هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟

جنرال سابق: لكي تكون قصيرة يجب تدمير البنى التحتية للدولة والجيش

هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟
TT

هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟

هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟

التهديدات بـ«حرب لبنان ثالثة»، من الطرف الإسرائيلي أو من طرف «حزب الله»، باتت عبارة عن مسرحية تراجي -كوميديا، مملة من شدة التكرار. فمنذ انتهاء حرب لبنان الثانية عام 2006، لا يمر فصل من فصول السنة الأربعة، إلا ونستمع إلى سلسلة تهديدات ورد على التهديدات، وتصعيد في التهديدات، التي تنتهي عادة بعد أيام. ونعود لنتابع الاجتماعات المنظمة في رأس الناقورة، بين جنرالات الجيشين الإسرائيلي واللبناني الذين يحلون ضيوفا على قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة. يشربون القهوة العربية ويتناولون البسكويت الأوروبي وينسقون كيفية الحفاظ على الهدوء. ثم يعودون إلى البيوت في تل أبيب وبيروت، بانتظار الجولة التالية. ولولا أنها الحرب، التي لا تعرف الرحمة، لكان الواجب التعامل معها بسخرية واستخفاف، لكن لا يجوز المقامرة بهذا التقييم. وتظل هناك حقيقة مرعبة ماثلة أمامنا، هي أن الحرب يمكن أن تنشب في المنطقة من دون أن يقصد أبطالها الانزلاق نحوها.

نشبت «حرب لبنان الثانية» من دون تخطيط من أحد. إذ هاجمت قوة من «حزب الله» دورية إسرائيلية على الحدود الإسرائيلية اللبنانية فقتلت 3 جنود وخطفت اثنين، تبين لاحقا أنهما قتيلان أيضا. وليس صدفة أن السيد حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، قال خلال مقابلة له في تلفزيون «الجديد» اللبناني يوم 28 فبراير (شباط) 2009، باللهجة العامية اللبنانية إنه «لو سألتيني إن كنت أعلم أن عملية الأسر ستوصل إلى حرب كالتي حصلت، بتروح تعمل عملية الأسر بقولك لأ. قطعا لأ. (وذلك) لأسباب إنسانية وأخلاقية واجتماعية وأمنية وعسكرية وسياسية. لا أنا بقبل. ولا حزب الله بيقبل. ولا الأسرى في السجون الإسرائيلية بيقبلوا. ولا أهالي الأسرى بيقبلوا. هذا قطعي».
وليس صدفة أن «لجنة فينوغراد»، التي شُكّلت في إسرائيل كلجنة تحقيق رسمية برئاسة القاضي المتقاعد آلياهو فينوغراد، خلصت في استنتاجاتها المعلنة في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) 2008، البند العاشر إلى القول: «يمكن إجمال أساس الإخفاقات في القرارات على النحو التالي:
أ- القرار بالرد ردا عسكريا فوريا وحادا لم يستند إلى خطة مفصلة تستند إلى دراسة دقيقة للطبيعة المعقدة للساحة اللبنانية. لو تمت الدراسة لعرفوا أنه كان يمكن لمعرفة هذه الطبيعة أن تؤدي إلى الفهم بأن القدرة على تحقيق إنجازات عسكرية ذات تأثير سياسي كانت محدودة، إذ إن الرد العسكري سيؤدي إلى نار مكثفة على الجبهة الداخلية، ولم يكن هناك جواب عسكري. هذه المصاعب لم تطرح أمام القيادة السياسية.
ب- في القرارات لشن المعركة العسكرية لم تدرس كل جملة الاحتمالات الكاملة، وعلى رأسها مسألة ما إذا كان من الصحيح مواصلة سياسة التجلد في الحدود الشمالية، أو إدراج خطوات سياسية مع خطوات عسكرية قبل حد التصعيد أو استعداد عسكري دون خطوات عسكرية فورية، للإبقاء في يد إسرائيل كامل إمكانات الرد على حدث الاختطاف. وبذلك كان هناك ضعف في التفكير الاستراتيجي، الذي يقتطع الرد على الحدث عن الصورة العامة والشاملة.
ج- التأييد في الحكومة تحقق ضمن أمور أخرى استنادا إلى عرض غامض للأهداف. ولقد صوّت الوزراء في صالح قرار لم يعرفوا ولم يفهموا طبيعته وإلى أين يؤدي. قرّروا الدخول في معركة من دون أن يفكروا كيف الخروج منها أيضا.
د- جزء من الأهداف المعلنة للعملة لم يوضّح ولم يكن قابلا للتحقيق.
هـ- الجيش لم يُظهر إبداعاً في اقتراح البدائل، ولم يحذر من أنه لم يكن هناك تطابق بين سيناريوهات التطور وسبل العمل المصادق عليها، ولم يطلب تجنيد الاحتياط الذي سيسمح بتدريبها لخطوة برية، عند الحاجة. وحتى بعد اتضاح هذه الحقائق للقيادة السياسية، لم تطابق العملية العسكرية وأهدافها طبيعة الساحة. وبالعكس، فإن الأهداف التي أعلن عنها كانت طموحة أكثر مما ينبغي، وقيل إن القتال سيستمر حتى تحقيقها، ولكن سبل العمل التي صودق عليها واستخدمت - لم تتطابق وتحقيقها».

- حروب غزة الثلاثة
الأمر نفسه ينطبق على الحروب الثلاث الأخيرة على قطاع غزة في السنوات 2008 و2012 و2014. فهي أيضا نشبت من دون تخطيط مسبق وانجر إليها الطرفان، حكومة إسرائيل وحركة حماس.
كلها حروب كلفت أثماناً باهظة. ففي «حرب لبنان الثانية»، ووفقا للمعلومات الرسمية للحكومة اللبنانية، قتل خلال العمليات الحربية أكثر من 900 لبناني، وأصيب أكثر من 3000 آخرين بجراح. وتحول إلى لاجئين أكثر من مليون شخص، أي ربع سكان البلاد. كما بلغت الخسائر المباشرة التي لحقت بالاقتصاد اللبناني 10 مليارات دولار تقريبا. أما في إسرائيل نفسها فقد قتل 160 شخصا بينهم 117 عسكريا، وتجاوز عدد الجرحى 2800 شخص. وبلغ إجمالي الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي 5 مليارات دولار.
وفي حرب غزة 2008 (التي سميت في إسرائيل عملية «الرصاص المصبوب») هدمت إسرائيل أكثر من 4100 مسكن بشكل كلي، و17000 بشكل جزئي. وبلغت خسائر الحرب الاقتصادية في قطاع غزة أكثر من مليار دولار أميركي. وأدت إلى مقتل 1436 فلسطينيا بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسنّ، وإصابة أكثر من 5400 آخرين نصفهم من الأطفال. واعترفت إسرائيل بمقتل 13 إسرائيلياً بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.
وفي الحرب الثانية عام 2012، التي نشبت عقب اغتيال أحمد الجعبري، القائد في حماس، قتل 162 فلسطينيا بينهم 42 طفلاً و11 سيدة، وأصيب نحو 1300 آخرين، كما قتل 20 إسرائيليا وأصيب 625 آخرين. ودمرت إسرائيل 200 منزل بشكل كامل، خلال هذه العملية، وتسببت في هدم 1500 منزل بشكل جزئي، إضافة إلى تضرر عشرات المساجد وعدد من المقابر والمدارس والجامعات والمباني والمؤسسات والمكاتب الصحافية. وأما الحرب الثالثة التي سميت «الجرف الصامد»، عام 2014، فقد أدت إلى مقتل 2322 فلسطينيا، بينهم 578 طفلاً (أعمارهم من شهر إلى 16 سنة)، و489 امرأة (20 - 40)، و102 مسن (50 - 80)، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وجرح نحو 11 ألفا آخرين، (10870). واشتكى الفلسطينيون إلى المؤسسات الدولية عن ارتكاب إسرائيل مجازر بحق 144 عائلة، قُتل من كل عائلة ثلاثة أفراد أو أكثر. وفي المقابل، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن مقتل 68 عسكريا من جنودها، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً بجروح، بينهم 740 عسكريا، نحو نصفهم باتوا معاقين.
بكل بساطة يتحدث بعضهم عن الحرب المقبلة، مع علمهم اليقين وتجاهلهم الأكثر يقينا، للثمن الباهظ الذي دفعه الناس ثمنا لها. ويهددون. وفي كل مرة نجد من يخبرنا، نقلا عن مصادر موثوقة، بأن كل طرف «يأخذ بجدية تهديدات الطرف الآخر».
- التهديدات
خلال العام الحالي أمكن رصد «ثلاث موجات» تهديد مباشرة بين إسرائيل ولبنان، في شهر فبراير (شباط)، وفي شهر مايو (أيار) وفي الشهر الأخير.
في الموجة الأولى، شارك في التهديدات الإسرائيلية كل من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، ووزير التربية والتعليم، نفتالي بنيت (رئيس حزب المستوطنين الإسرائيليين)، ووزير البناء يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش جادي آيزنكوت، ونشرت عشرات التحليلات آنذاك حول السؤال: «هل نحن على وشك خوض حرب حقا؟‎». والسبب فيها هو نشر معلومات استخباراتية تقول إن «الإيرانيين معنيون بنقل مصانع الصواريخ من سوريا، التي أصحبت مستهدفة من قبل إسرائيل بشكل ثابت، إلى لبنان». وأوضحت إسرائيل لكل الجهات ذات الشأن بما في ذلك روسيا، أن مصير سوريا ولبنان واحد، وأنها لن تسكت حيال تعزيز قدرات «حزب الله» وإيران الاستراتيجية، حتى لو أن الأمر تطلب شن هجمات مدمرة للبنان. ولقد رد الرئيس اللبناني ميشال عون، قائلا إنه «ما دامت إسرائيل تحتل أراضي لبنانية وتطمع بثروات طبيعية لبنانية، وما دام الجيش اللبناني لا يملك القوة الكافية للوقوف أمام إسرائيل، فإن سلاح (حزب الله) مهم ودوره يكمل عمل الجيش ولا يناقضه، وهو جزء أساسي بالدفاع عن لبنان».
وفي الموجة الثانية قال نفتالي بنيت - الذي كان ضابط كوماندوز في «حرب لبنان الثانية» - إن «الدولة اللبنانية صورت نفسها في حينه على أنها دولة تتوق للهدوء وأنه لا تأثير لها على (حزب الله). واليوم (حزب الله) مغروس في لبنان السيادية. وهو جزء من الحكم ووفقا للرئيس (عون)، هو جزء من قوات الأمن. وهذا الحزب فقد حقه بالتنكر كمنظمة عاصية. ولذلك فإن المؤسسات اللبنانية، والبنية التحتية، والمطار، ومحطات توليد الكهرباء، والجسور، وقواعد الجيش اللبناني، كل هذه يجب أن تكون أهدافا شرعية لمهاجمتها إذا نشبت حرب. ويجب أن نقول هذا لهم وللعالم منذ الآن. إذا أطلق (حزب الله) صواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فهذا يجب أن يعني إعادة لبنان إلى العصور الوسطى». وهدد ليبرمان، الجيش اللبناني مباشرة فقال خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إن «الجيش اللبناني هو اليوم وحدة أخرى في منظومة (حزب الله)».
ثم في الموجة الثالثة جاء التهديد عبر خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أظهر صورا تزعم أن هناك أربعة مواقع لـ«حزب الله» في بيروت وضواحيها تصنّع وتطوّر فيها الأسلحة وتستخدم المدنيين في المحيط دروعاً بشرية. وقال إن إسرائيل قادرة على تدميرها.
