ماتيلدا فرج الله: الصدفة قادتني إلى الإعلام.. ومارست الصحافة بأنواعها

معدة ومقدمة برنامج «هن» في تلفزيون الحرة تقول إن القنوات اليوم تبحث عن الشكل وليس المضمون

ماتيلدا فرج الله
ماتيلدا فرج الله
TT

ماتيلدا فرج الله: الصدفة قادتني إلى الإعلام.. ومارست الصحافة بأنواعها

ماتيلدا فرج الله
ماتيلدا فرج الله

إذا كانت الصدفة تقود بعض الأشخاص لاتجاهات حياتية معينة، وقد لا يجد غالبيتهم نجاحهم في هذه الاتجاهات، فإن الصدفة التي كانت على موعد مع الإعلامية اللبنانية المعروفة ماتيلدا فرج الله، معدة ومقدمة برنامج هن في تلفزيون الحرة، قد فتحت أمامها أبواب النجاح بفضل الموهبة التي تتمتع بها وشخصيتها وإصرارها على أن تحقق كل ما تطمح به من طموحات في مجال عملها.
ماتيلدا لم تكن تخطط لأن تدخل هذا العالم، عالم الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، بل كانت ماضية بدراستها للأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية عندما دعيت للعمل الإعلامي، تقول «الإعلام كان صدفة في حياتي، كنت ما أزال طالبة أدرس الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية عندما فاتحني مدير إذاعة لبنان الحر، وكان جارنا، حدث ذلك في مرحلة الحرب الأهلية في لبنان، وبالضبط سنة 1992، قال لي أشعر بأن شخصيتك تتناسب والعمل الإعلامي وأنك قادرة على خوض العمل الصحافي وأنا مدير إذاعة وتعالي لنجرب}.
تستطرد ماتيلدا في حديثها لـ{الشرق الأوسط} التي التقتها في بيروت، قائلة {هكذا دخلت الإذاعة كمعدة ومقدمة برامج وصرت أتدرج من قسم لآخر، وجربت العمل في التغطيات السياسية والثقافية والأخبار لكني وجدت نفسي كمحاورة في البرامج السياسية». تعود ذاكرتها إلى سنوات البداية وتتحدث «كان من أبرز ما قدمته برنامج (الإنسان في السياسة) وكانت لهذا البرنامج قصة، حيث اقترحت أن نختار شخصيات سياسية لبنانية ونحاورها عن خلفياتها الثقافية والاجتماعية إضافة إلى السياسة ليعرف المستمع الصور المتعددة لكل من يتعاطى في العمل السياسي، وهذا يعني إجراء حوارات مع وزراء ونواب وقادة سياسيين، وعندما طرحت الفكرة على مدير الإذاعة وافق وقال جربي، وكأن لسان حاله يقول من من السياسيين سيجري حوارا مع مقدمة شابة غير معروفة، وبالفعل حاولت وجربت واتصلت ولم يرد علي أحد، كنت بالنسبة لهم نكرة ولا يعرفونني ولم يكن هناك تجاوب من أي سياسي مهما كانت درجته في سلم السياسة، وبعد ثلاثة أشهر من العناء وعدم النجاح كنت على حافة الاستسلام ووصلت إلى شبه قناعة بأني غير قادرة على أن التقي بأي شخصية سياسية».
لكن شخصية طموحة مثل ماتيلدا لا تعرف اليأس والاستسلام، لم تتراجع بل مضت في مشوارها، تقول «في يوم كان هناك احتفال بحضور رئيس الحكومة وقتذاك شفيق الوزان، ولا أدري كيف تمتعت بالجرأة وتقدمت له وأنا أشعر بالقلق وقلت له إن حلمي يتوقف على موافقتك بإجراء حديث معك وأرجو أن تمنحني هذه الفرصة لأن الجميع سوف يتحدث معي إذا أنت تحدثت، وبالفعل وافق وأجريت معه الحديث، وبعد ذلك صارت كل الشخصيات السياسية توافق على الحوار في برنامجي بعد موافقة الرئيس الوزان}. وتشخص هذه الإعلامية التي عرفت بجرأتها في البرامج الإذاعية والتلفزيونية مشكلة تعامل السياسيين العرب عامة واللبنانيين خاصة مع الإعلاميين الشباب، تقول {إن الطبقة السياسية أو الثقافية في لبنان لا تتجاوب مع إعلامي صاعد أو شاب في أول الطريق، حتى وإن كانت أو كان هذا الصحافي يعمل في مؤسسة مهمة، فالسياسيون يفضلون الحديث لأسماء بارزة في الإعلام، ولذلك الشباب يواجهون حتى اليوم مثل هذه المشكلة، أنا يأتيني صحافيون من كلا الجنسين من الشباب أو الذين يتدربون وأفتح لهم المجال وأتحدث إليهم وهم يشكون من صدود السياسيين بل وحتى الإعلاميين من مقابلتهم لأغراض إنجاز مشاريع تخرجهم وعدم منحهم أي فرصة لكني أتعاطى معهم لأنني أتذكر بداياتي الصحافية وكيف منحني الرئيس الوزان فرصة الحوار معه}.
طموحات ماتيلدا قادتها إلى العمل التلفزيوني على الرغم من أنها لم تترك الإذاعة، توضح {بعد أربع سنوات من العمل الإذاعي انتقلت إلى التلفزيون مع قناة الأوربت وكانت مشفرة وعملت برامج اجتماعية وسياسية، ثم بدأت مشاويري مع القنوات اللبنانية حيث عملت ست سنوات مع (إن بي إن) ثم قناة المرأة العربية ومن ثم انتقلت لتلفزيون المستقبل حيث كنت أعد وأقدم برنامج سياسي}، وفي وضعها أمام مقارنة بين العمل الإذاعي والتلفزيوني وأيهما الأقرب إليها، تقول «أجد أن العمل الإذاعي أهم ن ذلك لأن ديكورات التلفزيون والإكسسوارات وحتى شكل المقدمة ومكياجها وأزياؤها تأخذ من جوهر ومضمون المقدمة عند المتلقي وينشغل بتفاصيل بعيدة ربما عن جوهر الفكرة المطروحة، بينما في الإذاعة هناك الصوت والمضمون والإحساس الذي يصل إلى المستمع ويشدة وإذا لا تمتلك هذه المؤهلات فسوف تخسر المتلقي، لهذا أنا قدمت على مدى 15 سنة برنامجا سياسيا (على مسؤوليتك) على الهواء صباح كل يوم سبت لإذاعة لبنان الحر، وكان عبارة عن لقاءات مع سياسيين، وتركت منذ تسعة أشهر فقط، لكني عندما عملت في قناة الحرة كان شرطهم أن أتفرغ للعمل معهم كمعدة ومقدمة برنامج (هن)».
وتصف ماتيلدا تجربتها الجديدة مع قناة الحرة، قائلة «العمل مع الحرة تجربة مختلفة حيث خرجت من الملفات الداخلية اللبنانية إلى ملفات عربية من خلال زاوية المرأة ومناقشة عناوين مهمة مثل الثورات العربية والاقتصاد والثقافة والمشكلات الاجتماعية التي تعيشها المرأة العربية}، مشيرة إلى أن «هذه التجربة أكثر صعوبة من سابقاتها حيث كانت اللقاءات مع ضيوف أعرفهم ويعرفونني، والعمل ضمن ملفات لبنانية أعرفها، أما اليوم باعتباري معدة ومقدمة التقي بضيوف مختلفين من جميع أنحاء العالم العربي وخارجه، ضيوف ألتقيهم للمرة الأولى ونناقش معهم ملفات معقدة، والبرنامج يتطلب عملا يوميا للاتصال بمندوبي البرنامج في مختلف الدول العربية لاختيار الضيوف وإيصالهم إلى بيروت حيث يقترح المندوبون المواضيع التي يمكن مناقشتها وبدورنا ندرسها لنرشح أهم هذه المواضيع ونرسلها للإدارة في واشنطن وبعد الموافقة عليها أبدأ بكتابة نصوص الحلقة، ثم عملية اختيار الضيوف المؤهلين لمناقشة هذه الملفات واستضافتهم في البرنامج هنا في بيروت}.
تستطرد قائلة «في برنامجنا (هن) نناقش ملفات اجتماعية حساسة، مثل التحرش الجنسي والاغتصاب وتعنيف المرأة وآراء رجال الدين، ومثل هذه المواضيع كان من الصعب مناقشتها أما اليوم فالكل يبدو مستعدا لأن يتحدث فيها ومناقشة الملفات التي تبدو من المحرمات في المجتمعات العربية}. توضح «المسألة هنا هي القصة أو القضية التي نختارها في البرنامج ومع (الحرة) ممنوع اختراع قضية بل يجب أن تكون هناك قضية واقعية وموجودة في المجتمع العربي وندعو ضيوفا من دول عربية مختلفة مثل اليمن ومصر والمغرب والعراق ليناقشوا هذه القضية أو تلك، كل حسب منطلقه والباقي متروك للمشاهد ليقرر فدورنا كإعلاميين ليس تغيير الواقع بل تسليط الضوء وتأشير أماكن الخلل، نحن لا نملك تغيير المجتمعات أو الأنظمة السياسية أو الفتاوى الدينية أو ذكورية المجتمع}.
ماتيلدا خاضت غمار العمل الصحافي بكل جوانبه المهمة، الكتابة والإذاعة والتلفزيون، تقول «أنا بدأت بالكتابة ثم الإذاعة والتلفزيون، التلفزيون يجمع بين الكتابة وإعداد البرامج والصوت وحضور المقدم، والمهم عندي كان وما يزال الجوهر، مضمون العمل، مضمون الرسالة الإعلامية التي أريد إيصالها إلى المتلقي}، منبهة إلى أنه «في التسعينات عندما بدأت العمل مع التلفزيون لم يكن الأمر مثلما هو اليوم، كانت عندنا رسالة نريد إيصالها للمشاهد عبر الشاشة، وكنا نمارس الكتابة ونعتمد على ثقافة ومضمون عميق لتقديم برنامج ذات جوهر غني وليس مجرد لغة جسد وأزياء وماكياج وشهرة مثلما يحدث اليوم حيث اختلفت الطموحات ورأس المال وسوق العمل}. وتأسف ماتيلدا كون «مقاييس العمل التلفزيوني اليوم اختلفت فأصبحت جمالية بحتة ثم يأتي موضوع الكفاءة، هذا لم يكن موجودا في التسعينات حيث كانت الكفاءة هي الأصل}، وتشير إلى الخلل بقولها «صارت الإعلانات تتحكم بالقنوات، والإعلان يريد أجسادا ولا يهمه كفاءات، تحول الإعلام إلى صناعة استهلاكية خاضعة لمعايير السوق ولم يعد رسالة، اليوم يبحثون عن برامج ربحية ومثيرة حتى في البرامج السياسية تحولت إلى برامج إثارة وأكشن ويسعى المقدم لأن يضرب الضيف خصمه يضاف إلى هذا أنه ليس هناك شيء جديد في هذه البرامج وغالبيتها مستوردة من البرامج الغربية، ولم تعد مهمة التلفزيونات الارتقاء بالمشاهد بل المهم الإعلان أي برنامج مهما كان مستواه هابطا و(يجيب) إعلان فهو الأفضل وبعكس ذلك لا يعرض البرنامج مهما كانت أهميته}.
بعيدا وقريبا عن التلفزيون فإن لماتيلدا مشروعها الصحافي الخاص، فهي ترأس مجلس إدارة مجلة «سينيه» اللبنانية، تتحدث عنها قائلة «قررت أن يكون لي مشروعي الصحافي الخاص لأحقق حلمي الإعلامي من خلاله، فالمجلة تعني ببصمة أي سياسي أو مثقف أو مبدع ترك بصمته في مجاله المعين اجتماعيا، لهذا سميتها (سينيه) أي التوقيع أو البصمة}، مشيرة إلى أن «هذه المجلة تصدر منذ أكثر من خمس سنوات وتوزع في لبنان وخارجه، وعادة نحتفل بمن ترك بصمته على الغلاف مع صدور أي عدد، إذ احتفلنا بشخصيات لبنانية وعربية كثيرة وهذا تقليد خاص بنا}.



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».