ترمب يشيد بالعلاقة الخاصة بين لندن وواشنطن

أثنى على ماي بعد مهاجمة خطتها لـ«بريكست»... واعتبر أن الهجرة «تغير النسيج الثقافي في أوروبا»

الرئيس ترمب بعد يوم عاصف من التصريحات خفف أمس من حدة انتقاداته لتيريزا ماي خلال المؤتمر الصحافي المشترك أمام المقر الريفي للحكومة قرب لندن (أ.ب)
الرئيس ترمب بعد يوم عاصف من التصريحات خفف أمس من حدة انتقاداته لتيريزا ماي خلال المؤتمر الصحافي المشترك أمام المقر الريفي للحكومة قرب لندن (أ.ب)
TT

ترمب يشيد بالعلاقة الخاصة بين لندن وواشنطن

الرئيس ترمب بعد يوم عاصف من التصريحات خفف أمس من حدة انتقاداته لتيريزا ماي خلال المؤتمر الصحافي المشترك أمام المقر الريفي للحكومة قرب لندن (أ.ب)
الرئيس ترمب بعد يوم عاصف من التصريحات خفف أمس من حدة انتقاداته لتيريزا ماي خلال المؤتمر الصحافي المشترك أمام المقر الريفي للحكومة قرب لندن (أ.ب)

