تأجيل جلسة برلمانية مخصصة لمناقشة ملف الإرهاب تثير تساؤلات لدى الطبقة السياسية والحزبية في تونس

حكومة جمعة تلقت انتقادات بشأن قرارها القاضي بإغلاق المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة

تأجيل جلسة برلمانية مخصصة لمناقشة ملف الإرهاب تثير تساؤلات لدى الطبقة السياسية والحزبية في تونس
TT

تأجيل جلسة برلمانية مخصصة لمناقشة ملف الإرهاب تثير تساؤلات لدى الطبقة السياسية والحزبية في تونس

تأجيل جلسة برلمانية مخصصة لمناقشة ملف الإرهاب تثير تساؤلات لدى الطبقة السياسية والحزبية في تونس

خلّف إعلان المجلس التأسيسي (البرلمان) التونسي عن تأجيل الجلسة العامة التي كانت مخصصة يوم أمس للحوار مع رئيس الحكومة مهدي جمعة، بشأن الوضع الأمني، تساؤلات عدة بين القيادات السياسية والأحزاب الممثلة في البرلمان حول دواعي التأجيل وخفاياه التي لم يعلن عنها.
وكان من المقرر أن يحضر هذه الجلسة وزراء الداخلية والدفاع والعدل، الثلاثي المعني مباشرة بملف مكافحة الإرهاب.
وأعلنت مصادر برلمانية تونسية قبل انعقاد الجلسة عن تخوفها تجاه هذه الجلسة البرلمانية، في ظل انتقادات عدة وجهت للحكومة بشأن طريقة تعاطيها مع ملف الإرهاب والفشل الضمني في مواجهته، مما أدى إلى تكبد أكبر خسارة في المواجهات مع المجموعات الإرهابية، وسط غربي البلاد.
واكتفت كريمة سويد مساعدة رئيس المجلس التأسيسي المكلفة الإعلام بالإعلان في تصريح صحافي عن تأجيل الجلسة البرلمانية، وقالت إن التأجيل «جاء بطلب من الحكومة، وسيحدد لها موعد لاحقا». بيد أن نوابا من البرلمان التونسي أشاروا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى تخوف الحكومة من ردود فعل ممثلي الأحزاب داخل البرلمان، في ظل غضب جماعي من أداء حكومة جمعة.
وقالت المصادر ذاتها إن الحكومة ربما تفادت الأسوأ، من خلال تأجيل الخوض في أحد الملفات المعقدة التي قد تتجاوزها ولا تملك لها حلولا فعلية.
وبشأن هذا التأجيل للجلسة البرلمانية، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة قدمت وجهة نظرها، ودافعت عنها عبر كل المنابر الإعلامية، خلال الأيام التي تلت الهجوم الإرهابي الذي خلف 15 قتيلا و25 جريحا. وتابع قوله: «وقف الجميع على وجهة نظر المؤسسة العسكرية من خلال المؤتمرات الصحافية التي عقدتها القيادات العسكرية ممثلة في قائد العمليات البرية في الجيش التونسي ورئيس أركان جيش البر ووزير الدفاع التونسي».
كما استمعنا إلى وجهة نظر المؤسسة الأمنية، وحديث لطفي بن جدو عن إحباط ست عمليات إرهابية كانت تستهدف التونسيين. كما تناول رئيس الحكومة الموضوع في كلمة متلفزة، وأعلن عن جملة من القرارات بشأن المساجد والإذاعات والقنوات التلفزيونية، وأخيرا الجمعيات المرتبطة بتمويلات الإرهابيين، ولن يكون مجديا لكل الأطراف إعادة فتح الجراح الغائرة أياما قليلة بعد الكارثة الإرهابية.
ورأى العرفاوي أن الجلسة البرلمانية التي كان مقررا لها أن تنعقد أمس لم تكن قادرة على الإتيان بأي قرار جديد، وربما تكون عنصر تجاذب سياسي من جديد، وكان من الأفضل، على حد تعبيره، تأجيلها إلى حين.
وانتقدت عدة أحزاب سياسية مجمل القرارات التي اتخذتها الحكومة، خاصة بشأن إغلاق المساجد الخارجة عن سيطرة وزارة الشؤون الدينية، ونظرت تجاهها بعين من الريبة والشك، وقالت إن هذا القرار لم يتخذ حتى في أحلك فترات المواجهة مع النظام السابق. ورأت بعض القيادات السياسية خاصة من التيارات الإسلامية أن قرار إغلاق المساجد في تونس يبقى على الدوام «قرارا متسرعا وخطيرا»، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الدفاع عنه. ولم تقتنع على ما يبدو بتأكيدات رئاسة الحكومة بأن هذا القرار «لا يعد معاديا لممارسة الشعائر الدينية»، وأن الدولة كافلة لحرية المعتقد، كما ينص على ذلك الدستور التونسي الجديد.
ونبهت عدة أطراف سياسية إلى إمكانية استغلال هذا القرار الحكومي لربح تعاطف بعض التونسيين، خاصة رواد المساجد مع الجماعات المتشددة، وتحول تونس من أرض دعوة إلى أرض جهاد، بسبب تضييق الدولة الخناق على ممارسة الشعائر الدينية.
وعلق النائب الحبيب خضر المقرر العام للدستور (النهضة) على قرار إغلاق المساجد بالقول إن ما اتخذته الحكومة منهجا غير سليم.
وأضاف أنه سيمثل «وقودا إضافيا مؤججا لحواضن الإرهاب»، على حد قوله. وتابع خضر قائلا إن إغلاق المساجد سيضر بكثير من التونسيين ويحرمهم من أداء الصلاة والتراويح وإحياء ليلة القدر، وهذا ليس في صالح حكومة كل التونسيين. وأضاف خضر أن الحكومة مطالَبة بإيقاف الأشخاص المتجاوزين للقانون وليس اللجوء إلى عقوبة جماعية، على حد قوله.
على صعيد متصل، قال عبد الستار بدر مدير ديوان وزير الشؤون الدينية إن الوزارة بمعية وزارتي الداخلية والعدل، تمكنت من استرجاع 112 مسجدا وجامعا من ضمن 149 كانت خارج سيطرة الوزارة المعنية.
وفي السياق ذاته، دعت الهيئة الإدارية للاتحاد العام للشغل (نقابة العمال) في اجتماع عقدته بعد الهجوم الإرهابي الأخير، الحكومة التونسية، إلى التدقيق في مصادر تمويل أكثر من خمسة آلاف جمعية خيرية يشتبه في ارتباطها بأنشطة إرهابية، وخاصة منها الناشطة بالمناطق الحدودية مع الجزائر وليبيا.
وتضاعف في تونس عدد الجمعيات بعد الثورة، ويُقدر عددها الإجمالي بنحو 16 ألف جمعية، من بينها خمسة آلاف جمعية خيرية، ونحو 1600 جمعية ذات صبغة دينية (11 في المائة من الجمعيات).



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».