وترافق ذلك طول الوقت مع تدريبات معلنة تقوم بها القوات الإسرائيلية، مرة لعدة أيام ومرة لأسبوع ومرة لشهر كامل. ولقد بنيت قرية في أحد معسكرات التدريب للجيش الإسرائيلي بهضبة الجولان السورية المحتلة، تشبه قرية لبنانية، تنفذ فيها عمليات احتلال من بيت إلى بيت. وكُشف عن وجود وحدات عسكرية على الحدود اللبنانية ترصد تحركات «حزب الله» على مدار 24 ساعة لمدة 365 يوما في السنة. وجرى الكشف أيضاً عن «روبوتات سيارة» يمكن إرسالها إلى أرض المعركة للقيام بعمل الجنود في نقل العتاد والمصابين، وعن طيارات بلا طيار (درون) وسفن بلا بحارة، وسيارات بلا سائقين تدخل ميدان القتال، وهذا فضلا عن طيارات الغارات الحربية. وكل ذلك بشكل علني. وعلق عاموس هرئيل، محلل ومحرر الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، على كل هذه التهديدات وما رافقها بالقول: «القيادة في إسرائيل دقت كل الأجراس تحذيرا من خطر مخططات إيران في لبنان. ولكن يبدو أن هدفها ليس إشعال الحرب، بل العكس، إبعادها».
وأردف: «إن تحذيرات رئيس الحكومة ووزير الأمن ورئيس هيئة الأركان من النيات الإيرانية لإنشاء مصانع للسلاح في الأراضي اللبنانية، وجهت لكل أذن مصغية في المنطقة، بيروت وطهران ودمشق. في المرة السابقة التي حذرت فيها إسرائيل في سبتمبر (أيلول) 2017. يبدو أن الرسالة استوعبت جيداً، إيران و«حزب الله» أوقفا المشروع. هذه الجهود تجددت مؤخراً، سواءً لأن خطوات إيرانية مشابهة في سوريا ووجهت بتحفظ روسي أو لأن طهران وصلت إلى استنتاج بأن إسرائيل لن تستطيع صدها في لبنان».
ولمح هرئيل إلى أن نتنياهو قصد بهذه التهديدات التغطية على التحقيقات القضائية ضده في الشرطة حول قضايا الفساد. فقال: «على المستوى الأمني، نتنياهو يكره المخاطرة جدا. منذ احترق كرئيس حكومة جديد في أحداث النفق في 1996، وهو يحذر أيضا من أخطار أقل بكثير. عندما توجه إلى مواجهة عسكرية محدودة (عمود السحاب) في 2012 و(الجرف الصامد) في 2014 في غزة، جر إلى ذلك فقط نتيجة لالتقاء تحد أمني خارجي وخطر سياسي داخلي. ولكن بالنسبة لإيران و(حزب الله) في لبنان، فإن ما هو على الطاولة مخاطرة أكبر بكثير، تفسر معادلة الردع المتبادل التي نشأت بين الطرفين منذ انتهاء (حرب لبنان الثانية) عام 2006، التي ضمنت فترة فريدة في طولها من الهدوء في الشمال. ومرة واحدة منذ فترة طويلة، عندما جر نتنياهو من خلال تصريحات صقرية، ظهرت النظرية حول نيته لشن حرب كبيرة من أجل إبعاد النار عنه في قضايا التحقيقات. وعندما تتعالى هذه الاتهامات من كونها شائعات وتصبح مقالات رئيسية في الصحف فهي تحتاج إلى إثباتات أكثر إقناعا. وحتى الآن هذه الإثباتات غير موجودة. ومن الصعب رؤية آيزنكوت (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي) في السنة الأخيرة في منصبه مؤيداً مؤامرة كهذه. إسرائيل تتبنى الآن خطاً هجومياً أكبر وقد دعمته بالأفعال في سلسلة كثيرة من الهجمات في سوريا. ولكن حتى الآن يبدو أن طبول الحرب في الشمال يمكنها أن تنتظر».

- الحرب المقبلة ليست مع «حزب الله» بل مع الدولة اللبنانية
> الجنرال غيورا آيلاند، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية لثلاث سنوات، وترك منصبه قبل «حرب لبنان الثانية» بنصف سنة، يقول إن القرار حول «حرب لبنان ثالثة» مرتبط جدا بالحرب الثانية ونتائجها.
من ناحية، هناك حقيقة أن «حزب الله» يبدو مردوعاً لأنه منذ تلك الحرب، وهو يحافظ على هدوء تام ولا يمارس أي عمل عدائي لإسرائيل من الأراضي اللبنانية. ولكن، من جهة ثانية يبدو أن «حزب الله» ضاعف قدراته العسكرية عشرات المرات، أكان ذلك بنوعية وكمية الأسلحة التي يمتلكها، إذ توجد في حوزته 130 ألف صاروخ تستطيع أن تصل إلى كل مكان في إسرائيل، أو من ناحية التجربة التي اكتسبها في الحرب في سوريا. كما أن «حزب الله» تحسن من حيث الأداء الحربي، وهو اليوم يستر مواقعه بشكل أفضل. وصواريخه أصبحت أكثر دقة.
ويضيف آيلاند: «هناك سؤال أساسي يطرح، هو: هل تعلمنا ما يجب أن نتعلمه لكي ندير حرب لبنان الثالثة بشكل أفضل من إدارتنا للحرب الثانية؟ لقد ارتكبنا في حينه خطأ استراتيجيا عندما اعتبرنا (حزب الله) عدونا الأساسي، وتجاهلنا الدولة اللبنانية التي تعطيه الغطاء... وتركنا الجيش اللبناني الذي يتعاون مع الحزب. لقد دارت الحرب في حينه 34 يوما مع (حزب الله) والعالم كان يتفرج علينا. لم ينزعج أحد من رؤيتنا، نحن و(حزب الله)، يقتل كل منا الآخر. فلو وجهنا ضرباتنا إلى البنى التحتية اللبنانية لكانت الحرب أقصر ولكانت النتيجة مختلفة. لذلك يجب أن يحصل تغيير استراتيجي في الحرب المقبلة. يجب أن تكون أقصر.
كيف؟ نضع الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية.
الحرب الثالثة يجب أن تكون بين إسرائيل وبين الدولة اللبنانية. لن تستطيع إسرائيل، رغم ما تملكه من قوة، أن تدمر 100 ألف صاروخ لدى (حزب الله). ولكنها تستطيع أن تدمر في غضون بضعة أيام قليلة كمية هائلة وغير محتملة من البنى التحتية الأساسية في لبنان، وتوجه ضربات مدمرة أيضا لجيش لبنان الرسمي.
العالم كله سيقف على رأسه لكي يوقف الحرب في وقت قصير، لأن أحدا لا يريد أن يرى لبنان مدمراً».

- مريدور: تدمير الصواريخ مهمة مستحيلة
> دان مريدور، الوزير الإسرائيلي السابق لشؤون المخابرات والشؤون الاستراتيجية، يتكلم برموز تلائم فهمه الاستخباراتي. وهو يرى أن على إسرائيل أن تسعى لمنع الحرب بكل قوتها لأنه لا يمكن لجيش نظامي أن ينتصر على تنظيم مثل تنظيم «حزب الله». والطريقة الوحيدة، في حال الاضطرار لخوض الحرب، هي طريقة التعامل الأميركي مع أسامة بن لادن.
وفق مريدور، على إسرائيل ألا تصب جل جهودها لتدمير الصواريخ، لأن تدميرها مهمة مستحيلة، بل عليها أن تعين 300 هدف عيني وتسلط عليها حممها القتالية. وهذه الأهداف يجب أن تكون إصابتها ليس فقط موجعة لـ«حزب الله»، بل يجب أن تكون أهدافاً من ذلك النوع الذي يؤدي تدميرها إلى شلل «حزب الله». وعند تحديد هذه الأهداف - يقول مريدور - ينبغي أن نتذكر أن ما جعل «حزب الله» بهذه القوة هي إيران.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.