خفف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، من حدة انتقاده لسياسات حكومة تيريزا ماي، ووصفها بـ«أعلى مستويات العلاقة الخاصة»، التي تجمع بلاده ببريطانيا. وفي المؤتمر الصحافي الذي جمعه برئيسة الوزراء تيريزا ماي، اعتمد ترمب لهجة دبلوماسية اختلفت عن تصريحاته الصحافية الصادمة التي سبقت زيارته إلى بريطانيا، وخصوصاً تلك التي خصّ بها صحيفة «ذا صن»، حيث استبعد توقيع اتفاق تجارة حرة مع لندن، إن طبقت ماي خطتها المقترحة بالحفاظ على علاقات تجارية وطيدة مع الاتحاد الأوروبي بعد «بريكست». وعقب محادثات مع رئيسة الوزراء في مقر إقامتها الريفي بتشيكرز، قال الرئيس الأميركي إنه «موافق» على استراتيجية ماي حول «بريكست»، معرباً عن أمله في أن يتمكن البلدان من إبرام اتفاق تجاري. وتابع: «لا مانع لدي في كل ما تفعلينه، الشيء الوحيد الذي أطلبه من تيريزا هو التأكد من أنه يمكننا التجارة». ومدح ترمب رئيسة الوزراء، ووصفها بـ«المفاوضة الصعبة، والذكية والمرأة المتمكّنة». وأظهر ترمب وماي جبهة موحدة على صعيد عدة قضايا، أبرزها التجارة ومواجهة إيران وتعزيز «الناتو» وإظهار «القوة» إزاء روسيا. وأكدت ماي أن لندن وواشنطن اتفقتا على السعي إلى «التوصل إلى اتفاق تجاري طموح» بين البلدين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأضافت في المؤتمر الصحافي: «اتفقنا اليوم على أنه في الوقت الذي تغادر فيه المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، سنواصل السعي إلى اتفاق طموح للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة». وأكد ترمب أنه وماي تباحثا بخصوص إيران، وأنهما اتفقا على أن «إيران لا يجب أن تحصل أبداً على السلاح النووي». وبخصوص قمة هلسنكي المرتقبة الاثنين المقبل بين ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قالت ماي إن بريطانيا والولايات المتحدة اتفقتا على إظهار «القوة» و«الوحدة» بمواجهة روسيا. وأضافت ماي، التي اتهمت موسكو بالوقوف وراء محاولة اغتيال عميل روسي مزدوج سابق في شوارعها بغاز الأعصاب «نوفيتشوك»: «اتفقنا على أنه من المهم محاورة روسيا من موقع قوة ووحدة»، وأنها ترحب بلقاء هلسنكي. فيما قال الرئيس الأميركي إنه «أكثر صرامة مع روسيا من أي شخص آخر (...) نحن الأكثر قساوة معها»، لكنه كرر موقفه من عقد علاقات «طيبة» مع روسيا والصين وغيرهما. ولفت ترمب إلى أنه سيبحث «سوريا وأوكرانيا وانتشار الأسلحة النووية مع بوتين»، موضحاً: «لو كان بوسعنا فعل شيء لتخفيض (الأسلحة النووية) كثيراً، أعني، الأفضل التخلص منها، ربما كان ذلك حلماً، لكنه بالتأكيد سيكون موضوعاً سأناقشه معه». وأضاف: «الانتشار (النووي) بالنسبة لي هو أكبر مشكلة في العالم، الأسلحة النووية أكبر مشكلة في العالم».
وكمعظم مؤتمراته الصحافية، انتقد الرئيس الأميركي «الإعلام الكاذب» وخصّ بالذكر هذه المرة صحيفة «ذا صن» اليمينية التي انفردت بمقابلة معه نشرتها مساء أول من أمس. وتسببت هذه المقابلة، التي حملت انتقادات حادة لرئيسة الحكومة البريطانية وإشادة بوزير الخارجية المستقيل بوريس جونسون، بموجة استنكار بين سياسيين بريطانيين وتراجع الجنيه الإسترليني أمام اليورو والدولار. وهاجم ترمب الصحيفة ومحاوره الذي كان بين الحضور في المؤتمر الصحافي بتشيكرز أمس، زاعماً أنه لم ينشر تصريحاته الإيجابية حول رئيسة الوزراء. ورد توم نيوتن دان، المحرر السياسي في الصحيفة، على اتهامات ترمب بنشر أجزاء من نص الحوار على «تويتر» تبرز تصريحات الرئيس الإيجابية حول ماي.
وبدت ماي «محاصرة» بتصريحات ضيفها الأميركي. فبعد أن ردت على انتقاده للتطورات السياسية في بلادها مع توالي الاستقالات في لندن، أقامت ماي مأدبة عشاء لترمب والوفد المرافق له مساء أول من أمس في مسقط رأس «بطله» وينستون تشرشل. وبعد ساعات من عرض النشرات الإخبارية صور استقبال ترمب وميلانيا في قصر «بلينهام»، انكب اهتمام الإعلام البريطاني والعالمي على مقابلة «ذا صن» شديدة الانتقاد لسياسات ماي وحكومتها. واتهم ترمب ماي بعدم احترام رغبة الناخبين البريطانيين في استراتيجيتها للخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال: «إذا أبرموا اتفاقاً كهذا، فسنكون بذلك نتعامل مع الاتحاد الأوروبي بدلاً من التعامل مع المملكة المتحدة»، في وقت تسعى فيه ماي لدفع المحادثات مع واشنطن لتوقيع اتفاق للتبادل الحر بعد خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية مارس (آذار) 2019. وتابع ترمب أن مثل هذا الاتفاق «سيقضي على الأرجح على اتفاقية» التبادل الحر مع الولايات المتحدة. ولم تقف تصريحات ترمب لصحافيي «ذا صن» عند هذا الحد، إذ كرر إشادته بـ«صديقه» وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، وقال إنه قد يكون «رئيس وزراء عظيماً». وينص المشروع الذي تقدمت به ماي أمام بروكسل، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، على الحفاظ على علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي على صعيد تجارة السلع من خلال إقامة منطقة «تبادل حر» جديدة على أساس مجموعة من القوانين المشتركة المتعلقة بالسلع وقطاع الصناعات الغذائية.
إلى ذلك، هاجم الرئيس الأميركي رئيس بلدية لندن صديق خان، وقال إنه «قام بعمل سيئ جداً فيما يتعلق بالإرهاب»، رابطاً بين الهجرة وعمليات طعن أوقعت قتلى في لندن. كما انتقد سماح خان لمحتجين برفع بالون «ترمب الرضيع» لساعتين خارج البرلمان. وقال الرئيس الأميركي إن خان «لم يُكرّم حكومة بغاية الأهمية»، وتابع: «ربما لا يعجبه الرئيس الحالي، لكني أمثل الولايات المتحدة»، مشدداً على أن «ملايين» البريطانيين يؤيدون مواقفه المتشددة حيال الهجرة.
وأثار الإذن الذي أعطاه خان لإطلاق البالون غضب مؤيدي ترمب في بريطانيا، مثل نايجل فاراج بطل «بريكست» الذي وصف ذلك «بالإهانة»، كما ذكرت الوكالة الفرنسية. وقال خان لإذاعة «بي بي سي» رداً على هجوم ترمب: «اللافت هو أن ترمب لا ينتقد رؤساء بلديات المدن (الأوروبية التي شهدت عمليات إرهابية)، بل ينتقدني أنا». وأضاف أن تصريحات الرئيس الأميركي التي يربط فيها الهجرة بالجريمة في إنجلترا «غير معقولة».
وأعاد ترمب تأكيد انتقاده للهجرة في أوروبا خلال مؤتمره الصحافي، معتبراً أنها تغيّر النسيج الاجتماعي الأوروبي. وقال إن «الهجرة شيء سلبي للغاية في أوروبا. رأيتم الأذى الذي تسبب به الإرهاب». وتابع: «إنه شيء سيئ بالنسبة لأوروبا، وللولايات المتحدة كذلك».
وفيما كان ترمب في طريقه إلى قصر «ويندزور» للقاء الملكة إليزابيث الثانية بعد محادثاته في تشيكرز، اجتمع عشرات آلاف المتظاهرين وفق تقديرات إعلامية للاحتجاج ضد سياسات الرئيس الأميركي. وقالت سارة - جين، وهي طالبة بريطانية في العشرينات من عمرها، لـ«الشرق الأوسط»، إنها تعارض سياسات الهجرة التي ينتهجها الرئيس الأميركي، «وخصوصاً فصل الأطفال عن آبائهم». واعتبرت أن تصريحاته لصحيفة «ذا صن» ضد صديق خان تؤكد «آراءه السلبية تجاه المسلمين». من جانبه، يقول مارك دانكن وهو أميركي خمسيني مقيم في لندن، إنه يدعم الحزب الجمهوري، «لكن تصريحات ترمب وسلوكه يؤذي سمعتنا في العالم وعلاقتنا مع الحلفاء». وفي الجانب الآخر من ساحة «الطرف الأغر»، وجه أحد أنصار الرئيس الأميركي انتقادات لاذعة لمجموعة شباب يحملون لافتات تسخر من ترمب، واتهمهم برفض الحوار والرأي الآخر.


