عمران لم يعد فيها سوى أربعة في المائة من السكان

{الشرق الأوسط} تجول على القرى المحيطة بها

صورتان للطريق المؤدي إلى عمران ({الشرق الأوسط})
صورتان للطريق المؤدي إلى عمران ({الشرق الأوسط})
TT

عمران لم يعد فيها سوى أربعة في المائة من السكان

صورتان للطريق المؤدي إلى عمران ({الشرق الأوسط})
صورتان للطريق المؤدي إلى عمران ({الشرق الأوسط})

على بعد نحو 50 كيلومترا في طريق جبلي شبه مستوٍ ومعظمه متعرج، تقع مدينة عمران، عاصمة محافظة عمران التي تنقسم، قبليا، إلى «حاشد» و«بكيل»، وأغلبها من قبائل «حاشد» التي يتزعمها الشيخ صادق بن عبد الله بن حسين الأحمر وبقية أشقائه. هذه المدينة، التي أصبحت بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990، بين شطري البلاد الشمالي والجنوبي، عاصمة لمحافظة عمران التي أنشئت على حساب أجزاء (مديريات) من محافظتي حجة وصنعاء، شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية، محاولات حوثية للسيطرة عليها، غير أن الأسبوع المنصرم كان حاسما؛ حيث حشد «المتمردون» الحوثيون قواتهم وتوجهوا نحو عمران، وفعلا، تمكنوا من السيطرة وإحكام القبضة عليها.
وفي الطريق إلى عمران من صنعاء، تبدو الأوضاع هادئة، وكأنه لا توجد حرب واستيلاء على أقرب المدن إلى العاصمة، فكل المدن والقرى نائمة بعد الفجر ولا تعزيزات عسكرية في الطريق باستثناء النقاط الرسمية؛ ومنها «نقطة الأزرقين» و«نقطة المفرق» التي تقود، يمينا، إلى منطقة «ذيفان» وهي النقطة العسكرية التي وجدت فيها «الشرق الأوسط»، ثم إلى النقطة التالية المطلة على مدينة عمران، وعندما تزور هذه المناطق يلتقيك المواطنون وبكل ترحاب ومحبة وبأدب جم، يحذرونك من الدخول إلى مدينة عمران التي يطلقون عليها، في الوقت الراهن «مدينة الأشباح»؛ حيث يقول المواطنون إن بإمكانك أن تدخل مدينة عمران، ولن تجد سوى الدمار أمامك، مؤسسات الدولة المنهوبة، انتشار مسلحين حوثيين على بعد النظر بينك وبينهم وقناصة يعتلون الجبال، ولكن إن تمكنت من الدخول إلى عمران، فلا يمكنك الخروج منها إطلاقا؛ حيث لا يسمح بالدخول سوى لوسائل الإعلام التابعة للحوثي، سواء قنوات التلفزة أو الصحف والمواقع الإلكترونية.
والشيء الأهم، الذي تأكدت منه «الشرق الأوسط»، أن مدينة عمران عاصمة المحافظة المستحدثة التي كانت تحوي أكثر من 120 ألف نسمة، لم يعد بها سوى ما يزيد أو يقل عن خمسة آلاف نسمة فقط ممن آثروا البقاء في مساكنهم والمغامرة لمصير يعرفونه ويسمعون عنه جيدا، وهو التنكيل والنهب والسلب من قبل جماعات التمرد الحوثي التي أقبلت إلى عمران من محافظة صعدة، المعقل الرئيس لجماعة التمرد الحوثية بزعامة عبد الملك الحوثي، وينتقد المواطنون الذين قابلتهم «الشرق الأوسط» أسلوب الحوثيين في فرض طقوس دينية في مناطقهم، تتعارض مع المذهب الزيدي الذي ينتمي إليه معظم أبناء المنطقة، وهي طقوس شيعية اثني عشرية. ويقول المواطن «ع. أ» من مديرية ضروان، الذي رفض الكشف عن هويته، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مخاوف الناس في المنطقة ليست بسبب دخول الحوثيين إلى مناطقهم، ولكن بسبب أنهم سوف يغيّرون لهم دينهم، وسوف يأمرونهم بأشياء لا يقدرون عليها، كالثلث والخمس (الجباية) التي ليس للناس قدرة عليها»، ويضيف هذا المواطن أن «الحوثيين يمنعون المواطنين في المناطق التي تحت سيطرتهم من إقامة صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، وإنهم (الحوثيون) يقولون إنهم يفرضون الأمن والأمان، ولكننا لم نجربهم، ولا نعرف ماذا يفعلون تحديدا، وإنما عرفنا أنهم يفجرون دور تحفيظ القران الكريم، والمنازل، ويستهدفون قيادات حزب الإصلاح الإسلامي، وأي شخص يعارضهم، ولا يحبون الخلاف في الرأي إطلاقا».
وخلال زيارة وجولة «الشرق الأوسط» في محافظة عمران، يشهد المرء قرى نائمة فوق صفيح ساخن؛ مواطنين مسلحين بين مؤيد ومعارض لوجود الحوثيين. لكن «ع. أ» يؤكد أن «غالبية الناس الذين يعلنون تأييدهم لجماعة الحوثي هم من أتباع وأنصار حزب المؤتمر الشعبي العام (الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح)».
ويقول الضابط الستيني (العم حسين) في نقطة ضروان لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحوثيين يمنيون، ومن أتى بهم إلى المنطقة هو الشيخ حميد الأحمر (أحد زعماء حاشد)، وحتى شعار الحوثيين (الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل)، هو كذب وليس حقيقة، وهذا الصراع جنوني بين كل الأطراف».
إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية وقبلية في العاصمة صنعاء أن هناك لجنة وساطة قبلية بين الحكومة اليمنية وبين المتمردين الحوثيين الذين استولوا على محافظة عمران في شمال العاصمة صنعاء، وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس عبد ربه منصور هادي والقيادة السياسية والعسكرية اليمنية، وهذه اللجنة تتكون من عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والقبلية البارزة في صنعاء، من أجل إنهاء النزاع القائم في محافظة عمران، بعد استيلاء الحوثيين على المحافظة.
وقالت المصادر الخاصة إن لجنة الوساطة طرحت ثلاث نقاط رئيسة، أبرزها وأهمها انسحاب ميليشيا الحوثيين المسلحة من مدينة عمران وإخلاء المؤسسات الحكومية التي جرى الاستيلاء عليها، وأيضا، مغادرة الجماعات المسلحة التي قدمت من محافظة صعدة إلى محافظة عمران بصورة عاجلة، وإعادة كل المنهوبات من مؤسسات الدولة والعتاد العسكري الذي نهب من معسكرات القوات الخاصة والشرطة العسكرية ومعسكر اللواء «310 - مدرع» الذي اجتاحه الحوثيون وقتلوا ونكلوا بقادته وضباطه.
وخلال الساعات القليلة الماضية، أعلن الحوثيون استعدادهم للانسحاب من مدينة عمران وليس المحافظة، مقابل أن لا يجري وضعهم في قائمة «المنظمات الإرهابية»، على المستوى المحلي أو الدولي.
وبات في حكم المؤكد مقتل العميد الركن حميد القشيبي، قائد اللواء «310» بيد الحوثيين بعد القبض عليه حيا؛ حيث تقول المصادر إنه جرت تصفيته على أيدي بعض قادة الحوثيين الميدانيين انتقاما لمشاركته في الحروب السابقة ضد الحوثيين في محافظة صعدة منذ العام 2004، وللعلاقة الوطيدة التي تربطه باللواء علي محسن الأحمر، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن، القائد السابق للفرقة الأولى مدرع، الذي كان القائد الفعلي في الحروب الست السابقة التي خاضها الجيش اليمني ضد الحوثيين في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أن رئاسة الجمهورية أو وزارة الدفاع اليمنية لم تعلن رسميا عن مقتل القائد العسكري البارز، حتى تلك اللحظة.
وخلال زيارة «الشرق الأوسط» للمناطق المشارفة على مدينة عمران، يجد المرء حركة النزوح ما زالت مستمرة ومتواصلة للمواطنين من عمران باتجاه العاصمة صنعاء، وحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف مليون يمني تضرروا من الحرب الضروس في عمران بين الحوثيين والجيش والقبائل، ويعتقد المراقبون أن المبررات التي ساقها الحوثيون لاقتحام عمران «واهية» ولا تستند إلى وقائع على الأرض؛ حيث يقولون إن هناك جماعات تكفيرية مسلحة تنتشر في عمران، لكن، ومن خلال بيانات الإدانة التي صدرت عن الحكومة اليمنية والمنظمات والجهات الإقليمية والدولية النافذة، فإن المطلب الوحيد هو انسحاب هذه الجماعة المسلحة من عمران وعودة مقاتليها إلى محافظة صعدة؛ المعقل الرئيس للحوثيين.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.