تناسل الإبداع في حياة واحدة

إبراهيم نصر الله في «كتاب الكتابة»

إبراهيم نصر الله
إبراهيم نصر الله
TT

تناسل الإبداع في حياة واحدة

إبراهيم نصر الله
إبراهيم نصر الله

ثمة كتب تظلم أخرى، ومناسبات تحجب غيرها. ووسط ضجيج فوز إبراهيم نصر الله بجائزة «البوكر» للرواية العربية، عن روايته «حرب الكلب الثانية»، لم يأخذ كتاب جديد له حظه من الاهتمام، رغم أنه يلقي الضوء على سيرته منذ الطفولة، مروراً بتجربته الكتابية الطويلة وانتقاله من الشعر إلى الرواية، وطقوسه الكتابية... وكذلك آراؤه وتقلباته، وعلاقته بالسينما التي ابتدأت مبكراً جداً. ويضم المؤلف نصوصاً إبداعية ومجموعة من القصائد المؤتلفة تحت عنوان: «الطغاة لا يستوردون ضحاياهم»، ويقدم له الدكتور محمد عبد القادر بدراسة موجزة وشيقة.
ومع أن هذا الإصدار الذي يحمل اسم «كتاب الكتابة: تلك هي الحياة... ذاك هو اللون» ويزيد على 300 صفحة، هو جمع لمقالات ونصوص ومشاركات في مؤتمرات، إلا أن نصر الله يعدها شهادات كتبت على مدار ثلاثين سنة «تضيء على زوايا كثيرة متعلقة بهواجس التجربة الأدبية وتحولاتها، وإلى ذلك تجربة الكتابة نفسها وتقنياتها شعراً ورواية... كما تتناول جانباً من التجربة الحياتية المتقاطعة مع الأدب، خاصة في سنوات التكوين الأولى وبدايات الشتات الفلسطيني وآثاره المستمرة».
نشأ نصر الله في أسرة مكونة من عشرة إخوة بينهم أربع بنات، وتلقى دروسه الأولى في صف أشبه بخيمة في مخيم «الوحدات» للاجئين الفلسطينيين في الأردن. الوالدان الأُمّيان أدركا باكراً معنى تزويد أولادهم بنور الكلمات. وحين ذهب إبراهيم إلى المدرسة كان عليه أن يتقاسم الكتاب الواحد مع ثلاثة أو أربعة أطفال. حلم بأن يكون كتابه المدرسي له وحده، ثم حلم بأن يكون له كتاب ليس للآخرين، فعرف طريقه إلى المكتبة، وبدأت رحلة القراءة...
هكذا يأخذنا نصر الله في ما يشبه رحلة اعترافات طويلة. لعلها ليست معلومات حميمة وسرية، لكنها تساعد القارئ على فهم كواليس حياة أديب غزير قرأ له شعراً ونثراً، فيتعرف على الخلفيات ويدرك كيف أن اللاجئ الفلسطيني الصغير، كان عليه أن يجتاز نيراناً كثيرة ومخاطر جمّة. فقد وقعت مذبحة كفر قاسم وحرب 1956 وهو لا يزال في الثانية من العمر، وحين وقعت النكسة لم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة، أما في «أيلول الأسود» فقد كان في السادسة عشرة، فتهدم جزء كبير من بيت العائلة وكاد كاتبنا يكون في عداد القتلى. بعد ذلك يقول نصر الله «عشت أكثر من سبع حروب وعشرات المجازر... كنت أتمنى أن أؤرخ حياتي بقصص فتيات أحببتهن، لا بالحروب التي كانت تشن علينا بمعدل مرة كل ست سنوات، فنأخذ أطفالنا للموت بدل أن نمضي بهم فرحين إلى مدارسهم». كان حلمه أن يتعلم الموسيقى، ولم يكن ذلك ممكناً، تمنى أن يذهب إلى الجامعة، لكن الظروف المالية لبيت الاثني عشر فرداً كانت صعبة، ولم يتح له سوى دخول دار المعلمين. من بعدها وجد نفسه متوجهاً إلى السعودية ليعمل مدرساً. ويقول: «هناك ولدت بذرة روايتي الأولى (براري الحمى)؛ حيث أمضيت الوقت وأصدقائي في الغربة، ونحن نحدق في الموت، مرة يختطف أحدنا، ومرة أحد طلابنا الصغار»، سنتان عاد بعدهما بتأثير الحزن وتأثير آخر هو كتابات غسان كنفاني التي شرعت أمامه أبوابا جديدة.
