انتقد البابا فرنسيس أمس، عمليات الاضطهاد التي يتعرض لها مسيحيو العراق الذين «جردوا من كل شيء»، فيما واصلت مئات العائلات المسيحية الهروب من الموصل باتجاه البلدات المسيحية في سهل نينوى وإقليم كردستان بعد إنذار وجهه عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) باعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو مواجهة «السيف».
وقال البابا فرنسيس، من شرفة الفاتيكان المطلة على ساحة القديس بطرس: «لقد تلقيت بقلق الأنباء الواردة من الجماعات المسيحية من الموصل، بالعراق ومناطق أخرى من الشرق الأوسط». وأضاف: «تعيش هذه الجماعات منذ بداية المسيحية مع مواطنيها... وهي تتعرض الآن للاضطهاد»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «إخوتنا مضطهدون، يُطردون وعليهم أن يغادروا منازلهم دون أن تتسنى لهم إمكانية أن يحملوا معهم شيئا. أؤكد لهذه العائلات ولهؤلاء الأشخاص قربي منهم وصلاتي المستمرة من أجلهم».
بدوره، دعا رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، العالم إلى الوقوف بوجه تنظيم «داعش» الذي تبنى أيضا سلسلة من التفجيرات ضربت بغداد أول من أمس وأوقعت عشرات القتلى والجرحى. وقال المالكي في بيان أمس، إن «ما تقوم به عصابات (داعش) الإرهابية ضد مواطنينا المسيحيين واعتداءهم على الكنائس ودور العبادة في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، إنما يكشف بما لا يدع مجالا للشك الطبيعة الإجرامية والإرهابية المتطرفة لهذه الجماعة وما تشكله من خطر على الإنسانية وتراثها المتوارث عبر القرون». وتابع: «ندعو العالم أجمع إلى تشديد الحصار على هؤلاء والوقوف صفا واحدا لمواجهتهم».
ويمثل طرد المسيحيين من مدينتهم الموصل آخر حملات التهجير خلال سنوات من العنف التي يعيشها العراق والتي قد ترسم صورة جديدة لتوزيع الطوائف على خريطة البلاد. وتساءلت السيدة المسيحية أم زياد، (35 سنة)، وهي تجلس إلى جوار أطفالها: «لا ندري ماذا سنفعل أو ماذا سيحصل لنا، هل نعود مرة أخرى إلى بيوتنا؟ هل تقوم الحكومة بطرد هؤلاء الإرهابيين من الموصل؟». وهربت أم زياد مع أطفالها الأربعة الجمعة من الموصل وتعيش الآن مع عدد من النسوة في منزل قيد الإنشاء ببلدة قرقوش، إلى الشرق من الموصل.
وقال بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو، إن جميع المسيحيين غادروا المدينة بانتهاء مهلة «داعش» ظهر أول من أمس، وإن القليلين من الذين قرروا البقاء «سيواجهون مصيرهم المحتوم، وأشعر بأنهم أموات». وفي السياق نفسه، قال أسقف كاثوليكي من الموصل لوكالة «رويترز» إن قيادات الكنيسة نصحت الأسر القليلة التي أرادت التفاوض مع المتشددين بالرحيل من أجل سلامتها.
بدورها، شكت امرأة في الستينات، هربت الجمعة إلى بلدة الحمدانية التي تقطنها أغلبية مسيحية وتخضع لسيطرة قوات الأمن الكردية إلى الجنوب الشرقي من الموصل، قائلة: «عشنا في المدينة وكانت لنا حضارة على مدى آلاف السنين، وفجأة جاء أغراب وطردونا من بيوتنا».
ويخشى الكثير من سكان مدينة الموصل الحديث أو التعبير عن آرائهم ولا يجدون منفذا إعلاميا كذلك، لكن عددا من السكان السنة أبدوا رفضهم لما يقوم به المسلحون ضد جيرانهم وأهل مدينتهم من المسيحيين. وقال أحد أهالي الموصل في اتصال هاتفي: «نعد هذا الأمر ظلما ويتعارض مع مبادئ الإسلام الذي يوصي بالتسامح». وأضاف أن «المسيحيين يعيشون في الموصل منذ أكثر من ألف عام وأكثرهم أناس رفيعو المستوى، أطباء ومهندسون وفنانون، رحيلهم خسارة كبيرة للموصل».
من جانبهم، أعلن مسؤولون في مدينتي النجف وكربلاء، المقدستين عن الشيعة، استعدادهم لاستقبال العائلات المسيحية التي هجرت على يد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوفير الخدمات الأساسية لها.
بدوره، حمل أحمد الجلبي، العضو البارز في كتلة «المواطن» التي يتزعمها عمار الحكيم، وأحد منافسي المالكي على منصب رئيس الوزراء في المرحلة المقبلة، الحكومة مسؤولية الأزمة التي تمر بالبلاد. وأضاف أن «الحكومة العراقية الحالية فشلت في حماية المواطنين العراقيين»، كما طالب البرلمان بالإسراع في انتخاب رئيس جديد للبلاد.
وأدانت رئاسة إقليم كردستان أمس تهجير المسيحيين من الموصل. وقال المتحدث باسم رئاسة الإقليم، أوميد صباح، في بيان، إن الإقليم «مستعد لمساعدة واستقبال وحماية المسيحيين»، داعيا المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة العاجلة لحكومة الإقليم لتقوم هي الأخرى بتقديم المساعدات بشكل سريع للنازحين.
من جهته، ناشد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، مواطني كردستان «تقديم يد العون لإخوانهم المسيحيين النازحين من الموصل». وأضاف في بيان أنه «أمام هذه الكارثة الإنسانية، تقوم حكومة إقليم كردستان بتكثيف جهودها وإمكاناتها لمساعدة هؤلاء النازحين. وفي الوقت ذاته، ندعو أهالي كردستان بشكل عام ومحبي الإنسانية في مدينتي أربيل ودهوك إلى تقديم كل ما بوسعهم من مساعدات لتلك العوائل المسيحية النازحة». وأشار بارزاني إلى أن «الإقليم وبسبب الحصار الاقتصادي الذي فرضته بغداد عليه يحتاج إلى المساعدات الدولية من أجل نجدة النازحين».
من ناحية ثانية، أكد الناشط المسيحي غزوان إلياس، رئيس الجمعية الثقافية الكلدانية في قضاء الحمدانية، لـ«الشرق الأوسط»: «كانت هناك نحو 30 عائلة مسيحية عالقة في الموصل لم تستطع الخروج في الموعد المحدد الذي عينته لهم (داعش)، استطاعت هذه العوائل أن تخرج من المدينة ووصلت على وجبتين إلى الحمدانية في ساعات متأخرة من ليلة أول من أمس، وبهذا أصبحت الموصل خالية تماما من المسيحيين»، مبينا أن «المنظمات والأحزاب المسيحية والكنائس ستصدر بيانا خلال الأيام القليلة المقبلة حول ما تعرض له المسيحيون في الموصل ونزوحهم إلى مناطق سهل نينوى وإقليم كردستان».
من جانب آخر، ذكر مصدر مطلع على أوضاع المسيحيين في الموصل، فضل عم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك عددا من العائلات المسيحية التي لم تتمكن من الخروج من الموصل، مختبئة مع عائلات كردية في المدينة إلى حين تمكنها من الخروج إلى المناطق الآمنة.
وفي الشأن ذاته، ذكر ناشط مدني من الموصل، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيم «داعش» أبلغ مفاوضين من رؤساء العشائر أنه «سيرد عليهم حول طلبهم بالتراجع عن طرد المسيحيين»، مؤكدا أن «هناك أملا في المفاوضات».
البابا يصلي من أجل مسيحيي الموصل.. والكنيسة تنصح القلة الباقية في المدينة بالرحيل
كردستان تطلب عوناً دولياً لمساعدتها على إيوائهم.. والمالكي يناشد العالم الوقوف بوجه «داعش».. والجلبي يحمل حكومته المسؤولية
البابا يصلي من أجل مسيحيي الموصل.. والكنيسة تنصح القلة الباقية في المدينة بالرحيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة