{الجيل الخامس} من الإرهاب

الشائعات مسار غير تقليدي لتفكيك المجتمعات

جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

{الجيل الخامس} من الإرهاب

جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

هل بات العالم على موعد مع نوع جديد من أنواع حروب الإرهاب تستخدم فيها الشائعات أداة لتقويض السلام المجتمعي للدول، ونشر الخوف والذعر بين المواطنين، مما يؤدي إلى تفكيك المجتمعات وهدم الدول من الداخل ودون إطلاق رصاصة واحدة من الخارج؟
الشاهد أنه إذا كان الجميع قد اتفق على تسمية استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة لتفكيك مفاصل الدولة باسم حروب الجيل الرابع، فإن هناك إجماعاً غير مسبوق على أن نشر الشائعات تعتبر آلية الجيل الخامس من الحروب.
ما هي الشائعة بداية؟ قطعاً هي الترويج لخبر أو أخبار زائفة، سرعان ما يتم تداولها في المجتمع، ورويداً رويداً تكتسب مصداقية، حتى وإن كانت مزورة ومنحولة، والهدف عادة منها التأثير على توجهات المواطنين، ودفعهم في دروب ومسالك تتسق دائماً لأهداف مطلقي الشائعات، أي أنها أداة من أدوات التوجيه النفسي والمعنوي بشكل سلبي غير بناء.
والمؤكد أن التاريخ، سيما في النصف الأول من القرن العشرين، قد شهد نموذجاً شهيراً لترويج الإشاعات قام به وزير الإعلام والدعاية الألماني (جوزيف غوبلز) وهو صاحب العبارة الشهيرة: «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، وقد عمد غوبلز إلى تسخير رباعيات العراف الفرنسي الشهير ميشيل نوسترداموس، للترويج لانتصار هتلر في الحرب العالمية الثانية، غير أن الحلفاء اكتشفوا حقيقة زيف إشاعاته ومن ثم تعاملوا معه بنفس الأداة، الأمر الذي جعله في نهاية الأمر يفقد اتزانه وينتحر خوفاً من الوقوع حياً في أيدي الحلفاء.

مصر والإرهاب... حروب الإشاعات
لماذا يتم إعادة فتح هذا الملف مرة جديدة في الوقت الراهن؟
يبدو أن مصر تواجه هجمات إرهابية جديدة عبر الإشاعات فخلال شهر يوليو (تموز) الماضي كانت الأجهزة الأمنية المعنية في ربوع الكنانة ترصد واحداً من مخططات «الحرب البديلة»، والذي لجأت إليه الجماعات الظلامية التي تهدد وحدة مصر، بقيادة الإخوان المسلمين، لجأ الإخوان ومن لف لفهم إلى الإشاعات أسلوباً بديلاً بعد فشل تنفيذ مخططاتهم الإرهابية العدائية، وبلغ الأمر حد انتشار «ثلاث شائعات» في الساعة، عطفاً على تأسيس جيش إلكتروني خارجي يعمل على بث المواد المغلوطة، بهدف نشر الإحباط واليأس والتغطية على إنجازات الحكومة وجهودها.
خلال تخريج إحدى دفعات الكليات العسكرية الشهر الماضي أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن الحكومة المصرية قد واجهت خلال الأشهر الثلاثة الماضية أكثر من عشرين ألف شائعة الهدف منها تدمير الدولة ونشر البلبلة والإحباط من أجل تحريك الناس لتدمير بلدهم.
ما قاله الرئيس السيسي كشفت عنه دراسة حديثة أشرفت عليها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب المصري، فقد أشارت في تقرير حديث لها عن إطلاق عدة آلاف من الشائعات خلال شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017.

النسيج المجتمعي هو الهدف
خذ إليك عينة من تلك الشائعات لتعرف مقدار الضرر الذي توقعه على النسيج المجتمعي لمصر، ومنها القول إن الحكومة المصرية قامت بخلط دقيق القمح بمواد كيميائية من أجل تقليل خصوبة المصريين، وبالتالي وقف النمو السكاني. وللقارئ أن يتخيل ردات الفعل عند البسطاء من المصريين وكذا الفئات التي تعاني من ضغوطات اقتصادية وكيف لمثل هذه الشائعات أن تولد انفجاراً مجتمعياً.
بعض آخر من تلك الشائعات استهدف النظام البنكي المصري، والذي روج المرجفون أنه أصيب بالإفلاس، وأن الحكومة يمكن أن تضع أياديها على أرصدة وودائع الشعب لصالحها.
نشر الشائعات يمضي كذلك لجهة الترويج الكاذب لبيع مصر أصولها الوطنية كالقول ببيع الأراضي المحيطة بقناة السويس لمستثمرين أجانب، وقد وصل الأمر حد إشاعات تتصل بالوجبات الرئيسة للمصريين وفي محاولة لا تخفى عن الأعين للوقيعة بين الدولة وبين الشعب، من عينة استيراد وزارة الزراعة المصرية بيض من الصين مصنوع من البلاستيك، وكذلك أسماك بلاستيكية وأرز بلاستيكي، وقد بات الوطن على هذا النحو تحت طائلة إرهاب الشائعات.

وسائل التواصل ونشر الشائعات
يعن لنا أن نتساءل هل أدت وسائط التواصل الاجتماعي دوراً غير محمود في هجمات الإرهاب الجديد هذا؟
يمكن القطع بأن ذلك كذلك ومن أسف، بمعنى أنه تم تحويل وتحوير الهدف الأساسي منها والالتفاف عليه، فعوضاً عن أن تكون جسوراً للبناء، باتت معاول للهدم في جسد الدول.
لم تعد أساليب الإعلام القديمة من عينة الصحف أو أجهزة التلفاز هي التي تشكل الرأي العام في واقع الأمر، بل أدوات من عينة «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» هي التي تفعل ذلك، ومن هنا جاء استخدام الجماعات الأصولية لها لنشر المعلومات المغلوطة ونظريات المؤامرة والشائعات، سيما وأنه المعروف إعلامياً أن «الأخبار السيئة هي الأخبار تلك التي تلفت انتباه الناس، وتدفعهم إلى مواصلتها ومن ثم التهويل من شأنها».
كما أن مسالة تدوير الشائعات تعطي مجالاً للمواطنين لأن يتفاعلوا مع نوعين من الأخبار الأول يتصل بالمغلوطة والثاني يقوم على تفعيل نظرية المؤامرة.

إرهاب الإخوان ونزع الثقة
حين خرج المصريون في 30 يونيو (حزيران) من عام 2013 مطالبين بإسقاط حكم «الإخوان»، كان الجميع يدرك أن المعركة مع التنظيم الإرهابي في حال المبتدأ، وأن المقبل سيحمل أخباراً سيئة كثيرة من جراء شهوة الانتقام الغالبة لديهم.
والمؤكد أنه عبر خمس سنوات خلت وحتى الساعة لا تزال حروبهم لنزع ثقة المواطنين من النظام قائمة وإن مضت في اتجاهين، الأول يتصل بالإرهاب المعنوي، أي نشر الشائعات عبر وسائل الإعلام، وهنا يظهر الدور الخطير لبعض الدول التي تحتضن الهاربين من العدالة من الإخوان لا سيما قطر وتركيا، والبعض الآخر القائم في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة، وهؤلاء وأولئك بما لديهم من أدوات إعلامية عبر الإنترنت وقنوات فضائية يغازلون صباح مساء كل يوم أنصارهم المؤدلجين ويعرجون على آخرين.
أما العنف اللفظي، ففيه أيضاً تستخدم الشائعات كمطية لتحقيق رغبات أصحابها، فعندما تطلق إشاعات حول عمليات إرهابية قادمة، أو استهداف تجمعات بعينها، فإن الهدف الأكبر وهو نزع ثقة المواطن يتحقق من تلقاء ذاته، ومن دون الحاجة إلى عمليات حقيقية بالفعل، ذلك أن المواطن يهزم نفسيا وقبل أن يدلف إلى أي مواجهة حقيقية.
ولأن ترويج الشائعات يتصل اتصالاً وثيقاً بالأنساق الدينية والإيمانية، بوصفه نوعاً من أنواع الكذب الذي تحرمه الأديان السماوية، وترفضه بالقدر نفسه الشرائع الوضعية، لذا رأينا المؤسسات الدينية تأخذ بزمام أمورها لتدين هذا التوجه غير الخلاق. في هذا الصدد كان مرصد الإفتاء في مصر يدين لجوء الجماعات الإرهابية لنشر الشائعات والأكاذيب، ويوضح أن هناك نوعين من تلك الشائعات الخطيرة على الوطن والمواطنين:
النوع الأول: هو الشائعات الاستراتيجية، التي تستهدف ترك أثر دائم أو طويل المدى على نطاق واسع، ويستهدف هذا النوع من الشائعات جميع فئات المجتمع بلا استثناء.
النوع الثاني: هو الشائعات التكتيكية، والتي تستهدف فئة بعينها أو مجتمعاً بذاته لتحقيق هدف سريع وفوري، والوصول إلى نتائج قوية وفورية لضرب الجبهة الداخلية ونشر الفتنة بين أفراد المجتمع.
ولأن الظاهرة ليست محلية فقط بل عالمية أي ظاهرة الشائعات، لذا استمعنا إلى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان متحدثاً عن الصحافة القائمة على الشائعات والتي تشكل شكلاً من أشكال الإرهاب، وقد جاء حديثه أمام زعماء الرابطة الوطنية للصحافيين، حين أكد على ضرورة بذل الجهد الإضافي سعياً وراء الحقيقة، خاصة في عصر تستمر فيه التغطية الإخبارية على مدار الساعة، ومضيفاً أن نشر الشائعات هو مثال للإرهاب ومثال يوضح كيف يمكنك أن تقتل إنسان بلسانك.

في كيفية التصدي لحروب الشائعات
ولعل تناول تلك الظاهرة الإرهابية من دون محاولة تقديم اجتهادات متواضعة لمجابهتها يضحى عملاً غير مكتمل، ولهذا فإن السؤال كيف لنا أن نتصدى لهذا النوع من حروب الإرهاب؟
الشاهد أن الأمر ليس باليسير، وبخاصة في زمن تسافر بل تطير فيه الأفكار بأجنحة عابرة للسدود والحدود، لكن تبقى هناك اجتهادات كثيرة بعضها تقوم به الحكومات، والبعض الآخر يقع عبئه على كاهل المواطنين أنفسهم.
أما ما يخص الحكومات فإنه يتعين على أجهزة الدول ووزاراتها المعنية الرد السريع على كل شائعة يتم الترويج لها، رداً شافياً وافياً، أميناً صادقاً، لا يترك مجالاً للشكوك أن تتسرب، مما يعزز الثقة بين المواطنين، وبين أجهزة الدولة، وأن تكون وسائل الإعلام الحكومية من الصدق والمصارحة، بحيث لا يلجأ المواطن إلى مصادر أخرى بديلة وعادة ما تكون مغرضة للحصول على المعلومات والحقائق الإخبارية التي تتصل بحال الوطن والمواطنين.
أما فيما يخص إشكالية وسائط التواصل الاجتماعي والكثير منها، إن لم يكن أغلبها، يأتينا من خارج الحدود المحلية والإقليمية، فإنه لا بأس ولو بشكل مؤقت فرض نوعاً من أنواع الرقابة على تلك المواقع، وحظر ما يعرض الأمن القومي من جرائها للخطر، وفي هذا الطريق مضت وتمضي دول كبرى مثل الصين بنوع خاص، والتي أدركت حكوماتها المتعاقبة أن الولايات المتحدة تسعى لتفكيكها من الداخل عبر ترويج الشائعات ونشر الفتن المعنوية، إن جاز التعبير.
والثابت أنه لا توجد هنا مشكلة ما بين الحريات الشخصية وأمن المجتمعات، فطالما كان الفرد غير مخالف لقوانين البلاد، فهو آمن، أما الذين يتوجب أن تنتقص حرياتهم الشخصية فهم أولئك القائمون على التخطيط لنشر الشائعات وهدم كيانات الدول. أما الجزء الآخر، فيتصل بالمواطنين أنفسهم، فالمعروف أن الحاضنات الشعبية العربية والشرقية عامة، تميل إلى ترديد الأحاديث وتكرارها من دون تنقيح أو مساءلة وكأنها مسلمات حقيقية، وعليه فإن البعض من دون وعي يشارك في إذكاء جذوة الشائعات، بالتمام والكمال كمثل أولئك الذين يتعاطون مع وسائط التواصل الاجتماعي وعبر آلية «الشير أو المشاركة».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.