محورا «الفتح» و«الإصلاح» أمام تحدي «الكتلة الأكبر» واختيار رئيس الوزراء

TT

محورا «الفتح» و«الإصلاح» أمام تحدي «الكتلة الأكبر» واختيار رئيس الوزراء

تقول مصادر مطلعة في بغداد إن اتفاق الكتل السياسية العراقية على الشخصية المناسبة لشغل منصب رئاسة الوزراء سيكون أكثر تعقيدا من عملية اختيار رئيسي البرلمان والجمهورية، علما بأن السنة العرب حسموا قبل أيام مرشحهم لرئاسة البرلمان، من خلال محمد الحلبوسي، فيما يقترب الأكراد من حسم منصب رئيس الجمهورية من خلال مرشح «الاتحاد الوطني» برهم صالح. وتعتبر المصادر أن صعوبة الاتفاق على رئيس الوزراء المقبل مرتبطة بأهمية هذا المنصب الذي يُعتبر شاغله (الشيعي) المسؤول التنفيذي الأول والمسؤول عن إدارة السياسات العامة للبلاد، بجانب التعقيد والغموض الكبيرين اللذين ما زالا يحيطان بمفهوم «الكتلة البرلمانية الأكبر» المؤهلة لتشكيل الحكومة.
والتنافس الحاد حاليا على «الكتلة الأكبر» يدور بين محوري «البناء» الذي يقوده هادي العامري و«الإصلاح» الذي يقوده مقتدى الصدر، إذ إن كلا المحورين يزعم أنه يمتلك العدد الأكبر من النواب لتشكيل أكبر كتلة في البرلمان.
ويستند كل من هذين المحورين أيضا في «ادعائه» امتلاك «الكتلة الأكبر» إلى تفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم هذه الكتلة عام 2010، حيث يرى محور «الإصلاح» أن الكتلة هي تلك التي «تتشكل في البرلمان بعد ائتلافها مع كتل أخرى»، فيما يرى محور «البناء» أن المقصود بها هي التي «تجمع أكبر عدد من المقاعد في البرلمان».
وتقضي الخطوات الدستورية المؤدية إلى تشكيل الحكومة بأن يدعو رئيس الجمهورية البرلمان إلى الانعقاد بعد 15 يوما من إعلان النتائج البرلمانية والمصادقة عليها، ثم يلي ذلك انتخاب رئاسة البرلمان خلال الجلسة الأولى بأغلبية مطلقة للنواب، ثم ينتخب البرلمان خلال 30 يوما رئيسا جديدا للجمهورية الذي بدوره يكلّف «الكتلة الأكبر» باختيار رئيس للوزراء. ويفترض أن يختار الأخير كابينته الوزارية خلال 30 يوما ويعرضها على البرلمان للتصويت عليها.
وعلى الرغم من ادعاء محوري «الفتح» و«الإصلاح» رفعهما استفسارا جديدا للمحكمة الاتحادية لكشف الغموض المتعلق بتفسيرها الأول لمفهوم «الكتلة الأكبر»، يرى عدد من خبراء القانون أن المحكمة الاتحادية لن تقدم على تقديم تفسير جديد (لتفسيرها السابق) يميل لصالح محور على آخر. لكن مصدرا قريبا من مجلس النواب العراقي يرى أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو «اتفاق كل من محوري (البناء) و(الإصلاح) على شخصية محددة لرئاسة الوزراء وتقديمها إلى رئيس الجمهورية في الوقت نفسه وبشكل متواز». ويضيف المصدر: «هذا الاحتمال الأقرب للتحقق، لأنه يحقق لكل من محوري (البناء) و(الإصلاح) الادعاء بأنه (الكتلة الأكبر) في البرلمان».
ولا يستبعد القيادي في تيار «الحكمة» محمد حسام الحسيني، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، سيناريو تقديم «البناء» و«الإصلاح» مرشحا واحدا لتلافي «الحرج» الذي قد يتعرضان له في موضوع «الكتلة الأكبر».
وفي إشارة إلى التصريحات التي تطلقها شخصيات من محور «البناء» بشأن أحقيتها في تشكيل «الكتلة الأكبر» باعتبار نجاحها في تمرير رئيس مجلس النواب، يعتقد الحسيني أن «عملية اختيار رئيس البرلمان لا تكشف بوضوح عن (الكتلة الأكبر)، ولا يمكن قياس ذلك على اختيار رئيس الوزراء».
لكن الحسيني يحتمل مسارين آخرين لتشكيل الحكومة المقبلة عبر «اشتراك الجميع في حكومة شراكة وطنية وعودة إلى السياقات التي حكمت تشكيل الحكومات السابقة، أو اللجوء إلى تفاهم معيّن يضع جزءا من الكتل في خانة الحكومة وأخرى في المعارضة».
بدوره، يرى الخبير القانوني طارق حرب أن «المحكمة الاتحادية لن تقدم من جديد تفسيرا آخر لمفهوم (الكتلة الأكبر)». ويقول حرب لـ«الشرق الأوسط»: «أرجّح أن يتم اللجوء إلى الصيغة الديمقراطية الواضحة في تحديد (الكتلة الأكبر) داخل البرلمان، بمعنى أن يقوم المجلس بعدّ النواب الذين يمثّلون محور (البناء) أو (الإصلاح) داخل القبة النيابية عبر رفع أيديهم لهذا المحور أو ذاك، وذلك يكشف بوضوح ممن تتألف (الكتلة الأكبر)».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.