار الوعي، بينما كانت روايتي الأولى تتكئ على تقنية «الفلاش باك». وأتصور أن المشترك بين التجربتين هو أن الأحداث في الرواية الأولى كانت تتدافع بقدر كبير من السرعة، إذ كان الموت يتربص بالأبطال، فالحرب قائمة.
وفي عملي الثالث «وميض تلك الجبهة»، انحزت انحيازاً واضحاً للإنسان البسيط في الثكنات والملاجئ وحفر الذخيرة، حيث إنني بسطت حالة الحب المجهض في زمن لا يعرف سوى المادة، فيدرك البطل المغترب سر الانحناء، ويحاول أن يصعد فوق التفصيلات البسيطة في عالم يخلو من الوسامة. هنا، حاولت كسر نمطية الحدث، وهو ما يشير إليه الكاتب والناقد سيد الوكيل في دراسة حول الرواية الأخيرة. ولعل التنقيب عن حالات أفراد السرية كان يتجه للقبض على عناصر الحياة، فثمة شغف بالتقاط حالات فردية، ولحظات صغيرة تخبو كوميض خاطف يأتي من تلك الجبهة.
إن روايتي الأولى قد نقبت عن معنى الاستشهاد وضراوة الواقع وتحولات الزمن، وهو ما ظهر بشكل أكثر تركيباً وتعقيداً في مجموعات قصصية أخرى، منها: «شمال.. يمين»، و«كيف يحارب الجندي بلا خوذة؟»، و«صندل أحمر».. كلها نصوص تدعو للانخراط في الحياة بحميمية وبهجة، ومحاولة تخطي مكائد المكان، وعثرات الزمن بكل تقلباته. ومنذ عملي الأول، تسلحت عبر مشواري الطويل مع السرد بثلاثة عناصر أساسية: الصدق الفني، والبساطة، وحيوية التقاط اللحظة. وبقيت أحاول اختراق القشرة الصلدة للأحداث لأصل إلى الجوهر، قد يبوح لي بالأشياء الخبيئة التي التفت في عباءة الحكي.

الروائي السيد حافظ:
تمرد العمل الأول

إن العمل الأدبي الأول الذي كتبته منذ نصف قرن عزيز عليّ مثل الطفل الأول الذي يأتي في حياة أسرة، أو الأب، لكن بعد ذلك ترى أن هذا العمل ينفلت منك مثل الابن الذي يكبر، فتتركه في الحياة يتمرد عليك وتتمرد عليه، إنه تمرد مزدوج خفي وشيق، ثم يأتي بعد ذلك عمل آخر (العمل الثاني) فيكون قد استفاد من أخطاء العمل الأول، وتتمرد عليه فيتقرب العمل الثالث بفكرة تراودك عن نفسها، فتنجذب إليها ولا تقاوم، وتكتشف أن طموحك لم يشبع بعد. ففي كل عمل جديد أنت تهواه ويدللك ويعذبك ويؤرقك وينهمر عليك بمطر اللغة الساحرة، وتحس أنك تدور في جاذبية الإبداع، في دائرة لا تنتهي مركزها العمل الأول، وآخرها قد يأتي قبل موتك بساعات أو بلحظة، لكن العمل الأخير دائماً هو الحب الأول لك مثل حب المرأة، فالحب الأخير هو الحب الأول. أعتقد أنى قد حققت في العمل الأول كل الشطحات الإنسانية، لكنها كانت أسئلة ناقصة تبحث عن جواب، وفى كل مرة أفتش عنه في العمل الذي يليه، فالعمل الأول دائماً يحمل بكارة السؤال، والعمل الأخير الذي أكتبه يحمل بكارة الدهشة الأولى لعالم آخر، واكتشافاً لأرض جديدة لم يطأها من قبل كاتب، حتى تأخذ أعمالك مستقرها في تاريخ الأدب ووجدان الناس في المستقبل. إن العمل الأول يظل ابن شرعياً قد تنساه وينساك، ويرحل بعيداً عن تجربتك، ويغيب عن ذاكرتك، ولكنه يحمل اسمك دائماً وأحلامك كمبدع، ويسرى في همسات الروح، روح الذاكرة الأدبية التي تخصك وحدك، وتخص الباحث الأكاديمي في أعمالك، وتخص مؤرخي الأدب والتاريخ الإنساني.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.