التنافس العوني ـ القواتي على وزارة العدل يزيد المخاوف من تسييس القضاء

تكتسب أهمية خاصة مع قرب صدور الحكم في قضية اغتيال الحريري

TT

التنافس العوني ـ القواتي على وزارة العدل يزيد المخاوف من تسييس القضاء

طرح التنافس المحتدم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«القوات اللبنانية» على مَن يتولى وزارة العدل، الذي يكاد يطيح بالتفاؤل الذي ساد في الأيام الماضية، بخصوص ولادة الحكومة قريباً، أكثر من علامة استفهام حول حقيقة استقلالية القضاء في لبنان، وحول حجم التدخلات السياسية التي تقيِّد عمل القضاة ودور وزير العدل في هذا المجال.
ويتمسَّك الرئيس عون بهذه الوزارة، بحسب مصادر مقربة منه، لأنه يعتبرها بوابة أساسية لانطلاق عملية مكافحة الفساد بفعالية، بعدما كانت انطلقت بشكل محدود في الأشهر الماضية، فيما يُطالب بها حزب «القوات» كوزارة أساسية، باعتبار أن حصته الوزارية لا تشمل أياً من الوزارات السيادية، وهي الداخلية والخارجية والدفاع والمال.
وتكتسب وزارة العدل أهمية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع ترقب صدور الحكم النهائي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في العام المقبل، في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، كما الحكم في دعوى «القوات اللبنانية» ضد محطة الـ«LBCI» التلفزيونية في شهر فبراير (شباط) المقبل.
ولكن وعلى الرغم من تأكيد القانونيين عدم وجود أي دور يلعبه وزير العدل يسمح له بالتأثير على مسار الدعاوى القضائية، يبقى هناك أكثر من باب يتيح له توجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة؛ سواء من خلال دوره في المناقلات القضائية أو في إحالة القضاة إلى التأديب.
ويشير النائب السابق القانوني غسان مخيبر إلى أن الدعوة لاستقلالية القضاء تأتي على لسان القضاة أنفسهم، لافتاً إلى مجموعة كبيرة من التدخلات في عمل السلطة القضائية، سواء المقوننة أو غير المقوننة التي لا تقتصر على وزارة العدل، وقال: «الوزارة دائماً في الواجهة نظراً لارتباطاتها المباشرة بالنيابات العامة، أضف لدورها مع مجلس القضاء الأعلى بموضوع المناقلات والتعيينات، وهو ما يشكِّل أداة من أدوات التأثير على القضاة».
ويعتبر مخيبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن وزارة العدل وزارة سيادية بامتياز من منطلق أن العدالة بحد ذاتها عمل سيادي، مشدداً في الوقت عينه على وجوب «التمييز بين السلطة القضائية التي تتولاها المحاكم، وسلطة وزارة العدل التي لا تسري على الدعوى القضائية القائمة، منبهاً أن أي دور للوزير في مجال التدخل بالدعاوى يشكل جرماً».
وتلعب وزارة العدل، وفق مخيبر، دوراً «إدارياً ورمزياً» في ملف المحكمة الدولية، بحيث يتم التواصل بين الدولة اللبنانية والمحكمة عن طريق الوزارة الملزمة نتيجة قرار حكومي لبناني بالتعاون الدائم مع المحكمة، وهو ما كان يتم طوال السنوات الماضية، سواء خلال تولي الوزير الحالي سليم جريصاتي شؤون الوزارة أو في العهود الماضية.
واختتمت المحكمة الدولية الشهر الماضي المحاكمة الغيابية لأربعة قياديين في «حزب الله»، متهمين باغتيال الحريري ورفاقه، وأعلنت انصراف قضاتها إلى المذاكرة لإصدار الحكم بعد مضي خمس سنوات على انطلاق المحاكمات.
ويوافق الأستاذ في القانون الدولي أنطوان صفير توصيف مخيبر لجهة اعتبار وزارة العدل أكثر من سيادية، لافتاً إلى أن دور وزير العدل يلامس بحسب قانون تنظيم الوزارة دور الرئيس الموجه للنيابات العامة، إذ يحق له أن يتصل بالنائب العام التمييزي لطلب ملاحقة شخص ما، كما له دور أساسي في موضوع التشكيلات القضائية وبالتواصل مع مجلس القضاء الأعلى.
ويضيف صفير أن «للوزارة دوراً أساسياً بملفات تتعلق بملاحقات ذات طابع سياسي أو مالي أو ملفات تتعلق بالفساد ودورها بموضوع طلب الخارج ملاحقات معينة عبر الإنتربول».
ويعتبر صفير أنه يمكن لأي وزير مهما كانت الجهة السياسية التي ينتمي إليها أن يطبق تعليمات رئيس الجمهورية ومشروعه بموضوع مكافحة الفساد، لافتاً إلى أن إصرار الرئيس عون على أن تكون وزارة العدل من حصته، يندرج كما يبدو في إطار سعيه لأن يكون الوزير المعني من الدائرة المقربة منه لأنه يرتاح للعمل والتنسيق معه.
وأعدت «المفكرة القانونية» أخيراً اقتراح قانون حول «استقلالية القضاء وشفافيته» يُعتبر أشبه بخطة العمل لورشة إصلاحية قضائية كبيرة تلحظ «تعزيز استقلالية المؤسسات القضائية وشفافيتها الداخلية والخارجية، تعزيز ضمانات استقلالية القاضي، تعزيز الطاقات القضائية وحفظها وحسن توزيعها، ضمان حقوق المتقاضين في حسن أداء المرفق العام وتقديم شكاوى ومحاسبة المخالفات القضائية، والتوفيق بين التنظيم الهرمي للنيابة العامة واستقلالية القضاة العاملين فيها».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.