سيرة ذاتية منكوبة تبحث عن هوية ضائعة

«ناسك في باريس» لإيتالو كالفينو في ترجمة عربية

كالفينو
كالفينو
TT

سيرة ذاتية منكوبة تبحث عن هوية ضائعة

كالفينو
كالفينو

صدر عن «دار أثر للنشر والتوزيع» بالدمام كتاب «ناسك في باريس» لإيتالو كالفينو، ترجمة دلال نصر الله، وهو كتاب يندرج في إطار السيرة الذاتية، وأدب الرحلات، وما يمكن أن يطلق عليه «السيرة المكانية». وبما أن كالفينو لم يقسِّم كتابه إلى أبواب أو فصول فحري بنا أن نسمّيها نصوصاً متنوعة جمعت بين السيرة الذاتية، والمقالة، والحوار وبلغت عشرين نصاً إضافة إلى مقدمتين مُقتضبتين، الأولى بقلم المترجمة دلال نصر الله، والثانية بقلم إستر كالفينو، وثبْت بثلاثة وعشرين كتاباً من كتب كالفينو يبدأ بـ«الطريق إلى بيوت العناكب» وينتهي بـ«ناسك في باريس».
وقبل الخوض في تفاصيل هذه النصوص لا بد من الإشارة إلى أن كالفينو يعتمد في سرد الوقائع والأحداث على ذاكرته الشخصية، ولا يعود إلى الكتب والمراجع كما يفعل غالبية الكُتّاب. ولو دققنا في مصادر إلهامه لوجدناها في الخلطة السحرية التي تجمع بين الواقع والخيال والأسطورة التي تقدّم نوعاً من الكتابة الجديدة التي تحتاج بالضرورة إلى قارئ نوعي مختلف.
لا تبدو هذه النصوص متواشجة، فهي تتحدث عن موضوعات شتى تتوزع بين حياة الكاتب الشخصية، وظروف نشأته، ومراحل دراسته، وآرائه الفكرية والثقافية والسياسية، وطقوسه في الكتابة، ومعاينة الذات المبدعة. ولكي لا نشوّش على قارئ هذه السيرة الذاتية يجب علينا أن نعتمد التسلسل الزمني لحياة كالفينو بدءاً من طفولته، مروراً بصباه وشبابه، وانتهاءً برحيله عن عمر ناهز الحادية والستين عاماً.
وُلد إيتالو كالفينو في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1923 في سانتياغو دي لاس فيغاس بكوبا. وكان والده خبيراً زراعياً، ومديراً في معهد الزراعة التجريبية، وهو في الأصل ليغوري من سان ريمو، وأمه عالمة نبات من سردينيا. لم يتذكر كالفينو شيئاً من كوبا لأن أسرته غادرتها بعد عامين من ولادته. كان أفراد الأسرة برمتهم علماء وأساتذة جامعة، باستثناء كالفينو الذي ترك كلية الزراعة والتحق بكلية الآداب في تورين ليصبح واحداً من عمالقة الأدب الإيطالي في القرن العشرين.
لم تمنع قراءات كالفينو الواسعة من الاستعانة بالشاعر والروائي تشيزراي بافيزي الذي كان يقرأ قصصه ورواياته الأولى، ويساهم في تقويمها ونشرها، بل علّمه كيف يشاهد تورين من خلال التجوال في شوارعها، والاستمتاع بطبيعتها الساحرة التي تخلب الألباب. فلا غرابة أن يرى في بافيزي أفضل روائي إيطالي آنذاك، لكن تلك الأفضلية لم تمنعه من الإعجاب بكُتّاب آخرين أمثال إليو فيتوريني، وكارلو ليفي، وكاسّولا، وبازوليني من إيطاليا، وإرنست همنغواي وإدغار ألن بو من أميركا، وكثير غيرهم من بلدان أخرى.
انتمى كالفينو إلى الحزب الشيوعي الإيطالي مثل الكثير من الأدباء والفنانين الإيطاليين، وأمضى فيه قرابة اثنتي عشرة سنة مُقارعاً الفاشية، والنازية، والحروب، والأفكار العنصرية، لكنه سوف يكتشف لاحقاً أن السياسة باتت محل سخرية واستهزاء أفضل الناس من حوله؛ لأنها مجال فاسد عليه أن يتجنبه، ويبحث عن قيم أخرى في الحياة، مثل القيم الأدبية والفنية.
ما يهمنا في هذه السيرة هو الجانب الأدبي الذي يسلّط الضوء على قصص كالفينو ورواياته، وأبحاثه، ودراساته النقدية. وقد أظهر كالفينو اهتماماً مبكراً برموز المدارس النقدية الفرنسية، مثل رولان بارت وجاك ديريدا؛ الأمر الذي دمغ سردياته بمسحة فلسفية عميقة في مجمل إبداعاته، وبخاصة في ثلاثيته الشهيرة التي انضوت تحت عنوان «أسلافنا» وتضمنت ثلاث روايات وهي «الفيكونت المشطور»، و«البارون فوق الأشجار» و«الفارس الخفيّ».
قبل الثلاثية كتب كالفينو الكثير من القصص ورواية واحدة خلال عشرين يوماً، وهي رواية «الطريق إلى بيوت العناكب» 1946 التي نالت في وقتها نصيباً من النجاح. وبما أنه لا يحب أن يكرر نفسه فقد احتشدت قصصه ورواياته بموضوعات متنوعة عن الاستلاب، والانشطار، والعالم الصناعي الغربي. ففي الثلاثية نرى «الفيكونت المشطور» مُستلَباً، ومُتشظياً في عصر الرأسمالية الجديدة، وكوزيمو في «البارون فوق الأشجار» يعيش مبتعداً عن الأرض، حيث يرى العالم بشكل أفضل. أما رواية «فارس بلا وجود» فهي تجسِّد رحلة البحث عن الذات أو الهُوية الضائعة لغالبية أبطاله الذين ينبثقون من الوهم والخيال والخرافات القابعة في أعماق التاريخ.
أنجز كالفينو كتاب «حكايات شعبية إيطالية» عام 1956 وقد استغرقه البحث سنتين متتاليتين، لكنه سرعان ما هجر البحث ليكرّس نفسه للكتابة الإبداعية التي يعتبرها عملاً شاقاً وممتعاً لكنها تحتاج إلى عناية مركّزة سوف تنعكس على اللغة المتفجرة، والتيمة الذكية، والمقاربة الأسلوبية الحصيفة. ومثلما هجر السياسة والبحث سيتخلى كالفينو عن الصحافة أيضاً ليتفرغ لكتابة النصوص الإبداعية فقط فكتب في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي «ماركو فالدو»، «قلعة المصائر المتقاطعة»، «مدن لا مرئية» و«لو أن مسافراً ذات شتاء» التي بلغ بها إلى نموذج «النصّ الفائق».
تشكِّل «مُذكرات أميركية 1959 - 1960» أكثر من ثلث الكتاب، وهي سياحة بصرية وذهنية وثقافية في عدد من الولايات الأميركية من بينها نيويورك، شيكاغو، سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، لوس أنجليس، لاس فيغاس، نيو مكسيكو، وغيرها من الولايات التي رآها وتمَثّلها جيداً وكتب عن الكثير من ظواهرها مثل «جيل البيتْنِكس» الذين وجهوا دعوة لآرابال، واستمعوا إلى قراءاته الشعرية. كما رصدَ تأثير اليهود في عموم الولايات المتحدة الأميركية، حيث يسيطرون بنسبة 70 في المائة على دور النشر، و90 في المائة على المسارح، والبنوك كلها لليهود، وكذلك الجامعات، وصناعة الملابس وما إلى ذلك. لقد شاهد كالفينو في هذه الرحلة التلفاز الملون، والحواسيب التي دُعي إلى مقراتها الرئيسية، واستمع إلى شروحات مفصّلة عن كيفية عملها، وأساليب تطويرها آنذاك. كما زار وول ستريت، وانتبه إلى سياسة ترويج عبادة المال المتأصلة في المجتمع الأميركي. كما سجّل ملحوظات سلبية وإيجابية عن المدن الأميركية، وهو ينصح الزائر بأن يتجول بالسيارة عندها سيكتشف أن 95 في المائة من الأمكنة في أميركا هي أمكنة «قبح، وقمع، وتشابه، وملل قاتل». ويمضي في رصده ليصف سان فرانسيسكو بالمدينة الأميركية الوحيدة التي تمتلك شخصية أوروبية، ولاس فيغاس بمدينة القِمار، ونيو مكسيسكو بمدينة الفقر والسكارى والمتسولين، أما نيويورك فهي المدينة الوحيدة التي يفكر بالإقامة فيها لأنها مدينة بلا جذور، ولا يخافها كثيراً.
إن كتب الرحلات بسيطة، ومفيدة، وهي نوع آمن من الكتابة كما يقول كالفينو لأنها لا تحتاج إلى تقنيات وأساليب معقدة، لكنها يمكن أن تذهب إلى ما وراء الأماكن والظواهر الموصوفة. لم يكن لكالفينو أن يحقق كل هذا النجاح لولا مؤازرة أصدقائه من الكُتاب والروائيين وعلى رأسهم بافيزي وناتاليا غينسبيرغ وفيتوريني الذي استحدث تعبيري «الواقع بنكهة خيالية» و«الخيال بنكهة واقعية» اللذين مهّدا الطريق لإعادة صياغة التيمات القديمة بأساليب ومقاربات جديدة.
لم يكتب كالفينو عن بعض المدن التي عاش فيها أو زارها مثل تورين وباريس، وربما كان عليه أن يغادرها ليتمكن من الكتابة عنها، فأفضل الكتابات تتحقق حينما تكون نابعة من الفقد والغياب.
نخلص إلى القول بأن نجاح هذه السيرة الذاتية يعود إلى عوامل متعددة، أبرزها مصداقية الكاتب، وتواضعه، وخلوّ كتاباته من نبرة الغرور أو التعالي على المتلقّين الذين يحتفون بفعل القراءة الجادة التي توازي النص النوعي المتفرّد.



اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
TT

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)

في أعالي إحدى الغابات المطيرة في أميركا الجنوبية، أذهل نوع جديد من النمل الأبيض صغير الحجم فريقاً من العلماء الدوليين بملامحه التي تُشبه ملامح الحيتان.

ووفق الفريق البحثي الذي قاده عالم من جامعة فلوريدا الأميركية، يشبه هذا النوع الجديد من النمل الأبيض حوت العنبر الشهير في رواية هيرمان ملفيل الكلاسيكية «موبي ديك»، ومن هنا جاء اسمه: «كريبتوترمس موبيديكي».

وحسب الدراسة المنشورة في مجلة «زوكيز» (ZooKeys)، يتميّز هذا النوع برأس طويل وفكوك سفليّة مخفيّة.

وقال رودولف شيفران، أستاذ علم الحشرات في معهد جامعة فلوريدا لعلوم الأغذية والزراعة المتخصص في تصنيف الكائنات الحية: «هذا النمل الأبيض لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل». وأضاف في بيان نُشر الجمعة: «كانت العيّنة مميزة إلى حدٍّ دفع فريق علماء الحشرات الدوليين إلى الاعتقاد بأنهم أمام جنس جديد تماماً».

كيف حصل هذا النوع على اسمه؟

قال شيفران: «يشبه المنظر الجانبي للبروز الأمامي ورأسه الممدود رأسَ حوت العنبر، وفي كلا الكائنين يحجب الرأس الفك السفلي».

وأوضح: «تقع عين الحوت وقرون استشعار النمل الأبيض في موقع متقارب وفق تكوين كل منهما. وبعد أن لاحظتُ هذا التشابه، رأى زملائي أن الاسم مناسب بشكل لافت».

يُضيف هذا الاكتشاف نوعاً جديداً إلى قائمة نمل «كريبتوترمس» في أميركا الجنوبية، ليصل عدد أنواع هذا النمل إلى 16 نوعاً. ويُظهر تحليل شجرة العائلة الجينية أن «كريبتوترمس موبيديكي» وثيق الصلة بأنواع أخرى في المناطق الاستوائية الجديدة، موجودة في كولومبيا، وترينيداد، وجمهورية الدومينيكان، مما يمنح العلماء دليلاً جديداً على القصة التطورية لهذا الجنس المنتشر عالمياً على مساحة واسعة من الأرض.

ووجد الباحثون المستعمرة المكتشفة داخل شجرة شبه ميتة، على ارتفاع نحو 8 أمتار من أرضية الغابة.

ووفق نتائج الدراسة، يُبرز تشريح هذا النوع الجديد وغير المعتاد مدى تنوّع تطوّر النمل الأبيض، والمفاجآت التي لا تزال تخبئها النظم البيئية الاستوائية.

وقال شيفران: «يُبرز اكتشاف هذا النوع الجديد والمميّز، العدد الهائل من الكائنات الحية التي لم تُكتشف بعد على كوكبنا».

ويُعدّ هذا الاكتشاف، بالنسبة للعلماء، انتصاراً للتنوّع البيولوجي؛ إذ يضيف كل نوع جديد إلى الفهم العلمي للحياة على الأرض، خصوصاً في مجموعة صغيرة نسبياً مثل النمل الأبيض، التي لا يتجاوز عدد أنواعها 3 آلاف نوع حول العالم.


محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
TT

محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)

منح فنان العرب محمد عبده، الجمعة، شتاء العاصمة السعودية الرياض الدفء، في ليلة طربية ساحرة امتدَّت حتى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت، وسط حضور جماهيري كبير من محبيه وعشّاقه من السعودية والعالم العربي.

واكتظَّ المسرح الذي يحمل اسمه في المجمع الترفيهي «بوليفارد سيتي» في حيّ حطين بالرياض بالحضور، في حين تابع آلاف المشاهدين الحفل عبر نقله المباشر على قنوات فضائية ومنصات رقمية.

وفي ثاني حفلاته بـ«موسم الرياض» 2025، وبجلسة شعبية طال انتظارها بعد أيام من التمارين والتحضيرات وساعات من الإبداع، التي تقدّمها الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، وبإشراف مباشر من ‏رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبتنظيم من «روتانا»، قدَّم محمد عبده لعشّاق الفن الأصيل أمسية استثنائية بعنوان «جلسة شعبيات فنان العرب»، استعرض فيها على العود عدداً من الاختيارات التي نالت إعجاب الحضور، وسط إشادات متواصلة بنوعية الأغنيات المُختارة نظير ندرة طرح عدد منها مسرحيّاً، أو استحضار بعضها بعد سنوات من المرة الأخيرة التي قدّمها.

محمد عبده يطلّ بسهرة مختلفة تُعيد جمهور الرياض إلى بداياته (روتانا)

وأضيفت هذه الأمسية إلى مسيرة محمد عبده العريقة الممتدة لأكثر من 5 عقود، مزج فيها بين الإحساس العالي وروعة الألحان والأداء المميّز الذي أسر قلوب الملايين، وسط حضور متناغم مع الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو هاني فرحات.

«أهلاً هلا بك يا دَوى كل علّه» مروراً بـ«يا حبيب الروح» التي يؤديها الفنان السعودي الكبير للمرة الأولى على المسرح، و«أوحشتنا يا حبيب» قبل «لي 3 أيام ما جاني خبر»، ثم «أنا وخلي كل دار وطنّا»، إلى «كنت مانيب ناوي أقرب الحب لله»، وغيرها من الخيارات النادرة والاستثنائية، عاش جمهور «فنان العرب» ليلة لا تُنسى في الرياض، وخلف الشاشات.

وامتدَّت الأمسية نحو 4 ساعات، استمرَّ خلالها الفنان في نثر إبداعاته وسط استمتاع الحضور، ثم تخلّلته استراحة امتدت نحو نصف ساعة، قبل أن يعاود عبده الوصلة الثانية من الخيارات الفنية الشعبية التي انتظرها الحضور الكبير، ويختمها بأداء الأغنية الوطنية الخالدة «فوق هام السحب» من كلمات الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن وألحان «فنان العرب».

الفنان محمد عبده والمايسترو هاني فرحات في ختام الأمسية (روتانا)

وجاءت هذه الأمسية إثر الإقبال الكبير الذي شهده حفل «فنان العرب» ضمن «موسم الرياض» في 28 من الشهر الماضي، بعد نفاد التذاكر في وقت مبكر جداً من موعد الحفل، ليعلن رئيس «الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، عن تنظيم حفل جديد للفنان محمد عبده، الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول)، وذلك عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»، حيث نشر بوستر الحفل وعلّق: «عشانكم».

ويواصل الموسم الترفيهي الأضخم إقليمياً وعالمياً «موسم الرياض 2025»، الذي بات إحدى أهم المنصّات الفنية في العالم، تنظيم الحفلات الغنائية ضمن سلسلة من الفعاليات الموسيقية الكبرى.

ومن المقرّر أن يطلّ عبده مجدّداً على جمهوره، في 18 ديسمبر، على خشبة مسرح «صدى الوادي» في موسم الدرعية.


«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)

يواصل مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في دورته الـ5 ترميم أفلام مصرية قديمة وإعادتها إلى الحياة بنسخ جديدة صالحة للعرض وفق أحدث التقنيات. وفي إطار الاحتفال بمرور 50 عاماً على رحيل سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، اختار المهرجان ترميم فيلمَين من بطولتها، هما «نشيد الأمل» (1937) و«عايدة» (1942)، وكلاهما من إخراج أحمد بدرخان.

وعرض المهرجان، الجمعة، فيلم «نشيد الأمل» في «متحف طارق عبد الحكيم» بالحديقة الثقافية في منطقة جدة التاريخية، في حين قُدّم فيلم «عايدة» في مدينة الثقافة، بعد ترميمهما ضمن اتفاقية بين المهرجان ومدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، وبمشاركة قناة «إيه آر تي» المالكة لحقوق الفيلمَين.

وقدّمت مريم عبد الله، عضو لجنة اختيار الأفلام العربية في المهرجان، فيلم «عايدة»، مشيرة إلى أن «مهرجان البحر الأحمر دأب في كل دورة على ترميم أفلام مصرية عدّة لتُعرَض للمرة الأولى بنسخ مُرمَّمة بتقنية (4 k) عالية الجودة عبر الشاشة الكبيرة، وتزامناً مع الذكرى الـ50 لوفاة أم كلثوم التي شاركت في بطولة 6 أفلام، فإن اللجنة الفنية اختارت هذين الفيلمين تحديداً لهذه المناسبة».

من جهتها، رحّبت أسماء السراج، المديرة التجارية لقنوات «إيه آر تي»، بالحضور، موجّهة شكرها للمهرجان على اهتمامه بترميم الأفلام المصرية. في حين قالت المهندسة ندى حسام الدين، مسؤولة الترميم بمدينة الإنتاج الإعلامي، إن فيلم «عايدة» شكَّل «حالة خاصة»، موضحة أن عملية ترميمه كانت «ملحمة حقيقية»، إذ «لم يُرمَّم الفيلم فحسب، بل كان علينا أيضاً إنقاذ (النيغاتيف) من التحلل. هناك أجزاء ستبدو مختلفةً لأنها استُنقذت قبل أن تتحلَّل تماماً، كما بُذل جهد كبير في ترميم الصوت، كونه فيلماً غنائياً، وخضع لعملية ترميم رقمية دقيقة للحفاظ على قيمته التاريخية». وأشادت بدور المهرجان في حماية التراث السينمائي.

ملصق عرض الفيلمين المُرمَّمين لأم كلثوم بالمهرجان (مهرجان البحر الأحمر)

وجاء عرض «عايدة» العام الحالي متزامناً أيضاً مع مرور 83 عاماً على عرضه الأول في 28 ديسمبر (كانون الأول) عام 1942 في سينما «استوديو مصر» بالقاهرة، وهو من إنتاج الاستوديو نفسه. ويشارك في بطولته، إلى جانب أم كلثوم، كل من المطرب إبراهيم حمودة، وسليمان نجيب، وعباس فارس، وماري منيب، وعبد الوارث عسر الذي كتب السيناريو بمشاركة فتحي نشاطي وعباس يونس.

يقدّم الفيلم مزيجاً آسراً من الرومانسية والقضايا الاجتماعية والتألق الموسيقي، وتتمحور قصته حول «عايدة» الطالبة في مرحلة «البكالوريا» (أم كلثوم) التي تتمتع بموهبة غنائية منذ طفولتها. وبعد وفاة والدها المزارع البسيط، تدعوها أسرة الباشا الذي كان والدها يعمل لديه للإقامة في القصر كي لا تبقى وحيدة. تلتحق عايدة بمعهد الموسيقى الداخلي للبنات، فيتعلق بها سامي نجل الباشا الذي يهوى الموسيقى أيضاً رغم رفض والده، كما يرفض زواجه منها؛ بسبب الفوارق الطبقية. لكن موقفه يتغيَّر بعد حضوره عرضاً موسيقياً تقدمه عايدة، لينتصر الحب في النهاية على تلك الفوارق.

وكعادة الأفلام التي تعكس روح زمنها، يُظهِر الفيلم شوارع القاهرة الهادئة في أربعينات القرن الماضي، وموديلات السيارات، والتقاليد الاجتماعية، والأزياء الكلاسيكية، إضافة إلى أغنيات الحب التي جمعت أم كلثوم بإبراهيم حمودة، مع إبراز تطور شخصية أم كلثوم وأدائها الغنائي.

وشهد الفيلم حضوراً لافتاً من جمهور المهرجان والجمهور السعودي، رغم ازدحام جدول العروض بأفلام عالمية وعربية حديثة الإنتاج. ويُفسر أنطوان خليفة، مدير البرامج العربية وكلاسيكيات الأفلام في المهرجان، هذا الإقبال بقوله: «هذه أفلام لم تُعرَض سابقاً في صالات كبيرة، ولم يشاهدها أغلب الجمهور السعودي من قبل، كما أنها تُقدَّم بتقنيات حديثة». وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن عرض الفيلمين «لن يقتصر على المهرجان، بل سيستمر خلال احتفاليات عدّة تقام على مدار العام في مدن سعودية مختلفة»، موضحاً أن «المهرجان لا يشتري حقوق عرض هذه الأفلام، بل يحصل من الجهات المالكة على موافقتها لعرضها في المهرجان والاحتفاليات».

ويؤكد خليفة أن المهرجان، منذ دورته الأولى، يولي اهتماماً خاصاً بترميم الأفلام المصرية، حيث بلغ عدد ما رُمِّم حتى اليوم 22 فيلماً على مدى 5 سنوات.

ملصق فيلم «نشيد الأمل» (مهرجان البحر الأحمر)

ويشير إلى أن اختيار الأفلام المُرمَّمة يرتبط غالباً بمناسبات محددة، موضحاً: «أفلام يوسف شاهين رُمِّمت جميعها في فرنسا، لكننا اكتشفنا أن فيلم (الاختيار) لم يُرمَّم، فقمنا بذلك. كما ارتبط الترميم بتكريم شخصيات مصرية مثل الفنانة منى زكي في الدورة الماضية، حيث طلبت عرض فيلم (شفيقة ومتولي)، فرمَّمناه، وكذلك فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) في إطار تكريمها. أما فيلم (خلي بالك من زوزو)، فجرى ترميمه بمناسبة مرور 50 عاماً على إنتاجه. واخترنا العام الحالي فيلمَي (نشيد الأمل) و(عايدة) في ذكرى مرور نصف قرن على رحيل أم كلثوم».

ويقدم برنامج «كنوز البحر الأحمر» في دورته الـ5 عروضاً مميزة لعدد من كلاسيكيات السينما العالمية، بينها 3 أفلام قصيرة صامتة: «المهاجر» لشارلي شابلن، و«ليبرتي» للوريل وهاردي، و«أسبوع واحد» لباستر كيتون، مع عزف موسيقي حي يقدمه المؤلف البريطاني نيل براند المتخصص في الموسيقى التصويرية. كما يتضمَّن البرنامج عرض فيلم الإثارة «مسحور» لألفريد هيتشكوك، وفيلم «الأزرق الكبير» الملحمي للمخرج لوك بيسون.