الهجرة الفنزويلية على أبواب كارثة إنسانية

أكثر من 2.5 مليون نازح عبروا حدود دول الجوار منذ بداية الأزمة في 2014

الفيس كارييو يعبر حدود الاكوادور في طريقه الى البيرو مقصد مئات الآلاف من الفنزويليين بسبب اوضاعها الاقتصادية الجيدة (ا.ب.أ)
الفيس كارييو يعبر حدود الاكوادور في طريقه الى البيرو مقصد مئات الآلاف من الفنزويليين بسبب اوضاعها الاقتصادية الجيدة (ا.ب.أ)
TT

الهجرة الفنزويلية على أبواب كارثة إنسانية

الفيس كارييو يعبر حدود الاكوادور في طريقه الى البيرو مقصد مئات الآلاف من الفنزويليين بسبب اوضاعها الاقتصادية الجيدة (ا.ب.أ)
الفيس كارييو يعبر حدود الاكوادور في طريقه الى البيرو مقصد مئات الآلاف من الفنزويليين بسبب اوضاعها الاقتصادية الجيدة (ا.ب.أ)

عندما أطلقت الأمم المتحدة مطلع العام الماضي تحذيراً من أن الأزمة الفنزويلية على أبواب كارثة إنسانية قد لا تقلّ خطورة عن الأزمة السورية من حيث تدفّق اللاجئين إلى البلدان المجاورة وتدهور الظروف الصحيّة والاجتماعية، لم يكترث معظم المعنيين مباشرة بهذه الأزمة، وفي طليعتهم نظام الرئيس نيكولاس مادورو الذي استمرّ في تطويق المعارضة السياسية وقمعها، وإلقاء اللوم على الأطراف الخارجية التي لم يتوقّف عن اتهامها بتدبير المؤامرات لإسقاطه.
لكن التدهور السريع الذي شهدته الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الدولة التي تنام على أكبر مخزون نفطي في العالم، حوّلها إلى أزمة إقليميّة ضاغطة في كل الاتجاهات، ودفع بالدول الكبرى في المنطقة، التي عجزت حتى الآن عن إقناع نظام كاراكاس بالحد من نزوعه التوتاليتاري وفتح قنوات الحوار السياسي مع المعارضة، إلى التداعي بسرعة من أجل معالجة كارثة تدفق اللاجئين التي تجاوزت قدراتها الاستيعابية.
وبدأت البيرو السبت تشديد إجراءات الدخول إلى أراضيها مشترطة على آلاف الفنزويليين الفارين من بلدهم الدخول إليها بجوازات سفر. وكانت البيرو أعلنت قبل أسبوع أنها لن تسمح سوى لحاملي جوازات السفر بدخول أراضيها اعتباراً من 25 أغسطس (آب).
ويعني القرار البيروفي إغلاق الباب في وجه عدد كبير من الفارين من فنزويلا، لأن الحصول على جواز سفر في هذا البلد أصبح أمراً معقداً ويحتاج إلى وقت طويل بسبب الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى نقص في المواد الغذائية والأدوية وحتى الورق. وكان الفنزويليون لا يحتاجون لأكثر من هوياتهم.
واتخذت السلطات قراراً مماثلاً في الإكوادور التي تعاني من المشكلة نفسها وتشكل معبراً لهؤلاء المهاجرين الذين يريدون الوصول إلى البيرو وتشيلي والأرجنتين. وكانت حافلات المهاجرين التي وضعتها سلطات الإكوادور المجاورة بتصرفهم تتوجه إلى حدود البيرو في سباق حقيقي مع الزمن. وهؤلاء كانوا قد عبروا كولومبيا وفي طريقهم إلى البيرو التي تعد من الاقتصادات الأكثر حيوية في المنطقة. وقال وزير الداخلية الإكوادوري ماورو توسكانيني، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، إن «35 حافلة تعبر حالياً الممر الإنساني وسنواصل العملية طالما بقي ذلك ممكناً».
آخر الإحصاءات تفيد بأن أكثر من مليوني ونصف المليون نازح فنزويلي قد عبروا الحدود إلى كولومبيا والبرازيل والمكسيك والأرجنتين والإكوادور والبيرو وكوستاريكا وتشيلي منذ بداية الأزمة عام 2014، وإن أكثر من نصفهم خرج من فنزويلا في الأشهر الستة الأخيرة، مما أدّى إلى وقوع أعمال عنف وظهور مواقف عنصرية في البلدان التي وصلت إليها دفعات كبيرة من اللاجئين الذين ضاقت بهم سبل العيش داخل فنزويلا التي تعاني منذ عامين من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية والأدوية والخدمات الأوليّة.
ويقول ناطق بلسان مجموعة ليما (عاصمة البيرو) التي تضمّ البلدان التي تداعت لإيجاد مخرج سياسي للأزمة الفنزويلية بعد فشل منظمة البلدان الأميركية: «إن الأوضاع قد بلغت من الخطورة على الصعيدين الإنساني والأمني ما يقتضي التحرّك بسرعة وبشكل منسّق بين كل الدول المعنية منعاً لخروج الأزمة عن السيطرة».
وتتوقع البيرو التي تسجل معدل نمو اقتصادياً يُعدّ من الأعلى في المنطقة، استقبال مائة ألف لاجئ فنزويلي في الأسابيع المقبلة، ما سيرفع عددهم الإجمالي إلى 500 ألف.
وكان مركز أغواس فيرديس الحدودي الذي يعبره نحو مائتي مسافر عادة، يواجه صعوبة مع تدفق الأعداد الكبيرة للفنزويليين بما يفوق طاقته.
وقالت كارولينا فيلاندريا (36 عاماً) التي كانت تدير سوبر ماركت ووصلت برفقة أولادها الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين عام واحد و15 سنة، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الأطفال تعبوا ويشعرون بدوار لأن الرحلة كانت معقدة».
أما الأطفال الصغار فكانوا فرحين ببالونات قدمها لهم الموظفون البيروفيون.
وتُعتبر كولومبيا المقياس الذي يُستدلّ به على خطورة الأزمة الفنزويلية، إذ دخلها حتى الآن نحو مليون نازح، معظمهم عبر المرافق الرسمية للعبور. لكن نحو خمسين ألفاً منهم دخلوا بصورة غير قانونية عبر الحدود المشتركة التي يزيد طولها عن 2000 كيلومتر، وتواجه السلطات الكولومبية صعوبة في مراقبتهم والتعاطي معهم.
ومما يزيد من خطورة أزمة اللاجئين الذين يتدفقون على كولومبيا، أن المناطق الحدودية ما زال معظمها يخضع لسيطرة الجماعات المسلحة التي تتاجر بالمخدرات والأسلحة والمحروقات والأخشاب، وهي تعاني أساساً من نقص حاد في الخدمات الصحية والاجتماعية.
وتسعى الحكومة الكولومبية الجديدة، بالتنسيق مع المكسيك والأرجنتين، إلى إشراك الأمم المتحدة، عبر مفوضّية اللاجئين والمنظمة الدولية للمهاجرين، في معالجة الأزمة التي تهدد بتداعيات خطيرة في دول الجوار، كما تسعى البرازيل إلى طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية. لكن يحذّر مراقبون من أن تصعيد الضغط على نظام مادورو، خصوصاً بعد جموح نسبة التضخم والأزمة النقدية، من شأنه أن يفاقم الوضع نظراً لضعف المعارضة وتشتتها والانقسامات الحادة بين أطيافها، وعدم وجود قيادة واضحة بين صفوفها، مما يحول دون أن تُثمر الجهود والضغوط الدولية.
ويقول خواكين فيّالوبوس، وهو قائد ثوري سابق في السلفادور ويرأس حاليّاً مركزاً لتسوية النزاعات «لقد أصبح مادورو يشكّل تهديداً استراتيجيّاً على المنطقة..والوضع في فنزويلا يشبه الوضع في كوبا خلال الأزمات السابقة، لكن كوبا جزيرة وليس بإمكان النظام أن يطرد الملايين إلى الخارج كما يفعل النظام في كاراكاس».
وفي الداخل الفنزويلي، الذي تحوّل إلى «سجن في الهواء الطلق»، كما قال أحد المعارضين، أدّت أزمة النزوح إلى ازدهار المافيات التي تتاجر بجوازات السفر، بعد أن فرضت معظم حكومات البلدان المجاورة على المواطنين الفنزويليين حيازة الجوازات كشرط للسماح لهم بدخول أراضيها. ورغم اعتراف وزير الداخلية بنشاط هذه المافيات وعزله رئيس الإدارة المسؤولة عن إصدار الجوازات، ما زالت هذه تباع في السوق السوداء بأسعار وصلت إلى خمسة آلاف دولار. وتشهد فنزويلا أزمة اقتصادية خانقة. فالتضخم يمكن أن يبلغ مليوناً في المائة في 2018 حسب تقديرات صندوق النقد الدولي وإجمالي الناتج الداخلي سيتراجع بنسبة 18 في المائة.

الأمم المتحدة تشكل خلية أزمة إقليمية
- ستشكل الأمم المتحدة خلية أزمة إقليمية في مواجهة ظاهرة الهجرة الفنزويلية, كما أعلن الجمعة ستيفان دوجاريك الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وفي بيان مشترك، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة للاجئين فيليبو غراندي والمدير العام لمنظمة الهجرة الدولية ويليام لاسي سوينغ الأسرة الدولية إلى تقديم دعم متزايد مع «ارتفاع حجم النزوح» وعبَّرا عن «قلقهما من أحداث كثيرة وقعت أخيراً وطالت اللاجئين والمهاجرين القادمين من فنزويلا».
وذكرت هاتان الوكالتان التابعتان للأمم المتحدة خصوصاً الشروط الجديدة لتقديم جوازات سفر والدخول إلى البيرو والإكوادور والتعديلات التي أدخلت على شروط منح إقامة مؤقتة للفنزويليين في البيرو. لكن وزير الداخلية البيروفي ماورو ميدينا قال: «لا أحد يتحدث عن إغلاق الحدود والأمر يتعلق بممارسة رقابة أفضل على الهجرة لأسباب أمنية»، مشيراً إلى أن «ثمانين في المائة من الفنزويليين الذين يصلون إلى البيرو لديهم جوازات سفر».



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.