تحلم الفنانة آمنة علي بوجود مدرسة للفن في الجنوب الشرقي لمصر، تعلم من خلالها الأطفال فنون الرسم والإبداع المختلفة، لا سيما أن معظم أطفال قبيلة «العبابدة» التي تنتمي لها موهوبون بشكل مدهش.
ولدت آمنة علي، في قرية الشيخ أبو الحسن الشاذلي، التي تبعد نحو 110 كيلومترات من مدينة مرسى علم، في صحراء مصر الشرقية. تقول لـ«لشرق الأوسط» إن «أسرتها بالكامل تمارس الرسم بالفطرة، ضمن تفاصيل حياتها اليومية... فوالدتها تمارس الرسم، ووالدها، وإخوانها وأخواتها، يبدعون لوحاتهم دون صخب أو ضجيج، في أوقات ليلهم ونهارهم، يعتبرون الفن وسيلة لمقاومة الملل وتزجية الوقت، والحصول على المتعة، لكن لا يسعون إلى الخروج به إلى النور، أو ترويجه».
نشأت آمنة في هذه الأجواء، ولم تكن تحتاج إلى دراسة الفن، أو تعلمه، لأنها تتعايش معه ليل نهار، وفي كل الأوقات، ما خلق لديها حالة من الشغف به، فقررت أن تتجه لإبداع لوحات تعرف بحياة سكان القرية، وما يقومون به يومياً من أعمال، فرسمت الأطفال وهم يلعبون، والنساء وهن يتزينون.
هدف آمنة من الرسم كان واضحاً في وعيها منذ البداية، حيث أشارت إلى أنها سعت للتعريف بثقافة الجنوب، وقبائله، بدءاً من ملابس رجاله ونسائه، وطقوس أفراحهم، التي يرقص فيها الرجال، حتى طعامهم، الذي تزدهي به موائدهم.
كانت بداية آمنة مع الرسم متدرجة، استخدمت في لوحاتها الأولى القلم الرصاص، لكنها انتقلت للإبداع بعد ذلك بالألوان الخشبية «الفايبر كاستل»، ثم ذهبت بعدها للرسم بالألوان الزيتية، زادت عليها الخرز، والجلد والصوف، وجعلت منها خامات لونية مضافة تستخدمها لتعطي للوحاتها بعداً بيئياً، لتعرّف جمهورها أن مبدعها قادم من بيئة ذات صفات خاصة جدا.
توضح آمنة أن قبائل «البجا» لهم علاقة بالفراعنة، والكشف عن ذلك منوط بالباحثين، فهو دورهم، وعليهم تتبعه، وبحث تفاصيله، راحت تشير إلى لوحة إلى يسارها تعبر عن رقصة «الباقريه»، أما باقي اللوحات فقالت إنها استفادت من النقوش الموجودة على الصخور هناك، والتي تنتمي لزمن ما قبل التاريخ، ما يشير إلى أن القبائل الصحراوية عرفت الحضارة الفرعونية، وساهمت بنصيب كبير في فنونها، ولعل منطقة أبرق، التي تمتلئ بكثير من النقوش أبسط دليل يمكن أن يوضح ذلك.
هذا المزيج الثقافي الذي تحمله آمنة في وجدانها يمكن أن تتعرف عليه من لوحاتها، التي لم تهتم بتحديد أسعارها، ولا تسعى لبيعها بأموال كثيرة، لكنها تريد فقط أن تبرز ثقافة أهل المناطق الصحراوية، وحياتهم بالرسم على ما يتاح لها من خامات، لم تترك شيئا إلا واستخدمته في نقل ما تراه حولها، حتى أنها رسمت على ثمار نبات الحنظل وأخرجتها من مرارتها ودورها في علاج بعض الأمراض إلى نطاق الفن الأكثر رحابة وجمالا وشاعرية.
ركزت آمنة ضمن دورها في المشروع على تراثها، فكان من نصيبها رسم رقصة «الهوثيب» وهي رقصة فروسية قديمة تضرب في عمق تاريخ السكان هناك، يستخدم فيها أهل الجنوب السيوف، ويقدمونها في الأفراح.
ولم يتوقف دور آمنة، التي تدرس علوم الحاسب الآلي، عند هذا الحد، بل شاركت في مشروع «إتانينا الجنوب» وتعني أهلا بالجنوب، قالت: «قمنا ضمن هذا المشروع بتلوين البيوت القديمة، والسوق، ضمن فريق من طلاب وطالبات كلية الفنون الجميلة، استقبل الأهالي ما نقوم به بفرح شديد، وقد شاركت بحرية كاملة، رغم أن التقاليد هناك تمنع خروج البنت حتى إلى السوق».
مصرية توثق بالرسم رقص القبائل في الصحراء الشرقية
مصرية توثق بالرسم رقص القبائل في الصحراء الشرقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة