في خطوة مقررة من القيادة العليا للجيش والحكومة، أتاح سلاح الجو الإسرائيلي، لمجموعة من الطيارين الحربيين أن يكشفوا بعضا من أسرار الهجوم الذي كانوا قد نفذوه على أهداف عسكرية إيرانية في سوريا، ليلة العاشر من مايو (أيار) الماضي. فقالوا إن دقة إصاباتهم كانت بنسبة 100 في المائة، وإن السوريين ردوا عليهم بإطلاق 160 صاروخا مضادا للطائرات، من دون أن يصيبوهم بشيء. وأكدوا أن تنسيقا على أعلى المستويات الميدانية مع القوات الروسية في سوريا، رافق هذه العملية طيلة الليل.
والحديث يجري عن الصدام الكبير، الذي يعتبر الأول من نوعه، بين إسرائيل وإيران منذ تأسيسهما. وقد جاء هذا الصدام إثر تسلسل عدة صدامات «خفيفة» سابقة. فمنذ أن تدخلت إيران بشكل قوي في الحرب السورية الأهلية، وإسرائيل تمتحن مدى قوتها ومدى رغبتها في الاشتباك معها، وذلك من خلال قصف مواقع سورية وقوافل أسلحة إيرانية وهي في طريقها إلى لبنان لمصلحة «حزب الله».
لكنها منذ مطلع السنة الجارية، راحت إسرائيل تقصف لأول مرة أهدافا إيرانية مباشرة. وفي شهر فبراير (شباط) 2018، أعلنت إسرائيل أنها أسقطت طائرة بلا طيار تحمل علامات الانتماء للجيش الإيراني، أطلقت باتجاهها عن طريق الأردن. وأن قواتها الجوية ردت على هذه العملية بسلسلة غارات واسعة النطاق في سوريا، ضد 12 هدفا. وكانت هذه المرة الأولى، التي تؤكد إسرائيل فيها علنا استهداف مواقع إيرانية.
وهذه الغارات انتهت بتحطم طائرة إسرائيلية من طراز «إف - 16» في شمال إسرائيل، بعد إصابتها بصاروخ سوري. وفي 9 أبريل (نيسان)، نفذت إسرائيل غارات على قاعدة «T - 4» العسكرية في محافظة حمص وسط سوريا، تسببت في مقتل 14 عسكريا، بينهم سبعة إيرانيين. وفي 26 من الشهر نفسه، هدد وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بأن جيشه سيتصدى لأي محاولة لترسيخ الوجود العسكري الإيراني في سوريا. وبعد ثلاثة أيام وجهت الغارات الإسرائيلية حممها على عدة مواقع سورية إيرانية مما تسبب في مقتل 26 جنديا، غالبيتهم إيرانيون.
وفي 8 مايو، قتل 15 مقاتلاً أجنبياً يقاتلون مع القوات السورية، وبينهم ثمانية إيرانيين في ضربة ليلية نسبت إلى إسرائيل، استهدفت مستودع أسلحة للحرس الثوري الإيراني في منطقة الكسوة جنوب دمشق. وفي اليوم التالي ردت سوريا بإطلاق عشرات الصواريخ ليلاً من سوريا، ولكنها لم توجهها إلى إسرائيل؛ بل إلى مواقع عسكرية إسرائيلية في القسم المحتل من هضبة الجولان السورية. وقد سقطت غالبيتها في مناطق مفتوحة، وتم تدمير بعضها وهي في الجو، عندما كان باديا أنها ستسقط في موقع مأهول للجيش الإسرائيلي أو المستوطنات أو البلدات العربية الدرزية المحتلة في الجولان. وتأكد لاحقا أن أحد هذه الصواريخ كان سيسقط في قرية بقعاثا السورية، لولا تدميره وهو في الجو. عندها ردت إسرائيل في هجوم على 50 هدفا في سوريا، في ليلة العاشر من مايو، في آن واحد. وهو أول صدام عسكري في تاريخ العلاقات بين إسرائيل وإيران، وأكبر صدام مع سوريا منذ سنة 1974.
وقد كشف الطيارون الإسرائيليون، أمس، أن القصف استهدف في حينه مواقع استخبارية إيرانية، ومقرات قيادة لوجستية تابعة لـ«فيلق القدس» الإيراني في الجنوب والوسط، ومعسكرا إيرانيا شمال دمشق، ومواقع لتخزين أسلحة تابعة لـ«فيلق القدس» في مطار دمشق، وموقع استطلاع، ومواقع عسكرية ووسائل قتالية في منطقة فك الاشتباك، وتدمير المنصة التي أطلقت منها الصواريخ باتجاه إسرائيل الليلة السابقة.
وقال أحدهم: «كانت تلك عملية عرفنا أنها قد تتطور إلى حرب شاملة. فنحن نشن غارات على 50 هدفا وكلها تصيب بنسبة 100 في المائة، وهم يردون بـ160 صاروخا علينا، مع أنها لم تتسبب لنا في أذى، إلا أنها تخلق جوا مشحونا. ولم تكن الأجواء سهلة، إذ شابها ضباب كثيف. وكنا ننتظر كيف سترد إيران. هل ستبلع الهجوم الإسرائيلي كما حصل في السابق، أم تقرر الرد والتصعيد. وكان الوضع حساسا مع الروس أيضا، لكننا كنا على تنسيق دائم معهم».
ويقول آخر: «كنا منذ أسابيع من تلك الليلة قد بدأنا الاستعدادات لعملية كهذه، وأجرينا تدريبات على كل سيناريو يمكن تخيله. وأعددنا التجهيزات اللازمة لتوسيع نطاق العمليات وتحولها إلى حرب. أدرنا لعبة حرب عدة مرات. أخذنا بالاعتبار احتمال أن يسقطوا لنا طائرة ونحن على الأراضي السورية، وكيف نعمل على إنقاذ طاقمها، مع يقيننا بأنهم لن يستطيعوا هذه المرة إسقاط طائرة. فقد تعلمنا العبرة من العملية الأخيرة، والإيرانيون رغم قوتهم الكبيرة فإن أسلحتهم قديمة، وطريقة تعزيز قوتهم في سوريا مليئة بالعراقيل والتعقيدات، ولدى مخابراتنا معلومات ممتازة عنهم».
ويقول طيار ثالث: «كنا دمرنا نصف قوة بطاريات الصواريخ السورية في الشهور السابقة؛ لكن الروس عوضوهم عن الخسارة بصواريخ أحدث. وقد أرسلوا باتجاهنا كمية هائلة من الصواريخ، التي كانت تظهر كما لو أنها عمود كهرباء ينطلق نحوك كعمود نار».
وكانت بينهم طيارة امرأة، وافقت على الحديث بشرط ألا يتم تصويرها. وراحت تتحدث عن ضرورة الاهتمام بالتفاصيل عندما ترسل الصواريخ، وتتذكر دائما أن هناك صواريخ تلاحقك. وقالت: «بعد العملية عدت إلى البيت، وأخذت طفلي إلى الحضانة والروضة، وكنت أنظر إلى الأطفال وأقول لنفسي: هؤلاء الأبرياء يبتسمون ويفرحون، ولا يدرون كيف نسهر على راحتهم».
طيارون إسرائيليون يكشفون تفاصيل «المواجهة الكبرى» مع إيران في سوريا
في أول مواجهة بين الطرفين... و«تنسيق كبير» مع روسيا
طيارون إسرائيليون يكشفون تفاصيل «المواجهة الكبرى» مع إيران في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة