لماذا نكتب؟

TT

لماذا نكتب؟

لعلّه كان على حق ذلك المُذهَّب الفم!
الكلمة التي منها يتشكّل العالم، والاسم الذي يفسِّر كل ما كان قبله، والذي من دونه ما كانت الأشياء. ما كانت من غير اسم تُعرف به، وكلمة تُعرِّف عنها.
ولكن إذا كنا نكتب بسبب من ذلك، فمن أجل ماذا نكتب؟
لأننا لا نعرف سبيلاً أفضل لنقول ما نشعر بحاجة ملّحة لقوله؟ لنعيش حياة أخرى؟ أم لنعيش حياتنا خلافاً لما نعيشها؟
لأننا قرأنا، وعشنا وعانينا، ولا نملك وسيلة أفضل لمواجهة الحياة ومخادعة الموت؟
لأن الكلمة نافذة على القلق، وفخٌّ، ونحن كائنات يجذبها العذاب؟
لنحبّ؟ أم «لكي يحبّنا أكثر من نحبّهم» كما قال لي يوماً غابرييل غارثيّا ماركيز؟ أم لأن الكتابة «ضربُ حياة» كما كان يقول فلوبير ويحلو لفارغاس يوسا أن يقتبس عنه؟ أم لأن «الكتابة مسلك حياة» كما علّمنا لوركا؟
لأننا هنا ونتوق إلى أن نكون هناك؟ لكي نغوص في المتاهات من غير رغبة في الخروج منها؟
لنستحضر الطفولة ونسّمر الذكريات على جدران العمر؟ ولأن المتعة مرتبة أدنى بكثير من الكتابة؟ أم لنسكب العطر فوق أعناق الورد وفاءً لمن لم يعودوا قادرين على قراءتنا؟
لأننا نهوى الإدمان على الوحدة، وننعم بها؟ ولأننا نتلذّذ إذ نتفنّن في اللعب على حبال الكلام وتعذيب الكلمة وإعمال الإزميل في رخامها بقدر ما تُجيز اللغة كما فعل المسعدي في «السّد» وغطّاس كرم في «كتاب عبد الله»؟
لنقطف أزهار البراري ونجني معقود الثمار بالقلم، ونُسكِن الجمال في عرزال الكلِم؟
لأن العقل يتواصل مع اليراع أفضل من تواصله مع اللسان؟ ولأننا، عندما نكتب، يتسنّى لنا أن ننتقي الكلام من غير أن يقاطعنا أحد أو نيأس من عدم عثورنا على الكلمة المناسبة؟
لأننا نصبو إلى رؤية الواقع عبر ما نتخيّل؟ أم لأننا بحاجة لنحاول معرفة الذات، والحياة، والسبب الذي لأجله خلقنا، ولماذا نموت... ونكتشف أن لا سبيل إلى ذلك إلا عبر عالم يسكنه ناسٌ خرجوا من مخيلتنا؟
لنحاول التشّبه بأولئك الذين رحلوا في العقد الثالث من عمرهم بعد أن عاشوا حياة زاخرة بكل ضروب المغامرات، وكتبوا الروائع، وناضلوا في السياسة وحاربوا إلى جانب المقهورين وتصدّوا لكل أشكال الطغيان وذاقوا الاضطهاد والسجن والقمع والمنافي... ومرّ الغرام؟
لأن الكلمة ماءٌ، والحكايات جداول وأنهار تحمل الماء الذي يتحكّم الكاتب بمجراه كما فعل دوستويفسكي وفلوبير وديكينز وبالزاك، أو يبحر عكس مجراه كما فعل بروست وجويس؟
لأننا لا نستطيع مقاومة الكتابة عندما تستدرجنا أو تنادينا، ولأننا عندما نضع شخصيات في مواقع معيّنة نستحضر جوانب من حياتنا ونُنهضها من عثراتها، فكأنما ننقذ أنفسنا ونتوب عن آثامنا؟
لنُسمِع أصوات من لا يصغي أحد إليهم يتألمون أو يفرحون أو يناضلون؟
لأن الكتابة نبض حياة لا محالة منه، كالجوع أو العطش، إن سدّيناه ارتوينا منه ومنحنا اللذة، وإن دام إدماناً؟
لأن في الكلمة المكتوبة خلوداً، ولأن الجنّة في الكتب، ولأن الكتابة أرفع مراتب التحرر؟ أم لأن ما نكتبه نهديه لمن نحب لكي يعرفوا، عندما يقرأون لنا، أننا ما زلنا نحبهم، ولنقول لهم: هذه قصعة من حياة انظروا ماذا فعلنا بها؟
لأننا لسنا سوى مقلِّدين لمن سبقوا، وحلقة في سلسلة الموروث التي لا تعرف انقطاعاً؟
لأننا لا نتقن العزف على آلة موسيقية ولا الرقص ولا الغناء، ولا حل المسائل الحسابية المعقّدة، ولا كرة القدم، ولا التنقيب عن الآثار، ولا تجويد القرآن، ولا عبور المحيط، ولا النجارة، ولا زراعة البقدونس، أو الأداء على المسارح، ولا إدارة مصرف يبتزّ الناس، ولا مواساة أولئك الذين فقدوا عزيزاً أو منزلاً أو موطناً؟
أم لأننا أمضينا العمر سعياً وراء وسيلة نرسم بها تلك البسمة التي راحت تنسدل كالندى على المحيّا الذي كانت تشرق الشمس منه كل صباح... ولم نجد غير الكتابة؟



مصر لترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد

استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)
استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر لترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد

استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)
استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)

تستعد مصر لترميم وتطوير عدد من المناطق الأثرية بمحافظات الصعيد (جنوب مصر) مع انطلاق موسم الشتاء،

من بينها منطقة أبيدوس الأثرية، و«الأوزيريون» ومعابد كل من الملك سيتي الأول والملك رمسيس الثاني بمحافظة سوهاج.

وتولي مصر اهتماماً كبيراً بمشروعات الترميم والتطوير الجارية، خصوصاً بمحافظات الصعيد؛ بما يساهم في الحفاظ على المواقع الأثرية وفتح أماكن سياحية جديدة لجذب مزيد من السائحين، وفق وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، في بيان الجمعة.

وتابع الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، آخر مستجدات الأعمال التي تقوم بها البعثة المصرية الأمريكية المشتركة العاملة في منطقة (الأوزيريون) بسوهاج، منها أعمال التوثيق الأثري وحفظ وترميم وصيانة جميع المعالم الأثرية بالمنطقة وخلق مسارات زيارة جديدة، وعمل لوحات إرشادية وتعريفية؛ لتسليط الضوء على ما تتميز به المنطقة من آثار فريدة، وتطوير وتهيئة المنطقة تمهيداً لإعادة افتتاحها مرة أخرى أمام الزائرين بشكل متكامل.

ويرى المؤرخ والمحاضر الدولي في التاريخ والحضارة، بسام الشماع، أن معبد أبيدوس يستحق الاهتمام به لما يشكله من تاريخ موغل في القدم بالنسبة للحضارة المصرية القديمة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المنطقة وجدت فيها آثار ونقوش لعصور ما قبل بناء الأهرامات، والبدايات الأولى للكتابة الهيروغليفية كانت في هذا المكان».

ودعا المؤرخ المصري إلى الاهتمام بأبيدوس تماماً بالدرجة نفسها التي يتم بها الاهتمام بمنطقة الأهرامات وأبو الهول، مشيراً إلى أنه يعد «أبيدوس مع سقارة مع طرخان يشكلون أهم 3 جبانات مصرية قديمة، وأن أبيدوس مازال بها كثير من الأسرار التي لم يتم اكتشافها بعد».

وكما ثمن الشماع اهتمام الوزارة بمبنى الأوزيرون، عادّاً هذا المبنى لم يأخذ حقه، لما يمتلكه من تاريخ باهر وحضارة عريقة وتفاصيل متنوعة.

وخلال جولته بسوهاج تفقد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار معبد الملك سيتي الأول، لمتابعة أعمال التطوير وتنظيف أسقف صالتي الأعمدة بالمعبد وإزالة السناج والأتربة التي تغطيها، مما يساهم في إظهار الألوان الأصلية للمعبد ورؤية النقوش بشكل أوضح. وتابع أيضاً أعمال الترميم الجارية بمعبد الملك رمسيس الثاني التي تقوم بها البعثة الأميركية من جامعة نيويورك.

قطع أثرية تحكي سيرة حاكم الصعيد وني (وزارة السياحة والآثار)

وتضمنت الجولة أيضاً متحف سوهاج القومي، ومعرض مقتنيات مقبرة حاكم الصعيد «وني» التي تم اكتشافها عام 1858 على يد عالم الآثار الفرنسي مارييت.

وهو ما وصفه المؤرخ المصري بأنه «كانت له أياد بيضاء على العلوم العسكرية في مصر القديمة»، موضحاً أن «القائد العسكري وني أضاف استراتيجيات جديدة في الحروب، وأعدّه من الشخصيات البارزة في زمنه فلم يكن مجرد حاكم أو قائد عسكري بل كان عقلاً مدبراً ومخططاً ومنجزاً للعديد من الانتصارات المصرية، لذلك أتمنى أن يجوب معرضه كل أنحاء مصر».

ومن بين مقتنيات مقبرة وني، وفق مدير متحف سوهاج القومي الدكتور علاء القاضي، «أعمدة الأركان الحجرية ذات النقوش، وصورة بانورامية لبناء من الطوب اللبن الضخم الخاص بالمقبرة، وعدد من المسلات الحجرية الصغيرة المنقوشة لـوني، والأبواب الوهمية للمقبرة ومجموعة من كتل عناصر المقصورة المزينة بنصوص هيروغليفية ومناظر جنائزية، ونحو 50 لوحة تعليمية مزودة بالصور والخرائط والرسوم التوضيحية الفوتوغرافية والبانورامية لتعريف الزائرين بالمعلومات الأثرية والتاريخية عن الحاكم وني ومقبرته».