تتجه أنظار العالم إلى ما سيجري في لقاء الرئيسين الأميركي والروسي، غداً (الاثنين)، في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وكيف سيسير الرئيسان بين خطوط النار المتشابكة وهما يناقشان العديد من الملفات والقضايا التي تشعل الجدل والتوتر والخلافات بين واشنطن وموسكو. وإذا كانت هناك ملفات كثيرة يُتوقع أن يناقشها الرئيسان دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، إلا أن محللين يقولون إنه ليس هناك أمل كبير بالوصول إلى اتفاقات حول كثير من الموضوعات التي ستكون مطروحة على طاولة النقاش.
وقبل انعقاد القمة، قال الرئيس ترمب خلال المؤتمر الصحافي مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أول من أمس: «سنمضي أقوياء، وسنتكلم حول أوكرانيا وسوريا والشرق الأوسط، ونزع أسلحة الدمار الشامل، وهذه التكنولوجيات المدمرة، وبالطبع سنتحدث عن التدخل الروسي في الانتخابات». وأوضح ترمب أنه سيتحدث مع بوتين «عن سوريا والخط الأحمر وقد نخرج بأمور مفاجئة، لكن العلاقة مع روسيا مهمة».
ويُتوقع أن تتناول المناقشات قضايا الأمن القومي والقلق الأميركي من الانتهاكات الروسية لمعاهدة الأسلحة النووية الروسية المعنية بخفض الأسلحة والحد من حجم الترسانة النووية الأميركية والروسية والتي تسمح لكل من واشنطن وموسكو بمراقبة البرامج النووية لكل منهما من خلال عمليات تفتيش صارمة. وبالطبع ستخيِّم قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية على القمة بشكل كبير بعد إعلان الادعاء الأميركي توجيه اتهامات إلى 12 ضابطاً في المخابرات الروسية بالتجسس واختراق شبكات البريد الإلكتروني لحملة هيلاري كلينتون وأعضاء اللجنة الوطنية في الحزب الديمقراطي. وإثر هذه الاتهامات، طالب قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس الرئيس ترمب بإعلان إلغاء القمة مع بوتين أو وضع قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية كأولوية في النقاشات.
وأوضح السفير الأميركي لدى روسيا جون هانتسمان، للصحافيين أن ملف الأمن القومي يتصدر الأهمية في هذه القمة. وقال: «الرئيس ترمب يؤمن بأن علاقات قوية مع روسيا ستكون أمراً جيداً ويأمل أن توقف روسيا تصرفاتها». وتابع: «سنذهب إلى القمة وأعيننا مفتوحة لتحميل روسيا المسؤولية في التدخل في الانتخابات الأميركية وفي منطقة البلقان».
وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن ملف الصراع السوري وتقليص نفوذ إيران في سوريا ما بعد إنهاء الحرب سيكون أحد الأهداف الاستراتيجية المهمة في القمة، لافتين إلى أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة لديهما مصلحة في العمل معاً في الملف السوري. وأشار جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، في مقابلة مع شبكة إخبارية، إلى أن إيران وليس رئيس النظام بشار الأسد هي القضية الاستراتيجية، مضيفاً أن «هناك احتمالات للقيام بمفاوضات أكبر حول المساعدة في إخراج القوات الإيرانية من سوريا وعودتها إلى إيران، وهذا الأمر سيكون خطوة مهمة إلى الأمام».
ويقول مسؤول رفيع في إدارة الرئيس ترمب لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي بأنه لا يتوقع انسحاباً كاملاً لإيران من سوريا توحي بأن هناك استعداداً لقبول انسحاب جزئي، وأن هذه التصريحات قد تؤدي إلى القبول بحل توافقي. ويوضح أن فريق المستشارين المرافق للرئيس ترمب لديه رؤية لسيناريو أحد الاحتمالات في هذا الشأن، وهو أن يتوصل الرئيسان الأميركي والروسي إلى اتفاق حول نشر قوات حكومية سورية على طول الحدود مع الجانب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان، وانسحاب القوات الإيرانية و«حزب الله» من المنطقة. وتابع أنه رغم أن روسيا تدّعي أنها لا تستطيع ضمان امتثال إيران «فإنها تمتلك قوة كافية لإقناع طهران بالابتعاد عن الحدود مع إسرائيل وتقليل عدد القواعد ومصانع الصواريخ والمستشارين الذين يوجدون في سوريا».
ويقول المسؤول الأميركي إن إيران تواجه عقوبات أميركية صارمة في أعقاب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي ولا يمكنها تحمّل خسارة الدعم الروسي ولن تكون قادرة على تزويد الأسد بنفس القدر من الدعم الذي قدمته سابقاً. ويقول مسؤولون في البيت الأبيض إن مستشار الأمن القومي، جون بولتون، يريد الإصرار على أن تؤدي أي صفقة تتعلق بسوريا إلى انسحاب إيراني كامل وليس بشكل جزئي من سوريا.
ويرى محللون أن النقاشات حول سوريا قد تخرج بتوافقات عامة لكن من المرجح أنها ستركز في الأساس على الحد من النفوذ الإيراني، ويتشككون في إمكانية إنهاء الوجود الإيراني في سوريا بشكل كامل. ويشيرون إلى أن ترمب بإعلانه عن هدفه بسحب القوات الأميركية من سوريا، وتجميده بعض المساعدات الأميركية في سوريا، أضعف موقفه التفاوضي.
وأشارت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي سابقاً، في مقال صحافي، الجمعة، إلى أن هناك الكثير الذي يمكن خسارته والقليل من الكسب في قمة ترمب - بوتين، محذرةً من مخاطر كثيرة واحتمالات نتائج عكسية. وتتخوف رايس من أن يعترف ترمب لروسيا بضم شبه جزيرة القرم، وتخفيف العقوبات مقابل تعهد روسيا بالحد من النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.
ويقول نيل غاردنر، الباحث بمعهد «هيرتيدج» الأميركي، إن الرئيس بوتين سيسعى من عقد هذه القمة إلى تحسين صورته وكسر ستار العزلة المفروضة عليه بعد ضمه شبه جزيرة القرم، ولذا سيحرص على الخروج منتصراً من اللقاء مع الرئيس ترمب. أما مايكل مكفول، السفير الأميركي السابق لدى روسيا، فيقول إن بوتين يعرف ما الذي يسعى إلى تحقيقه ويعرف نقاط القوة والضعف لدى الأشخاص الذين يتحدث معهم ومن المحتمل أنه يخطط للإطراء على ترمب لكسب وده. كذلك يلفت ويليام بوميرانز، الباحث في الشؤون الروسية بمعهد «وودرو ولسون»، إلى أن بوتين لديه سجل حافل بالتلاعب بالناس للحصول على ما يريده.
ويرى لوك كوفي، الباحث المتخصص في الشرق الأوسط بمؤسسة «هيرتيدج» بواشنطن، أنه ينبغي أن يدخل ترمب في اجتماعات قمة هلسنكي بعيون مفتوحة على مصراعيها لأن بوتين منذ توليه السلطة عام 1999 لم يثبت أنه يمكن أن يكون شريكاً موثوقاً للولايات المتحدة وانتهج سياسات تقوض مصالح أميركا الوطنية ومصالح أقرب شركائها، حسب رأيه. ويطالب كوفي الفريق الأميركي ومستشاري الرئيس ترمب بالخروج من هذه القمة ببيان واضح يؤكد أن الولايات المتحدة لن تعترف بشرعية المطالب الروسية بضم شبه جزيرة القرم، وإجبار روسيا على سحب قواتها والوفاء بالالتزامات التي قطعتها في اتفاق «مينسك» لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، والضغط على بوتين لإنهاء دعمه للرئيس السوري، والعمل مع المجتمع الدولي لوضع نهاية سياسية للحرب الأهلية السورية.
ويقول السفير فريدريك هوف، بمركز «أتلانتيك»، إن واشنطن تضغط على موسكو لوقف المساندة الروسية للأسد في هجومه على جنوب غربي سوريا، وفي الوقت نفسه تريد موسكو من واشنطن التخلي عن المناطق في شمال سوريا التي تم تحريرها من قبضة «داعش» وأدت إلى تقوية عناصر المعارضة، ولذا قد تحاول روسيا إغراء الولايات المتحدة لإبرام صفقة من شأنها أن تعزز المساندة للأسد وإيران أو أن تخرج القمة دون صفقة واضحة حول سوريا وإنما توافقات عامة. ويؤكد السفير الأميركي المخضرم أن بوتين يريد أن يظل ممسكاً بخيوط اللعب وبقاء الأسد مرتبطاً بحماية روسيا إلى أجل غير مسمى، لكنّ التحدي أمامه هو منع الإيرانيين من القيام بأعمال «غبية» في الجنوب الغربي. ويقول: «سيحاول بوتين تحويل الوضع المتقلب إلى ميزة للأسد، حيث سينصحه بتهدئة الأوضاع على المدى القصير لمنحه فرصة العمل مع نظيره الأميركي لأن أكثر شيء تخشاه روسيا هو انتصار أميركي شامل على (داعش) في الشمال الشرقي من سوريا بما يمكن أن يخلق بديلاً يؤدي لإزاحة عائلة الأسد». ويتوقع هوف أن يقوم بوتين خلال لقائه مع ترمب بالتأكيد أن الأسد سيُنهي هجومه على الجنوب الغربي وأنه سيرسل القوات الروسية لفرض منطقة تهدئة، وفي المقابل سيطلب من ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا سريعاً وهو ما سيسمح لبوتين بالإعلان عن انتصارات روسية في سوريا بمجرد إخراج الأميركيين من الصورة.
ويشير ستيفن سيستانوفيتش الباحث في إدارة الدراسات الروسية بمجلس العلاقات الخارجية، إلى أن هناك أربع قضايا سيكون لها موقع بارز في القمة وهي: التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وأوكرانيا، وسوريا، ومراقبة الأسلحة النووية. ويرى أن المسؤولين الأميركيين والروس لم يحققوا أي تقدم في التوصل إلى ملامح رئيسية لاتفاق في ما يتعلق بالوضع في أوكرانيا وكيفية مراقبة الأسلحة النووية. ويتوقع أن تتطرق النقاشات إلى ملف النفط، حيث يسعى البيت الأبيض إلى دفع روسيا لزيادة إنتاجها من النفط في إطار الجهود الأميركية للتعاطي مع تداعيات سياسة تقييد قدرة إيران على تصدير النفط.
وفي خصوص سباق التسلح، يوضح الباحث في الشأن الروسي بمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن أن هذا هو الملف الذي يمكن أن يحقق فيه الرئيسان بوتين وترمب إنجازاً سهلاً في إعلان تمديد معاهدة «ستارت» لمدة خمس سنوات أخرى.
القمة الأميركية ـ الروسية: كثير من الملفات... قليل من التوقعات
القمة الأميركية ـ الروسية: كثير من الملفات... قليل من التوقعات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة