ادلف إلى الغرفة المظلمة: ظل وضوء ثم عتمة تدريجية تطوف حول الغرفة بينما يدور القمر في وسطها. وفي دورانه يتحول القمر من الضوء الكامل إلى الظلام وكل هذا عن طريق القماش فقط. يأخذنا عمل فيصل بغريش {نصف ما تراه} (2010) بين الضوء والظلام، ولكننا لا نحاول التحاور معهما، إننا ببساطة ننظر إليهما. يتساءل بغريش هنا عما نعرفه وما نعتقده. وفي رسمه النابع من ازدواجية نشأته وإبحاره بين الثقافتين العربية والغربية، يتساءل بغريش عن المعرفة، إذ يمزج الواقع القاسي بالخيال بدلا من التركيز على الهوية. والوجود بين الظلام ودورات الضوء مغر ومريح وملهم ويوحي بالدهشة والإعجاب. والمشاهد في الكون وكل شيء آمن.
يعرض {قاعات المزاييك} في وسط لندن طوال شهر يونيو (حزيران) {فضاء متداخل: من الألفة إلى العالم} أعمال لستة فنانين من أصل جزائري نفذوها في الوطن أو المغترب. وتتنوع الأعمال من الصوت إلى الفيديو والنقش والنحت والتركيبات، وتبحث كل قطعة معنى البيئة المحيطة بها في أشكال عدة. ويشمل ذلك الحكايات الشخصية مثل أعمال حنان بن عمار الصوتية التي تقوم على أساس أشياء لها دلالات خاصة بالنسبة لها. إضافة إلى القصص الشعبية لمسنيسة سليماني التي تتناول الجزء المزدحم من وسط مدينة {ديار ايخمس}. لكن الأعمال التي تعبر عن بواطن التاريخ والتي شكلت صورة المدن الجزائرية صنعت أكثر علاقات مثيرة بين المكان والتجربة. فيديو عاطف بيرجم من قناتين. ويمكن النظر إلى الشارع عبر شاشتين إحداهما من كاميرا فيديو عالية الوضوح والأخرى عن طريق كاميرا هاتف جوال. والفرق الوحيد هو عرض إطار الصورة ومستوى الضوء في بعض اللقطات واهتزاز الصور عن طريق كاميرا الهاتف الجوال - جالبة لنا الإنسانية من وراء تلك الصور الجامدة. نحدق فيما وراء أطباق الفضائيات المعلقة على المباني، وفي السيارات العابرة في الشارع، كسائر الشوارع في منطقة الشرق الأوسط حيث خرج الناس محتجين خلال السنوات الأخيرة. ويوفر الهدوء في هذا الشارع الصغير نظرة إلى علاقة الزمان والمكان، بين المظاهرات التي تجري في شوارع المنطقة العربية والهدوء النسبي لهذا الشارع الآن والثورة الجزائرية التي اندلعت قبل نصف قرن في الشوارع أيضا. تستمر السيارات في عبور الطريق وكل ما نسمعه هو الرياح التي تهب بجانب الكاميرا وأبواق السيارات من وقت لآخر، وصوت موسيقى أحيانا ينبعث من راديو.
عمل أمينة منيا لمعلمة تاريخية تقع في قلب مدينة الجزائر {نصب تذكاري للأموات}، وهو إضافة إلى بحثها المتواصل (منذ 2009) عن المنحوتات الجنائزية في الجزائر. ويتميز هذا العمل بالذات بقصة فريدة وخلابة حيث إنه يتميز بقصة مزدوجة. نحته الفرنسي - البولندي بول لاندوسكي عام 1922 وافتتحته السلطات الفرنسية، وهو يحيي ذكرى الشهداء الجزائريين، والفرنسيين. وبعد خمسين عاما كلف عمدة مدينة الجزائر الفنان الحديث المشهور محمد إسياخم بالقيام بعمل يغير الوجود الاستعماري الواضح في المعلمة. وقرر محمد إسياخم تغطية النصب بطبقة من الخرسانة مع نحت بارز (ريليف) في الجزء الأسفل وقبضة يد تخرج من الخلف. وبدلا من هدم النصب أضاف إسياخم إليه ومدّ التاريخ الذي يحكيه وسماه في النهاية نصب الشهداء. ويخلق تتبع منيا لهذه القصة الجذابة علاقة تاريخية ملموسة ومثيرة للجدل. وتسلط منيا الضوء على أسلوب متجانس تجاوبت به هذه الفنانة مع التاريخ بعمل يضفي إليه قوة، وكسته بمسحة من الحنين إلى البطولة.
وتمثل نظرة منيا إلى هذه المعالم المختلفة في الجزائر تخطيطا مثيرا للتاريخ من خلال النداءات الديمغوغية قبل وبعد فترة الاستعمار وأثرها في الفضاء العام والإدراك الجماعي.
Enclosed #0، عنوان هذه القطعة، قد يوحي بوجود المزيد حول هذه القصة.
كمعرض يركز على الجانب الوطني فغرضه ينبع من الداخل إلى الخارج إلى نقطة يلتقي فيها الجانبان. وأضفى تضمين الروايات التاريخية والعوالم المجردة إلى المعرض نوع من الألفة التي تمكن المشاهد من الارتباط بالقصص المتعددة عن الجزائر مع ميزة البعد. بصفة عامة فإن الأفكار معلقة أكثر من كونها دعاوى تشدد على {الأمة} و{الجنسية} و{التراث} وهي نقاط ذاتية للغاية.
فضاءات متدخلة هو المعرض الأول لفنانين جزائريين معاصرين، وعرف أيضا باسم {إقامة فنان في مدينة الجزائر}، وهناك وعد بأن نرى المزيد من الأعمال الفنية من هذا البلد في شمال أفريقيا ليس في لندن فحسب بل على مستوى عالمي أكثر.
أعمال لستة فنانين من أصل جزائري في {قاعات المزاييك} بلندن
فضاء متداخل: من الألفة إلى العالم
أعمال لستة فنانين من أصل جزائري في {قاعات المزاييك} بلندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة