تعاني الأسواق في جميع أنحاء العالم من خسائر بعد أن اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطوة أخرى، مقترباً من حرب تجارة مفتوحة مع الصين، ومساء أول من أمس أصدر ترمب تعليمات إلى المسؤولين الأميركيين بوضع خطط لتعريفات على 200 مليار دولار من الواردات الصينية، في أحدث خطوة انتقامية بين البلدين.
وبرر ترمب تصرفه كرد على «الرد الصيني»، إذ حددت الصين 50 مليار دولار من الرسوم الجمركية على المنتجات الأميركية خلال عطلة نهاية الأسبوع، كخطوة انتقامية من التعريفات الأميركية الأصلية التي وُضعت في وقت سابق من العام الجاري، وتنحرف هذه الممارسات المتمثلة في الضغط الشديد والتصعيد المتبادل عن توافق الرأي الذي توصل إليه الطرفان خلال العديد من المفاوضات، كما أنها خيبت أمل المجتمع الدولي.
ويرى خبراء أنه في حال استمرار الجانب الأميركي في إصدار القائمة المنتظرة، فإن الصين ستضطر إلى اتخاذ تدابير شاملة من حيث الكم والكيف من أجل اتخاذ إجراءات مضادة قوية.
ورغم تأكيدات دائمة في أوساط المحللين والخبراء بعدم جدوى الحرب التجارية وأنها لن تفيد أحداً، فإن أمل المجتمع الدولي لا يزال معلقاً دائماً بأن الحرب لن تحدث في الواقع، خصوصاً أن الاقتصاد الصيني يمر بعملية تخفيض كبيرة في الديون، كما أن حجم الواردات الأميركية في الصين (وهي الواردات التي ستُفرض عليها تعريفات انتقامية) سينفد قريباً، وهي أمور من شأنها أن تنقل التفاوض إلى منطقة أكثر ديناميكية وبناءً.
وعلى الطرف الآخر يُتوقع أن تفرض الصين تعريفات أعلى من 10% إذا أرادت فعلاً أن ترد على التعريفات الانتقامية لترمب. ويدور السؤال المقلق الآن حول كيفية توجه بكين إلى الانتقام من تصرف الرئيس الأميركي، حيث يمكن أن تؤدي الخطوة الانتقامية الصينية إلى رفع أسعار المدخلات، الأمر الذي سيدفع الشركات الصينية إلى تمرير التكاليف المتزايدة إلى المستهلكين أو تآكل الأرباح؛ وهي في كلتا الحالتين ليست بالنتيجة المواتية.
وتشير التطورات الأخيرة إلى تراجع الانفراج الأخير في محادثات التجارة بين الطرفين، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبكين رقصة اقتصادية تميزت بما أطلق عليه المحللون «خطوتان إلى الخلف لكل خطوة إلى الأمام».
وأصبح خطر نشوب حرب تجارية شاملة بين الولايات المتحدة والصين أكثر واقعية لطرفين لا يريدان التراجع، خصوصاً أن كل طرف يستخدم تهديد الحرب لتعزيز الموقف التفاوضي، لكن على المدى الطويل يمكن أن يكون موقف السياسة الأميركية أضعف، مع استعداد لإجراء انتخابات نصف المدة. وما يثير قلق الجانب الأميركي رد الصين وإمكانية تضرر الشركات الأميركية الكبيرة، مما يحوّل الرأي العام الأميركي إلى معارضة التعريفات الجمركية.
ويرى مايلز باين، محلل أسواق المال في مجموعة «صن غروب» الأميركية، في تحليله لـ«الشرق الأوسط»، أن المستثمرين على حق في القلق. ورجّح باين أن يؤدي أي انتقام من بكين إلى تأجيج الحرب التجارية المتصاعدة مع واشنطن، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على الأسهم ويزيد من معدلات المخاطرة.
وفعلياً ليس المستثمرون وحدهم المضطربين من الوضع الحالي، لأن تحول أكبر القوى العظمى في العالم إلى الحمائية له تداعيات عالمية، فربما تنمو الشركات الدولية بشكل أقل تنافسية بسبب التعريفات الجمركية، ويمكن أن ترتفع تكلفة المواد الخام التي يتم شراؤها من الخارج بنسب تتراوح من 10 إلى 20%، غير أنه من المحتمل أن أي إجراء إضافي من الولايات المتحدة أو الصين قد يضع حداً لصعود الأسواق الحالي، والذي كان من المتوقع أن يمتد حتى نهاية العقد.
وترجع تصرفات ترمب الحالية لحملته الانتخابية عام 2016، حين وعد بحماية الوظائف الأميركية وإعادة التفاوض بشأن العجز التجاري الأميركي مع دول العالم، حيث تعاني الولايات المتحدة من أكبر عجز تجاري في العالم (بمعنى أنها تشتري المزيد من السلع والخدمات من دول أخرى أكثر من التي تبيعها في الخارج)، وذلك بقيمة بلغت 568 مليار دولار العام الماضي، والصين لها نصيب الأسد من هذا العجز في ما يتعلق بالسلع، حيث تصدّر للولايات المتحدة بما يقرب من 376 مليار دولار أكثر مما اشترت من المنتجين الأميركيين.
ومن المتوقع أن تضر الحرب التجارية بين قطبي الاقتصاد العالمي بأرباح الشركات، الأمر الذي من المرجح أن يؤدي إلى ضعف نمو الأجور والمزيد من خفض الوظائف، في وقت حساس للاقتصاد العالمي.
ومن حيث المبدأ، لا يمكن استبعاد أيٍّ من سيناريوهات التفاوض أو التصعيد في الأسابيع القادمة؛ لكن الموقف بشكل عام يبدو ممزوجاً بكثير من الاضطراب والتوتر، مع احتمالات واسعة لاندلاع حرب تجارية شاملة بين أكبر اقتصادين في العالم.
ومن حيث التأثيرات الاقتصادية، فإن 25% من التعريفات الأميركية على 50 مليار دولار، بالإضافة إلى 10% من الرسوم الجمركية على الواردات بقيمة 200 مليار دولار من الصين، مع قيام الصين برد مماثل، أو ما يعرف بـ«واحد إلى واحد»، من شأنه أن يقلل من نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل وفقاً لأسعار التضخم) في كلٍّ من الصين والولايات المتحدة بنحو 0.3% و0.2% على التوالي خلال 2019-2020.
ولا يبدو أن هناك شكاً في أن المستثمرين كانوا أكثر سعادة بالسياسات الاقتصادية الأميركية العام الماضي عندما ركزت على التخفيضات الضريبية، عن العام الجاري عندما تحولت إلى الحمائية التجارية.
ويخشى باقي الدول من الشظايا والأضرار الجانبية الناجمة عن تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، والتي من المتوقع أن تصل إلى العديد من الدول الآسيوية التي تشكل جزءاً من سلسلة الإنتاج الصناعي في الصين، وفي قطاعات مثل المنتجات الكهربائية والإلكترونية.
دائرة الانتقام الأميركية ـ الصينية تدخل مراحل الخطر
تَساوي فرص سيناريوهات التفاوض والتصعيد يدفع العالم إلى منطقة القلق
دائرة الانتقام الأميركية ـ الصينية تدخل مراحل الخطر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة