«تفاهم معراب» يثير نقمة مسيحية ضد «التيار الوطني» و«القوات»

«الكتائب» و«المردة» أبرز المعترضين... واتهامات بـ«تسليم الدولة اللبنانية لإيران»

TT

«تفاهم معراب» يثير نقمة مسيحية ضد «التيار الوطني» و«القوات»

اتسعت دائرة الخلاف بين القوى المسيحية في لبنان، غداة كشف مضامين «تفاهم معراب» الموقَّع بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» في يناير (كانون الثاني) 2016، الذي أفضى إلى تأييد «القوات» ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، مقابل حصولها على مكاسب تجعلها الشريك المسيحي الأوحد في إدارة الحكم، وهو ما أثار استياء القوى والأحزاب المسيحية الأخرى المتموضعة خارج ثنائي «التيار» و«القوات»، مثل حزب «الكتائب اللبنانية» وتيّار «المردة»، اللذين وجدا في اتفاق معراب مجرّد «تفاهم سلطوي أدى إلى ضرب التوازن في البلاد، وتجاوز الدستور والمؤسسات».
ودفع الصراع المتصاعد بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»، على خلفية الحصص والحقائب في الحكومة العتيدة، بـ«القوات» إلى كشف بعض مضامين «تفاهم معراب»، وتبيّن أنه ينصّ على اتفاق صريح وقّعه سمير جعجع عن «القوات» ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل عن «التيار» وقضى بتقاسم الحقائب الوزارية المسيحية مناصفة بين الفريقين، وكذلك المراكز العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية، من دون أن يلحظ أي وجود للقوى والأحزاب المسيحية الأخرى.
ولاقى هذا الاتفاق الذي ظلّ سرياً لسنتين ونصف السنة، انتقاداً مسيحياً واسعاً، إذ وصفه عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب السابق فادي الهبر بـ«الاتفاق السلطوي». ورأى أن «غايته كانت تقاسم السلطة تمهيداً لوصل عون إلى رئاسة الجمهورية، وتقديم تنازلات أدت إلى ضرب قوى (14 آذار) بالصميم، وضرب التوازن السياسي الذي كان قائماً بين فريقي 8 و14 آذار لأكثر من عشر سنوات». وأكد الهبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تفاهم معراب لم يكن أكثر من صفقة لتقاسم السلطة، بدءاً من رئاسة الجمهورية إلى الوزارات والمراكز الأمنية والإدارية»، معتبراً أن «كلا الحزبين (التيار الحر والقوات) كان يلهث وراء مصالحه، وهذا ما خرّب الجوّ الديمقراطي البرلماني ومزّق الساحة المسيحية»، لافتاً إلى أن «صفقة معراب هي التي أجبرت الرئيس سعد الحريري على القبول بالصفقة الثانية التي أفضت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية».
الاتفاق الذي أثار استياء حزب «الكتائب»، ولّد نقمة لدى تيار «المردة» برئاسة سليمان فرنجية، ورأى النائب طوني سليمان فرنجية خلال ترؤسه اجتماع «التكتل الوطني»، أنّ «ما سرب من اتفاق معراب هو أمر مؤسف، لأن مضمونه يضرب الدستور والمؤسسات ويشكل محاولة جديدة للإلغاء ولضرب التنوع الذي يشكل ميزة هذا البلد»، لافتاً إلى أن الاتفاق المذكور «يشكل أيضاً ضرباً لمبدأ المحاصصة». واغتنم فرنجية المناسبة ليطالب بحقيبتين واحدة مسيحية والثانية إسلامية في الحكومة العتيدة.
ولم يعمّر التوافق السياسي بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية» طويلاً، فسرعان ما اصطدم الطرفان داخل الحكومة، جراء اعتراض وزراء «القوات» بقوّة على معظم المشاريع التي تقدم بها وزراء «التيار»، بسبب ما سمته «القوات» غياب الشفافية، وإجراء صفقات في ملفات الكهرباء والنفط والغاز من دون المرور بإدارة المناقصات، وانسحب هذا الخلاف على الانتخابات النيابية والحصص داخل الحكومة الجديدة.
ويرى منتقدو «تفاهم معراب» أن سلبياته بدأت ترتد على الوضعين السياسي والاقتصادي، وقال النائب السابق فادي الهبر: «صحيح أن هذا الاتفاق أتى بنواب للفريقين، لكنه تسبب بتراجع سياسي واقتصادي كبير، وأدخل لبنان في متاهات ومخاطر مالية واقتصادية، والأخطر من ذلك أن هذه الصفقة سلّمت قرار الدولة اللبنانية لإيران، وهذا ما شكّل خيانة لشهداء ثورة الأرز». ولم يفاجأ الهبر بالصراع الدائر بين طرفي الاتفاق، مشيراً إلى أن جبران باسيل «لن يعطي القوات ما تمّ الاتفاق عليه في تفاهم معراب، لأنه اتخذ من هذا الاتفاق وسيلة لتثبيت إمساكه بالسلطة، ولذلك بدأنا نلمس حجم الانقسام في الشارع المسيحي، وانسحابه على الواقع الوطني ككل».
إلى ذلك رفض مصدر في «القوات اللبنانية» وصف تفاهم معراب بـ«الصفقة»، ورأى أن غايته «طي الخلافات المسيحية، وفتح الباب أمام تفاهمات عريضة تحقق التوازن على الساحة المسيحية، بما يعيد الدور المطلوب للتوازن الوطني مع الشريك المسلم».
وأكد المصدر القواتي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بغض النظر عن تنكّر الطرف الآخر (التيار الوطني الحرّ) لمضمون الاتفاق، فإن التفاهم حفظ حقوق كل القوى والأحزاب المسيحية، ولم يلغِ أحداً». وقال: «حصّة الأحزاب والشخصيات المسيحية الأخرى محفوظة ضمن هذه المناصفة (بين الوطني الحرّ والقوات)، بحيث تكفّل كل طرف بتوزير حلفائه، والمثال على ذلك تسمية (القوات) الوزير ميشال فرعون في الحكومة المستقيلة، ممثلاً للشخصيات المسيحية المستقلة في قوى (14 آذار)، وتوزير يوسف فنيانوس عن تيّار (المردة) من ضمن تحالف التيار الوطني الحرّ مع فريق الثامن من آذار».
ونفى المصدر القواتي إقصاء حزب «الكتائب»، وقال: «تمثيله في الحكومة السابقة كان قائماً، إلا أنه رفض العرض الذي قدّم له وآثر ممارسة دوره السياسي بالمعارضة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.