خطة لاستعادة أموال السوريين من الخارج

تغري كبار «مكتنزي العملة الصعبة» بـ«شهادات الإيداع»

TT

خطة لاستعادة أموال السوريين من الخارج

في محاولة من حكومة الأسد استعادة أموال السوريين من الخارج، أعلن في دمشق عن خطة تتضمن إصدار «شهادات إيداع بالعملات الأجنبية في المصارف العاملة بعوائد تنافسية». وقد صادقت حكومة النظام على إصدار شهادات إيداع بالقطع الأجنبي نقدا من قبل المصرف المركزي بسعر فائدة أولي عند 4.5 في المائة للإصدار الأول. وأي «شخص داخل سوريا أو خارجها يمكنه إيداع أمواله من خلال شراء شهادات الإيداع». حسب ما أوضحه مسؤولون في الحكومة لوسائل الإعلام المحلية.
وأكد مجلس الوزراء السوري في بيان رسمي نشر على حسابه بموقع «فيسبوك» أن الإقبال على الإيداع بالعملات الأجنبية سيحدد درجة الفائدة. وطلب المصرف المركزي ممن وصفهم بأنهم «يكتنزون أوراقا نقدية معرضة للمخاطر لوجودها خارج النظام المصرفي أو المتعاملين الموجودين في الخارج»، إعادة الرساميل الموجودة لديهم لأن «سوريا استعادت عافيتها». وذلك «لحمايتها من أي مخاطر أو رغبة منهم باستثمارها في سوريا». ونفى المصرف المركزي وجود أي مشكلات في توفر السيولة لديه، حيث أكد البيان «وجود سيولة كبيرة لدى المصارف المحلية بالعملة السورية والأجنبية». وتعهد المركزي بأن التعامل سيكون «ضمن أجواء مصرفية مختلفة تماما عما كان في الماضي»، وخاصة المتعاملين الذين «لديهم اكتناز كبير من العملة الأجنبية» حيث ستكون الإجراءات «مبسطة وفتح الحسابات والتعامل بالعملة الأجنبية، يتم أسوة بباقي الدول».
المفارقة أن إعلان الحكومة عن خطة لجذب أموال المستثمرين السوريين من الخارج، جاءت بعد أيام على تداول واسع لتسريبات عن اجتماع أمني برئاسة مدير المخابرات الجوية جميل حسن عقد بتاريخ 27 يوليو (تموز) الماضي حضره 33 ضابطا، شرح فيه الرؤية المستقبلية للمرحلة القادمة وتطبيق خططها وفق «القيادة العليا للدولة»، وكشف التسريب عن قول جميل حسن إن هناك «أكثر من 150 ألف ملف أمني لأثرياء ورجال أعمال سوريين» ممن دعموا المعارضة، سيجري التعامل معهم ريثما يتم سحب أموالهم بشكل كامل «لإعادة إعمار ما قاموا بتخريبه».
يشار إلى أنه في الوقت الذي أعلن فيها المصرف المركزي عن عزمه على إصدار شهادات إيداع بالقطع الأجنبي، أجرى التلفزيون الرسمي مقابلة مع حاكم المصرف دريد درغام، أكد فيها أن أي شخص يمتلك ملايين الدولارات ويريد العودة إلى سوريا يستطيع إدخالها وفق الأنظمة والقوانين، بالتنسيق مع شركات متخصصة بنقل الأموال الكاش ثم يختار الأنسب، من حيث وضعها في حساب شخصي أو الاحتفاظ بها معه. وأوضح درغام في حوار تلفزيوني، أن «حيازة الدولار مسموحة» ولكن «عندما يريد المواطن أن يشتري يجب أن يدفع بالليرة السورية».
وحاول حاكم المصرف طمأنة السوريين بأن من يريد إيداع مبالغ تصل إلى 15 مليون ليرة سوريا في المصارف (نحو عشرة آلاف دولار) «لن يتعرض لسؤال من أين لك هذا؟» وستعتبر مدخرات شخصية، أما المبالغ التي تجاوز هذا الحد فيُطلب تصريح بالمصدر.
وخلال السنوات الأخيرة كانت المصارف العاملة في سوريا ملزمة بالتحقيق مع المودعين والمتلقين للحوالات من الخارج، عن مصدر الأموال أيا كانت قيمتها، كما تلتزم المصارف بتسليم الأجهزة الأمنية قوائم بأسماء متسلمي هذه الحوالات.
وأوضح حاكم المصرف المركزي في حديثه التلفزيوني أن الحوالات التي تقل عن 5000 دولار يتسلمها المستفيد بالليرة السورية حصرا، أما التي تزيد قيمتها على هذا المبلغ فبإمكان المستفيد منها إيداعها في المصرف بالدولار الأميركي.
يشار إلى أن غالبية السوريين في الداخل يعتمدون في معيشتهم على المساعدات المالية التي تحول إليهم من أقاربهم في الخارج ولا تتجاوز الخمسمائة دولار، يفضلون أن تصلهم بطرق ملتوية وطويلة، على أن تصلهم عن طريق المصارف الحكومية لمحاذير كثيرة، أهمها الأسباب الأمنية وضرورة التصريح عن المصدر، وثانيا تحويلها إلى الليرة وخسارة جزء من قيمتها.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.