«شيطان التفاصيل» يتسلل إلى كابينة عبد المهدي... ويعطل وزاراتها السيادية

بعد العبادي... المالكي والنجيفي يعيدان هيكلة حزبيهما

الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي في البرلمان العراقي ببغداد (رويترز)
الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي في البرلمان العراقي ببغداد (رويترز)
TT

«شيطان التفاصيل» يتسلل إلى كابينة عبد المهدي... ويعطل وزاراتها السيادية

الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي في البرلمان العراقي ببغداد (رويترز)
الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي في البرلمان العراقي ببغداد (رويترز)

تسلل «شيطان التفاصيل» إلى جهود تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ويبدو أنه عطل الحقائب السيادية فيها التي تتنافس عليها كتل رئيسية عدة. وفي هذا السياق، كشف مصدر سياسي أن زعيم ائتلاف الوطنية، إياد علاوي، هدد بمقاطعة العملية السياسية في حال عدم تسنمه شخصياً وزارة الدفاع. وقال المصدر في تصريح إن «حصة ائتلاف الوطنية في التشكيلة الحكومية ثلاث وزارات، وهي: التعليم العالي، والعمل والشؤون الاجتماعية، والصناعة والمعادن، لكن علاوي يطالب بأن تكون وزارة الدفاع من حصته».
إلى ذلك وطبقا لمصدر سياسي مطلع فإن رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي لم يتمكن حتى أمس من حسم معظم الوزارات، لا سيما السيادية منها، فضلا عن مناصب نواب رئيس الوزراء. وقال المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، إن «ملف الوزارات السيادية لا يزال بيد الكتل السيادية لا رئيس الوزراء المكلف، برغم الاستقلالية التي قيل إنها أعطيت له من قبل بعض الكتل». وبين المصدر أن «السبب في ذلك يعود إلى أن تقسيم الوزارات السيادية وكذلك منصب نواب رئيس الوزراء الذين لم يعرف عددهم حتى سيكون على أساس المكونات وليس الأحزاب أو طبقا لمبدأ الاستحقاق الانتخابي». وأوضح أنه «في الوقت الذي حسم منصب وزير الدفاع للسنة والداخلية للشيعة فإن هناك خلافا سنيا - سنيا بشأن من يتسلم هذه الحقيبة في وقت لا يزال الكرد، وبخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، يطالبون بثلاث وزارات، من بينها واحدة سيادية، وهي المالية على الأكثر، أو منصب نائب رئيس الوزراء، مع وزارتين إحداهما المالية والأخرى وزارة الهجرة والمهجرين، بينما لحزب الاتحاد الوطني وزارة واحدة، وهي على الأرجح وزارة العدل».
من ناحية ثانية، وبعد يوم من إعلان رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي عزمه إعادة بناء ائتلاف «النصر» الذي يتزعمه وتحويله إلى مشروع سياسي متكامل، أعلن نائبا رئيس الجمهورية السابقان نوري المالكي وأسامة النجيفي عزمهما إعادة النظر بهيكلية حزبيهما والانطلاق نحو رؤية جديدة في العمل السياسي. وفيما لمح العبادي إلى إمكانية قبوله منصبا سياديا في حكومة سلفه عادل عبد المهدي، فإن أثيل النجيفي القيادي في حزب «للعراق متحدون» الذي يتزعمه شقيقه الأكبر أسامة النجيفي أبلغ «الشرق الأوسط» عدم نية الأخير «قبول أي منصب تنفيذي والبقاء في البرلمان فقط».
وتأتي هذه التطورات لدى المالكي والنجيفي إثر تراجع حظوظ حزبيهما في الانتخابات الأخيرة لصالح قوى أخرى مثل «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر و«الفتح» بزعامة هادي العامري والتي تضم معظم فصائل الحشد الشعبي. وفي هذا السياق أكد أسامة النجيفي خلال ترؤسه اجتماعا لقيادة حزبه «للعراق متحدون» أهمية تنشيط عمل الحزب والارتباط بالشعب. وقال بيان للحزب تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن النجيفي عرض أمام كوادر حزبه العليا «رؤيته وتقييمه للوضع السياسي العام بدءا بالانتخابات التشريعية وما نتج عنها من ظروف سلبية، ومعالجات هامشية، كما تناول بالتفصيل الحوارات بين الكتل السياسية وموقف الحزب منها، وصولا إلى التحالف والتعاون مع تحالف الإصلاح والإعمار باعتبار أن الحزب هو من يرأس تحالف القرار العراقي». ودعا النجيفي إلى «بذل المزيد من الجهد والتضحية لمنع المزيد من الانهيار في مؤسسات الدولة»، مؤكدا على أن المقدمات الفاشلة والعمل غير المنظم لا يقودان إلى نتائج صحيحة، والمسؤولية تقتضي الوقوف بوجه الفاسدين ومنعهم من الوصول إلى مواقع الدولة.
وفي هذا السياق أكد أثيل النجيفي أن «الحزب ليس متحمسا للمشاركة في الحكومة، فنحن نعرف أن التحديات التي ستواجهها الحكومة كبيرة جدا». وأضاف: «على الأغلب أن رئيس الوزراء لا يمتلك أدوات كافية للنجاح، لا سيما أن مجلس النواب هو نتاج لحالة يحتاج إلى وقت للقضاء عليها». وحول ما إذا كان الحزب قد قام بمراجعة قال النجيفي: «نعم قام الحزب بمراجعة كبيرة لسياسته وأجرى انتخابات جديدة في بعض الفروع معتمدا على الشباب الذين نجحوا في إيصال جيل جديد لقيادة فرع نينوى». وبشأن ما إذا كان أسامة النجيفي سيحصل على موقع تنفيذي، يقول أثيل النجيفي، إن «أسامة النجيفي غير متحمس لأي منصب، ودوره السياسي مستمر، وأنا شخصيا من المشجعين لبقائه في البرلمان، لأنني أعتقد أن المسؤولية الإدارية ستكون ثقلا غير مضمون النجاح».
من جانبه، أكد الأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي أن «ما حصل داخل الحزب خلال العام الحالي هو مجرد مفترق». وقال بيان للحزب أمس إن «أي حزب مهما بلغ من القوة والحجم لا يمكن أن يبقى على رأس السلطة إلى الأبد». ودعا المالكي إلى «التحضير لمؤتمر الحزب المقبل بمضامين ورؤى ودراسات رصينة تكون مداخل لصدور قرارات عملية مهمة» مطالبا بـ«مأسسة الحزب وإعادة بناء هيكله التنظيمي».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.