محمد عزو حلوب.. الطفل الذي كبر ليخون قريته

كان يتصل ببعض شباب القرية لإقناعهم بالانضمام إليه مع وعود بإغداق المال عليهم

محمد عزو حلوب.. الطفل الذي كبر ليخون قريته
TT

محمد عزو حلوب.. الطفل الذي كبر ليخون قريته

محمد عزو حلوب.. الطفل الذي كبر ليخون قريته

كان محمد عزو حلوب، الذي نشأ وترعرع في قرية «علوك» الواقعة في شمال شرقي سوريا، شابا محترما بكل المقاييس. وقد عرفه أهل القرية منذ نعومة أظفاره، ثم شاهدوه وهو يكبر ليصبح مدرسا بإحدى مدارس القرية، ثم ليتحول في ما بعد إلى مهنة المحاماة. كان محمد رب أسرة في الثلاثين من عمره، وكان يعول ثلاثة أطفال. يقول عبد الرحمن وهو يهز رأسه في حزن «لقد اعتقدنا أنه مهذب ومتحضر». وكان هناك شيء واحد يميزه عن باقي شباب القرية، يضيف عبد الرحمن «كنا نعرف أن والده كان رجلا متشددا في تدينه، لكن لم يخطر ببالنا أبدا أن يسير محمد على خطاه».

ولم يعد محمد يعيش في «علوك» حتى يروي لنا وجهة نظره في تلك الوقائع. لكن المقاتلين مجهولي الهوية الذين يتجمعون حول مائدة معدنية، تظهر عليها رسوم قلوب حب وشعار «وحدات حماية الشعب» الكردية، في ظهيرة مشمسة من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) يقولون إن محمد هو المسؤول عن الهجوم المدمر الذي شنته جماعة «جبهة النصرة» الإسلامية المتشددة ضد قريته قبل شهرين.

لكن عبد الرحمن، وهو رجل ممتلئ الجسم ذو شارب كثيف، تكفل بسرد تفاصيل الواقعة، بينما كان الشبان، الذين معه، يعلقون على تلك التفاصيل. يقول عبد الرحمن والشبان إن محمد لم يبد أبدا أي اهتمام بالسياسة حتى بداية الثورة السورية. وحالما بدأت الثورة أخذ محمد في الحديث عن ازدرائه للنظام وعن ذلك البديل الذي يرى أنه ينبغي أن يحل محل ذلك النظام. يضيف عبد الرحمن «بعد أن اشتعلت الثورة بدأ محمد في إظهار أفكاره الإسلامية المتشددة، معتقدا أن ذلك هو السبيل الوحيد لمواجهة النظام. وترسخ في ذهنه أن الدولة الإسلامية سوف تكون البديل الأمثل لذلك النظام عندما يسقط».

بحلول شهر سبتمبر (أيلول)، كان شبح الدولة الإسلامية يقترب بشدة من قرية «علوك». فعلى بعد كيلومترات قليلة جهة الغرب من «علوك»، كان نصف مدينة «رأس العين» قد وقع تحت سيطرة «جبهة النصرة» بعد هجوم استغرق أياما قليلة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وفي الأشهر الأولى من عام 2013، كان وجود «وحدات حماية الشعب» هو الذي منع تقدم الإسلاميين في المناطق الكردية. وتسيطر «وحدات حماية الشعب» على معظم مناطق الشمال في سوريا.

غير أن وجود «وحدات حماية الشعب» في قرية «علوك» كان أكثر تعقيدا من المدن والقرى الأخرى المجاورة التي كانت تتمركز فيها، ويرجع ذلك إلى خصوصية قرية «علوك» العربية التي تقع وسط أراض كردية. وكثير من القرى العربية في تلك المنطقة هي صنيعة نظام حزب البعث في سوريا. ففي سبعينات القرن الماضي منح الرئيس حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، منازل وقطع أراض في الإقليم الكردي لعائلات عربية من خارج ذلك الإقليم. ويعتقد الكثيرون من سكان الإقليم أن تلك الخطوة كانت تهدف إلى استباق أي محاولة للانفصال من جانب الأكراد، بيد أن قرية «علوك» تمثل حالة مختلفة. يقول أحد سكان القرية «لقد عشت في هذه القرية منذ عام 1958. لقد وُلدت فيها وولد فيها أيضا والدي. نحن أهل هذه الأرض، ولسنا منقولات يستخدمها الدخلاء».

وقد جرى الهجوم بالفعل على إحدى نقاط التفتيش التابعة لـ«وحدات حماية الشعب» المتمركزة خارج القرية قبل الهجوم الذي حدث في سبتمبر (أيلول)، ويعتقد مقاتلو «وحدات حماية الشعب» أن يكون رفاق محمد هم الذين قاموا بذلك الهجوم. يعلق عبد الرحمن على ذلك الهجوم قائلا «لقد كانت لديهم معلومات لوجيستية عن نقطة التفتيش، فقد علموا عدد الأشخاص الذين كانوا يقومون بحراسة تلك النقطة. كما أن بعض أصدقاء محمد يكنون مواقف عدائية ضد وحدات حماية الشعب، وقد صرحوا كثيرا بأنه لا ينبغي أن تكون نقطة التفتيش في ذلك الموقع».

في غضون ذلك، لم يشاهد أحد محمد في قرية «علوك» على مدى عدة أسابيع. وعندما استيقظ سكان القرية على أصوات إطلاق النار في الساعات الأولى من صباح الرابع عشر من سبتمبر (أيلول)، أصيب عبد الرحمن بصدمة كبيرة عندما شاهد محمد بين عناصر «جبهة النصرة» التي شنت الهجوم على القرية. يقول عبد الرحمن «لقد رأيته بأم عيني، ولم أصدق ذلك في بداية الأمر، فقد كان أحد أبناء تلك القرية، وله أصدقاء وأبناء عمومة وأقارب كثيرون هنا».

لقد كان هو نفس الشخص الذي عرفه عبد الرحمن على مدى ثلاثين عاما - طويلا، ممشوق القوام، ذا شعر أسود - لكن كان هناك تغيير واحد في صفاته الجسدية، فقد أطلق لحيته على الطريقة الإسلامية، التي يعلق عليها عبد الرحمن بقوله «كان قد أطلق لحيته، لكنه أزال شاربه. لقد غير من شكله كثيرا عندما انضم لجبهة النصرة».

ولم يعرف أحد على وجه الدقة متى ولماذا قرر محمد الانضمام للإسلاميين. يقول بعض المقاتلين الشباب إنه كان يتصل ببعض شباب القرية، محاولا إقناعهم بالانضمام إليه مع وعود بإغداق المال عليهم إذا ما انضموا إليه بالفعل. وتناهى إلى سمع آخرين أنه كان يعمل في محكمة تطبق الشريعة الإسلامية تديرها «جبهة النصرة» في مدينة «رأس العين». بيد أنه لم يشك أحد في أن محمد هو من قام بتنسيق الهجوم الذي شنته «جبهة النصرة» ضد قرية «علوك».

ويصف عبد الرحمن حالة محمد حينما حانت ساعة الهجوم بأنه «بدا فخور ومتباهيا بنفسه لدرجة كبيرة». وخاطب أهل القرية قائلا «لن يستغرق الأمر وقتا طولا، سوف نقوم بتطهير القرية ونطرد منها وحدات حماية الشعب». وأضاف أن «هناك دبابات قادمة للمعاونة».

ولم يمكث أهل القرية في «علوك» حتى يعرفوا ماذا تعني كلمة «تحرير» على طريقة «جبهة النصرة»، فقد فر معظمهم إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في «رأس العين»، ولم يعد الكثير منهم حتى الآن إلى «علوك». وما زالت الآثار التي خلفها هجوم «جبهة النصرة» في الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) باقية شاهدة على ذلك الهجوم.

وفي صوت تملؤه الكراهية، يصف «حسن منير الشهاب»، أحد المدرسين العاملين في مدرسة القرية، كيف أطلق الإسلاميون، لدى دخولهم القرية، قذائف دبابتهم التي اخترقت جدران المدرسة قبل خمسة أيام فقط من بداية العام الدراسي الجديد. ويضيف حسن «كان هناك أكثر من ثلاثمائة مقاتل من جبهة النصرة يحاصرون القرية، دخل نحو ثلاثين منهم المدرسة على ظهر إحدى الدبابات». ويعتقد حسن أنهم كانوا يحاولون الاستيلاء على المبنى حتى يستخدموه كثكنة وقاعدة عسكرية في القرية.

وعندما اندلع القتال، فر حسن هاربا من القرية، وعندما عاد اكتشف أن منزله قد جرى تدميره هو الآخر. ممسكا بيده بعض الصور لعائلته التي أرانا إياها وقد بدت عليها علامات الاحتراق، يصف حسن تدمير منزله بقوله «لقد دخلوا منزلي وقاموا بإحراق صور جدي وأولادي». ويمضي حسن قائلا «يقولون إنه من الخطأ وإثم محرم شرعا أن يقوم احد بتعليق صور البشر على الجدران، وفي المقابل لا يعتبرون ما يقومون به من قتل وحرق من الآثام المحرمة شرعا».

ويتشارك حسن وعبد الرحمن في وجهة النظر القائلة بأن الإسلاميين الذين هاجموا قريتهم ليسوا سوريين، بل أجانب. يقول حسن «لقد كانوا مقاتلين من ماليزيا وأفغانستان وباكستان. قالوا إنهم جاءوا هنا ليعلمونا أصول ديننا. لكني أعتقد أنهم ليست لهم علاقة ببلدنا، لقد جاءوا فقط لتدميرها».

استغرق الهجوم على «علوك» خمسة عشر يوما. وبحلول الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، استطاعت «وحدات حماية الشعب» طرد الإسلاميين من القرية، وأعاد حسن فتح المدرسة. يقول حسن «حاولنا إصلاح بعض الفصول حتى يتمكن الطلبة من استئناف الدراسة. وقد أتلف الإسلاميون بعض كتب المدرسة أثناء الهجوم أيضا. وقد عاد نحو نصف طلبة المدرسة إلى أحد المباني حيث تخترق الرياح الثقوب التي أحدثتها قذائف الدبابات وتصدر صفيرا شديدا.

في غضون ذلك، راح الأطفال يمرحون في شوارع «علوك» ويلعبون بطلقات الخرطوش المتناثرة في الطرقات والتي جرى استخدامها أثناء الهجوم، لتبقى تلك الطلقات راسخة في أذهانهم وشاهدة على معركة شرسة جرت على أرض قريتهم.

ويبدو سكان قرية علوك الآن مجمعين على دعمهم لوجود «وحدات حماية الشعب» في قريتهم. ويخبرنا أحد سكان القرية، الذي رفض ذكر اسمه، عن الطريقة التي أحرق بها المقاتلون الإسلاميون منزله انتقاما منه بعد علمهم بأنه ساعد اثنين من مقاتلي «وحدات حماية الشعب» المصابين في الوصول إلى المستشفى وقد تخفوا في ملابس نسائية. يقول هذا الرجل «منذ البداية تجمعنا علاقة جيدة بوحدات حماية الشعب، والآن أنا أثق بهم أكثر من ثقتي بشقيقي، فهم يواجهون الموت من أجل حمايتنا، وبينما نخلد نحن للنوم، يقومون هم بحماية قريتنا».

ومنذ هجوم «جبهة النصرة، انضم كثير من رجال القرية مثل عبد الرحمن ورفاقه إلى الميليشيات الكردية للقتال معهم. يقول عبد الرحمن «انضم الكثير من أهل القرية إلى وحدات حماية الشعب لأننا وجدنا أن ذلك هو السبيل الوحيد لنبقى آمنين». ويرى أهل قرية «علوك» أن الوضع الحالي ليس حربا بين الأكراد والعرب أو حتى صراعا من أجل أو ضد النظام. هم يرون أنه ببساطة صراع من أجل منازلهم وعائلاتهم وأمنهم، وهذا الأخير لا يوفره لهم الوقت الحاضر إلا «وحدات حماية الشعب».

وقد اختفى محمد مع عائلته من قرية علوك، وجرى اتهام أصدقائه بمساعدة «جبهة النصرة» في هجومهم على نقطة التفتيش وجرى القبض علهم وإيداعهم سجون «وحدات حماية الشعب». وعندما طلبنا من المقاتلين إن كان باستطاعتنا مقابلتهم، كان ردهم سريعا وحاسما، قالوا لنا «مستحيل». ولم تكن هناك محاكمات أو اعتراف بالذنب، لكن هنا في قرية «علوك» شُوهت سمعة محمد عزو حلوب وأصبح ذلك أمرا حتميا مثل مصيره المحتوم الذي سيلقاه إذا حدث وعاد للقرية. يقول عبد الرحمن «إذا عاد سوف نذبحه».



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.