مقالات ذات صلة

ترمب «شخصية العام» لمجلة «تايم»: 72 يوماً من الغضب

الولايات المتحدة​ احتفل ترمب باختياره «شخصية العام» من قِبل مجلة «تايم» بقرع جرس افتتاح بورصة نيويورك يوم 12 ديسمبر الحالي (أ.ب)

ترمب «شخصية العام» لمجلة «تايم»: 72 يوماً من الغضب

احتفى ترمب باختياره «شخصية العام» من مجلة «تايم»، وقرع جرس افتتاح بورصة نيويورك على بُعد بضعة مبانٍ من المحكمة التي أدانته قبل 6 أشهر فقط.

علي بردى (واشنطن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مجلة «تايم» تختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب «شخصية عام 2024»... (أ.ب)

ترمب: أدعم حل الدولتين لكن «هناك بدائل أخرى»

أجرى رئيس أميركا المنتخب، دونالد ترمب، حواراً مع مجلة «تايم» التي اختارته «شخصية عام 2024» وأكد أن «مشكلة الشرق الأوسط» أسهل في التعامل من «المشكلة الأوكرانية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال فعالية شخصية العام لمجلة تايم في بورصة نيويورك، 12 ديسمبر 2024 (أ.ب)

ترمب رداً على سؤال عن احتمالات الحرب مع إيران: «أي شيء يمكن أن يحدث»

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ردا على سؤال في مقابلة مع مجلة «تايم» حول احتمالات الحرب مع إيران، إن «أي شيء يمكن أن يحدث».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».