بعثت فرنسا، خلال اليومين الماضيين، برسائل سياسية إلى الداخل اللبناني، أبدت فيها نوعا من التأييد للتمديد للرئيس اللبناني ميشال سليمان، على الرغم من إجماع اللبنانيين، وتحديدا الأفرقاء المسيحيين في قوى 14 و8 آذار، على انتخاب رئيس جديد.
وجاءت التصريحات الفرنسية أول من أمس، على ضوء إعراب مصادر فرنسية عن تخوفها من «الفراغ المؤسساتي» في البلاد، في إشارة إلى فراغ سدة الرئاسة، الذي يمكن أن يضاف إلى الأزمة المتواصلة بشأن تأليف الحكومة، ووجود رئيسين لها في البلاد، أحدهما مستقيل والثاني مكلف، بعد تمديد البرلمان لنفسه الصيف الماضي.
وعلى الرغم من أن هذه القضية لم يطرحها الرئيس سليمان أمس، مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، فإن الرسائل الفرنسية التي وصلت من باريس أول من أمس، وعبر سفيرها لدى لبنان باتريس باولي، بدت مشروطة، إذ اقترنت بوصف التمديد بكونه «خيارا أخيرا»، من باب «الحرص على تلافي الفراغ المؤسساتي»، أو «الدخول في الفوضى».
لكن المعني الأول بالتمديد، وهو الرئيس ميشال سليمان، يكرر رفضه له، ويدعو، باستمرار، لإجراء انتخابات رئاسية. ويأتي موقفه متضامنا مع موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، وهو المرجعية المسيحية الأولى في لبنان، كما يأتي متضامنا مع موقف الفريق المسيحي في قوى 14 آذار.
ولا تبدو إشارات التأييد الفرنسية، بحسب مصادر قوى 14 آذار، واقعية. وتوضح مصادر حزب القوات اللبنانية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الحديث عن تأييد فرنسي للتمديد «ليس دقيقا»، مستشهدة بـ«الإصرار المسيحي من كل الأطراف، وفي مقدمها البطريرك الراعي، على انتخاب رئيس جديد»، مؤكدة أن هذا الإصرار «مطلب كل اللبنانيين».
وتوضح المصادر أن تعديل الدستور للتمديد لرئيس الجمهورية «يحتاج إلى حضور أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان، وهي النسبة التي تتطلب انتخاب رئيس جديد»، مما يعني أن «الإمكانية لانتخاب رئيس جديد تصبح متاحة وأكثر سهولة». وتشدد المصادر على أن إجراء الانتخابات الرئاسية «أولوية لبنانية، كون لبنان لا يزال من البلاد التي تحافظ على هذا التقليد الديمقراطي في الشرق».
ويفرض القانون اللبناني حضور ثلثي أعضاء البرلمان (86 نائبا من أصل 128) في جلسة انتخاب رئاسة الجمهورية، التي لا تفتتح إلا بحضور هذا العدد، فيما يفرض القانون حضور ثلاثة أرباع عدد النواب لافتتاح جلسة التعديل الدستوري المتعلق بالتمديد للرئيس.
ويحدد الدستور ولاية الرئيس بست سنوات غير قابلة للتجديد، إلا بتعديل دستوري. وعدل الدستور في جلستي التعديل الخاص بالتمديد لرئيسي الجمهورية السابقين إلياس الهراوي وإميل لحود، لمدة واحدة فقط، وهما الرئيسان اللذان توليا سدة الرئاسة قبل الرئيس سليمان، منذ اتفاق الطائف عام 1989.
وأجرى سليمان قبيل عودته من باريس اتصالا هاتفيا بالرئيس الفرنسي، تناول العلاقات الثنائية والوضع في لبنان والمنطقة والمشاورات الجارية بشأن عقد مؤتمر «جنيف 2» الخاص بالأزمة السورية. وأكد هولاند «دعم فرنسا للبنان في كل المجالات وعلى مختلف المستويات وبنوع خاص مضمون خلاصات مؤتمر المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي انعقد في نيويورك في 25 سبتمبر (أيلول) الفائت، والتي تبناها مجلس الأمن الدولي رسميا في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، وما يجري التحضير له من مؤتمرات تحت سقف هذه الخلاصات».
وكان السفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي، قال لصحيفة «ديلي ستار» الناطقة بالإنجليزية، أمس، إن فرنسا تمضي بالتمديد كخيار «بين الفوضى التامة والتمديد للرئيس ميشال سليمان»، مؤكدا أنه «لا أحد يختار الفوضى»، مستطردا «إذا كان الخيار بين الانتخابات والتمديد لسليمان، فهذا أمر آخر».
واستغرب وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناظم الخوري، المقرب من سليمان، ما «يتداول من معلومات عن لقاءات يعقدها رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع بعض المسؤولين في الداخل والخارج من أجل التمديد له»، مؤكدا أن الرئيس سليمان «لا يريد التمديد ولا التجديد»، معتبرا أن «الهدف من إثارة هذا الكلام في الصحف إبعاد المشكلة عن الفراغ الحاصل لجهة تشكيل الحكومة وليس الهدف منه التمديد». وأشار الخوري إلى أنه «لو كان الرئيس سليمان يريد التمديد فهو يعرف كيف يحصل على ذلك، وهو يعلم أيضا أن التمديد يضعفه شعبيا كما حصل مع الرؤساء الذين مددت ولايتهم».
وكان سليمان انتقد مشاركة حزب الله في القتال بسوريا، مما جعل إمكانيات الموافقة على التمديد له، لو كانت واقعية، شبه معدومة. ويبرر هذا التوجه ما أبلغته مصادر مقربة من حزب الله لـ«الشرق الأوسط»، بأن مطالب سليمان على غرار إعلان انسحاب مقاتليه من سوريا أو الالتزام بـ«إعلان بعبدا»، هي مطالب «تعجيزية»، مشيرة إلى توجه لدى فرقاء قوى 14 آذار «لعدم إنتاج سلطة يشارك فيها حزب الله، الذي يواجه بطروحات يراها تعجيزية»، فضلا عن اتهام هذه القوى «برغبتها في تعطيل الحياة السياسية».
وكان سليمان أكد في خطاب الاستقلال، أواخر الشهر الماضي، أنه «لا يمكن أن تقوم دولة الاستقلال، إذا ما قررت أطراف أو جماعات لبنانية بعينها الاستقلال عن منطق الدولة، أو إذا ما ارتضت الخروج عن التوافق الوطني، باتخاذ قرارات تسمح بتخطي الحدود والانخراط في نزاع مسلح على أرض دولة شقيقة، وتعريض الوحدة الوطنية والسلم الأهلي نفسه للخطر».
«14 آذار» تصر على إجراء الانتخابات الرئاسية.. وسليمان يرفض البقاء في موقعه
«14 آذار» تصر على إجراء الانتخابات الرئاسية.. وسليمان يرفض البقاء في موقعه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة