أربعة أسابيع من الإثارة في روسيا أعطت كأس العالم زخماً جديداً

البطولات المقبلة تواجه تحدياً هائلاً للظهور بشكل أفضل وبذات القوة والجمال

مبابي أحد نجوم البطولة يرفع كأسها في النهاية
مبابي أحد نجوم البطولة يرفع كأسها في النهاية
TT

أربعة أسابيع من الإثارة في روسيا أعطت كأس العالم زخماً جديداً

مبابي أحد نجوم البطولة يرفع كأسها في النهاية
مبابي أحد نجوم البطولة يرفع كأسها في النهاية

يتعين علينا جميعاً أن نوجه الشكر إلى روسيا على تنظيمها الرائع لكأس العالم 2018، في الوقت نفسه الذي نشعر فيه بالحزن لانتهاء هذا العرس الكروي الكبير الذي شهد إثارة هائلة ومتعة كروية منقطعة النظير في جميع الملاعب والمدن الروسية، بدءاً من سامارا بحرارتها الشديدة، مروراً بفولغوغراد بمستنقعاتها، ووصولاً إلى المناطق الشمالية حيث الضباب والرذاذ.
ووصل قطار المونديال إلى محطته الختامية بعد أربعة أسابيع ونصف من المتعة الكروية و64 مباراة استثنائية و1613 تسديدة و1734 خطأ، وهو الأمر الذي سيجعل كأس العالم المقبلة تواجه تحدياً هائلاً من أجل الظهور بشكل أفضل.
وصرح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني أنفانتينو، عشية المباراة النهائية للمونديال بين فرنسا وكرواتيا بأن كأس العالم 2018 هي الأفضل في التاريخ. ومن المؤكد أن إنفانتينو يتلقى هو وأصدقاؤه التهنئة على نجاح هذا الحدث الكبير. ويمكن القول إن هذه البطولة قد حققت نجاحاً رائعاً وأعادت كرة القدم الدولية إلى مكانتها اللائقة، وعززت سلطة «الفيفا» على اللعبة الأكثر شعبية في العالم.
وقال إنفانتينو: «لقد غيرت كأس العالم الحالية نظرتنا إلى روسيا، خصوصاً منا نحن في الغرب. وحتى الشرطة تبتسم هنا!». ولا شك في إن أنفانتينو قد يكون قد أخطأ في هذا «البيان السياسي»، إن جاز التعبير، وسوف يكتشف خطأه في وقت لاحق.
أما داخل المستطيل الأخضر، فقد استمتعنا جميعا بكأس العالم 2018 منذ انطلاق المباراة الافتتاحية وحتى إطلاق صافرة نهاية المباراة الختامية. وكانت النقطة السلبية الوحيدة في هذه البطولة تتمثل في غياب منتخب أو منتخبين من القوى الكروية العظمى في عالم كرة القدم. لكننا رأينا جميعاً كيف يمكن لمنتخب فرنسا الشاب أن يغير هذا التصور خلال السنوات المقبلة.
وتصدرت بلجيكا منتخبات البطولة من حيث تسجيل أكبر عدد من الأهداف، في حين جاءت روسيا في المركز الأول من حيث عدد الأخطاء المرتبكة بـ95 خطأ في خمس مباريات. وكان منتخب إسبانيا هو الأكثر تمريراً رغم خروجه من دور الستة عشر. أما المنتخب الإنجليزي فجاء في الصدارة من حيث إعادة الكرات إلى الخلف. وتغلب النجم البرازيلي نيمار على معاناته المستمرة وكان الأكثر تسديدا على المرمى بـ27 تسديدة. وعلى الجانب الآخر، لم يكن المهاجم الفرنسي الشاب كيليان مبابي قد سدد سوى ست كرات فقط على المرمى قبل المباراة النهائية للبطولة!
وحققت فرنسا الفوز بالبطولة بطريقة لا تعتمد على اللعب الممتع والمفتوح، لكنها حققت هذا الإنجاز بفضل اعتمادها على طريقة لعب جماعية من لاعبين ينفذون تعليمات مديرهم الفني ديديه ديشامب بكل دقة. ومن الواضح الآن أن المنتخب الفرنسي سيمتلك خلال العشر سنوات المقبلة أبرز لاعب في الناحية الهجومية في العالم، وهو كيليان مبابي. ولم تشهد هذه البطولة تألق اللاعبين النجوم، الذين يزعم البعض أنهم «الأفضل في التاريخ»، فقد رأينا جميعاً النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي وهو يظهر عابساً على شاشات التلفاز بعدما فشل في قيادة منتخب بلاده، الذي يضم عدداً قليلاً من المواهب، للذهاب بعيدا في المونديال، ورأينا معاناة نيمار ومحاولاته الدائمة لـ«التمثيل» بهدف خداع الحكام، كما شاهدنا جميعاً النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو وهو يفشل في مساعدة منتخب بلاده على تجاوز دور الستة عشر.
وبدلاً من ذلك، رأينا كيف نجحت منتخبات أوروبا الغربية في الظهور بشكل جيد وترك بصمة كبيرة في المونديال بسبب تنظيمها واعتمادها على اللعب الجماعي، مثل السويد وسويسرا وإنجلترا وبلجيكا والدنمارك. وظهرت المنتخبات الأفريقية بشكل متواضع بسبب ضعف الاستعدادات وسوء التنظيم. وظهرت بعض المنتخبات العملاقة بصورة مخيبة للآمال، مثل المنتخب الإسباني الذي تأثر كثيرا بإقالة مديره الفني جولين لوبيتيغي قبل أقل من 24 ساعة من انطلاق المونديال، ومنتخب ألمانيا الذي عانى كثيراً بسبب حالة الغموض المسيطرة على مديره الفني يواخيم لوف، واللعب بطريقة تقليدية محفوظة بعيداً عن الحلول الإبداعية المبتكرة.
وكان العنوان الرئيسي لكأس العالم 2018 هو المتعة والإثارة، ولم نرَ سوى عدد قليل للغاية من المباريات المملة في دور المجموعات، لكن مع الوصول إلى دور الستة عشر ودور الثمانية كانت المستويات متقاربة ومتكافئة للغاية وظلت الإثارة موجودة حتى اللحظات الأخيرة، ففازت فرنسا على الأرجنتين بأربعة أهداف مقابل ثلاثة، وخسرت البرازيل أمام بلجيكا بهدفين مقابل هدف وحيد، وفازت كرواتيا على إنجلترا بهدفين مقابل هدف وحيد، وهو ما جعلنا نشعر جميعا بأننا أمام كأس عالم حقيقية تشهد منافسة حامية الوطيس بين أقوى وأعتى منتخبات العالم.
لكن يمكن القول إن هذه البطولة لم تقدم الكثير من حيث الخطط التكتيكية الجديدة، وكانت الطرق المعتادة تتراوح بين الاستحواذ على الكرة والاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة. وكان الشيء الأبرز هو الاعتماد على الضربات الثابتة التي تعد أسهل شيء يمكن التدريب عليه على عَجَل وأصعب شيء يتعامل معه المدافعون، وقد رأينا كيف أدَّت هذه الضربات الثابتة إلى إحراز عدد هائل من الأهداف. وإذا كان هناك شيء يميز هذه البطولة فإنه سيكون بالتأكيد التألق الواضح واللافت للاعبي خط الوسط، مثل الكرواتي لوكا مودريتش والفرنسيين بول بوغبا ونغولو كانتي والبرازيلي فيليبي كوتينيو والبلجيكي كيفن دي بروين.
وشهد هذا المونديال تحايلاً واضحاً من جانب كثير من اللاعبين من أجل خداع الحكام والذهاب إلى تقنية حكم الفيديو المساعد، التي انتقدها البعض بشدة، لكن هذا الأمر غير منصف على الإطلاق، لأن هذه التقنية قامت بدور جيد بالنظر إلى أنها المرة الأولى التي تُطبَّق فيها في كأس العالم. وكانت روسيا نفسها سعيدة للغاية بتنظيم هذا الحدث العالمي، وقد ظهر الروس فضوليين وطيبين، واستغلوا هذه البطولة لتحسين صورتهم أمام العالم، وإن كان هناك بعض القضايا التي لم تعالجها بطولة كأس العالم بالطبع. وقد كانت هناك بعض المشاهد الممتعة واللافتة للنظر في حد ذاتها في هذه البطولة، مثل رؤية الجمهور البيروفي والسنغالي وهو يلوح بالأعلام في مراكز المدن السابقة للاتحاد السوفياتي وهم يرددون كلمات أغاني كرة القدم خارج الكرملين.
وننتقل أخيراً للحديث عن المنتخب الإنجليزي الذي حقق نتائج رائعة جعلت الجمهور الإنجليزي يستقبل المدير الفني لمنتخب الأسود الثلاثة غاريث ساوثغيت ولاعبيه بكل السعادة والترحاب. وقدم المنتخب الإنجليزي أداء جيداً ولعب بكل قوة وتفوق أمام منتخبات جيدة، لكنه في الحقيقة لم تكن لديه القوة اللازمة للفوز على منتخبات أخرى في مستوى أعلى منه. وكان الجانب الأبرز في هذا الأمر هو المشاركة الفعالة من جانب الجمهور الإنجليزي، على الرغم من أن مشاهدة رد الفعل في إنجلترا عن بُعد كانت تجربة غريبة بعض الشيء. وكان الجمهور الإنجليزي يمنِّي النفس بالذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة في كأس العالم وكان يشجع منتخب بلاده بكل قوة، لكن في النهاية انتهت أكبر مغامرة للإنجليز في كأس العالم خلال الـ28 سنة الماضية.
وفي المشهد الختامي، وصلت الكأس إلى ملعب لوجنيكي مع النجم الألماني فيليب لام، وأمتعنا الفرنسيون والكروات بستة أهداف كاملة، في أكبر عدد من الأهداف في المباراة النهائية لكأس العالم منذ نهائي كأس العالم عام 1966 بإنجلترا. لقد جعلنا مونديال روسيا نشعر بالراحة والمتعة والإثارة خلال شهر كامل، وهو الأمر الذي يجعل المونديال المقبل يواجه تحدياً هائلاً في الظهور بالقوة والإثارة نفسيهما.


مقالات ذات صلة

مونديال 2034... تتويج لائق لحقبة سعودية «وثابة»

رياضة سعودية الاستضافة المونديالية أكبر تتويج لجهود المملكة على الصعيد الرياضي (وزارة الرياضة)

مونديال 2034... تتويج لائق لحقبة سعودية «وثابة»

«إننا في المملكة ندرك أهمية القطاع الرياضي في تحقيق المزيد من النمو والتطوير»... هذه الكلمات هي جزء من حديث الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء،

فهد العيسى ( الرياض)
رياضة عربية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)

السيسي يهنئ السعودية باستضافة «مونديال 2034»

وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التهنئة إلى المملكة العربية السعودية، بعد الفوز بتنظيم «كأس العالم 2034».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية توماس توخيل يبدأ رسمياً دوره مدرباً لإنجلترا في يناير (أ.ب)

مجموعة إنجلترا في تصفيات المونديال... كيف ستسير الأمور؟

ستواجه إنجلترا صربيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الموسعة المكونة من 48 فريقاً في عام 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

The Athletic (لندن)
رياضة عالمية قرعة متوازنة لتصفيات أوروبا المؤهلة إلى كأس العالم لكرة القدم 2026 (د.ب.أ)

قرعة متوازنة لتصفيات أوروبا المؤهلة إلى المونديال

سحبت قرعة تصفيات أوروبا المؤهلة إلى كأس العالم لكرة القدم 2026 في زيوريخ بسويسرا، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (زيوريخ)
رياضة سعودية من الاحتفالات التي شهدتها العاصمة السعودية الرياض بعد الفوز بالاستضافة المونديالية (رويترز)

حكام الإمارات يهنئون الملك سلمان وولي عهده بـ«استضافة المونديال»

هنأ حكام الإمارات، القيادة السعودية بمناسبة الفوز باستضافة كأس العالم 2034.

«الشرق الأوسط» (الرياض )

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».