الكتابة بالنسبة لإبراهيم نصر الله كمشرد فلسطيني «مسألة وجودية»، وهو هنا لا يستعير مقولة ديكارت: «أنا أكتب؛ إذن أنا موجود» بقدر ما يعد نفسه في تحد أمام مقولة غولدا مائير الاستفزازية الظالمة: «لو كان الفلسطينيون شعباً لكان لهم أدب». هذا لا يجعل الكاتب يتخلى عن فرديته ولا إنسانيته؛ «فالإنسان أكبر من الوطن، لأنه هو ما يجعل الوطن وطناً فعلاً أو جحيماً».
ليس الكتاب الصادر عن «الدار العربية للعلوم (ناشرون)» كله عن علاقة الأديب بالوطن؛ بل عن ذاته وطقوسه أيضاً. فهو كائن نهاري، وهذه عادة اكتسبها في بيت صغير محتشد، ينتهز فرصة خروج الجميع للعمل كي يتمكن من الاختلاء بأوراقه وكتبه، ولا يتذكر سوى قصيدة شذت في موعدها عن هذه القاعدة. لكن منذ تفرغ كلياً للكتابة عام 2006 تخلقت عادات جديدة وبات بعض العمل في المساء ممكنا، لكن دون قهوة «كي لا يختلط الأبيض بالأسود».
وكما غالبية كتّاب جيله، خاض أديبنا معارك للانتقال من القلم والورقة إلى الكومبيوتر. في البدء تعامل مع هذا الجهاز الجديد كعدو. لكن ذات يوم من عام 1997، وصل إلى قراره النهائي... «لا بد من الكومبيوتر. إن لم يكن اليوم فغداً! هذا القرار العقلي، لم يكن أكثر من إلحاق الهزيمة بالعدو في الحلم، لكن من قال إن معركة الحلم دائماً فارغة من معناها». حين أوصل عمال مهرة الجهاز «أكثر ما خشيته أن يستديروا ويتركوني معه وحيداً، لا أعرف ما علي أن أفعل». لكن الحياة تغيرت بعد ذاك اليوم... «لقد بدأت مثلاً بكتابة (طيور الحذر) وعمري ستة وثلاثون عاماً، وأنهيتها في الأربعين. إن مجرد التفكير بذلك يبعث على الهلع، لأن الرواية تقتضي كتابة أولى وثانية وثالثة ورابعة»... وهو ما أصبح غير ضروري على الإطلاق.
قي الكتاب يتحدث نصر الله عن ولادة بعض رواياته التي تناسلت واحدتها من الأخرى، من باكورته «براري الحمى» إلى «الأمواج البرية»، و«عو» وكذلك «مجرد 2 فقط»، و«حارس المدينة الضائعة»، و«زمن الخيول البيضاء»، ثم مشروع الشرفات «شرفة الهذيان»، و«شرفة رجل الثلج»، و«شرفة العار»، و«حرب الكلب الثانية» التي نال عنها مؤخراً «جائزة الرواية العربية (البوكر)». وعن هذه الرواية يقول إن المستقبل هو عمودها الفقري، وإنه حين رغب في كتابتها ونضجت فكرتها شعر بأنها «رواية لا يمكن أن تؤجل». وبدا تأليفها «كالإقامة في الجحيم، رغم كل السخرية السوداء التي تطل من صفحاتها».
«كتاب الكتابة» لا يرسو على شاطئ إبداعي كما حال صاحبه الذي أصدر ما يزيد على أربعين مؤلفاً، تنوعت محتوياتها بين رواية وشعر ودراسة، عدا المقابلات الكثيرة، والمقالات التي جمع بعضها وبقي البعض الآخر. الأنواع الأدبية والفنية التي استهوت نصر الله أو استغرقته تغذى بعضها من بعض وأكمل أحدها الآخر. هو يعد نفسه صاحب مشروع، لم يرسم استراتيجية محددة ينتهجها لبلوغ الهدف، لكنه يعرف ما يريد، وبوصلته هي تلك النصيحة التي يسديها لنفسه باستمرار: «اكتب بكل قلبك، لكي يقرأك القارئ بكل قلبه، وإذا ما كتبت بنصف القلب فلن يقرأك أحد».



«جوي أووردز» تحتفي بالفائزين بجوائزها في الرياض

الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
TT

«جوي أووردز» تحتفي بالفائزين بجوائزها في الرياض

الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)

بحضورٍ لافت من الشخصيات البارزة والمرموقة في عالم الفن والموسيقى والرياضة وصناعة الترفيه، أقيم مساء السبت، حفل تتويج الفائزين بالنسخة الخامسة لجوائز «جوي أووردز» (Joy Awards) لعام 2025 في العاصمة السعودية الرياض.

وبعد مشاركة واسعة وإقبال غير مسبوق من الجمهور في مرحلة التصويت، توافد نجوم عرب وعالميون إلى مقر الحفل الذي احتضنته منطقة «anb Arena»، ضمن فعاليات «موسم الرياض»، حيث انضموا بعد المرور على السجادة الخزامية إلى ‏ليلة استثنائية، في أكبر وأهم حفل للجوائز الفنية العربية بالمعايير العالمية.

ومنذ الساعات الأولى من الحدث، وصل نخبة من فناني ونجوم العالم، تقدّمهم الممثل والمنتج العالمي أنتوني هوبكنز، وصانع الأفلام الأميركي مايك فلاناغان، والممثل التركي باريش أردوتش، وأسطورة كرة القدم الفرنسي تييري هنري، وغيرهم.

توافد نجوم الفن إلى مقر حفل «جوي أووردز» في الرياض (هيئة الترفيه)

وواكب وصول النجوم عزف حي وعروض فنية في الرواق، بينما امتلأت باحة الاستقبال بالجماهير التي حيّتهم، وأبدى الضيوف سرورهم بالمشاركة في الحدث الاستثنائي الذي يحتفي بالفن والفنانين.

وأكد فنانون عرب وعالميون، لحظة وصولهم، أن الرياض أصبحت وجهة مهمة للفن، ويجتمع فيها عدد كبير من النجوم، لتكريم الرواد والمميزين في أداءاتهم وإنتاجهم، وتشجيع المواهب الواعدة التي ينتظرها مستقبل واعد في السعودية.

وانطلقت الأمسية الاستثنائية بعرضٍ مميز لعمالقة الفن مع المغنية والممثلة الأميركية كريستينا أغيليرا، وقدَّم تامر حسني ونيللي كريم عرضاً غنائياً مسرحياً، تبعه آخرَان، الأول للموسيقي العالمي هانز زيمر، وجمع الثاني وائل كفوري مع الكندي مايكل بوبليه، ثم عرض للأميركي جوناثان موفيت العازف السابق في فرقة مايكل جاكسون، قبل أن تُختَتم بـ«ميدلي» للمطرب التركي تاركان.

المغنية كريستينا أغيليرا خلال عرضها في حفل «جوي أووردز» (هيئة الترفيه)

وشهد الحفل تكريم الراحل الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن الذي ترك بصمته الكبيرة في عالم الفن بـ«جائزة صُنَّاع الترفيه الماسيَّة»، تسلّمها نجله الأمير خالد، قبل أن يُقدِّم المغني الأوبرالي الإيطالي الشهير أندريا بوتشيلي مقطوعة موسيقية كلاسيكية إهداء للراحل، و«ديو» جمعه مع فنان العرب محمد عبده.

وتُوِّج رائد السينما السعودية المُخرِج عبد الله المحيسن، والفنان عبد الله الرويشد، والموسيقار بوتشيلي، والممثل مورغان فريمان، والموسيقي هانز زيمر، والمخرج الكوري جي كي يون، والفنان ياسر العظمة، والمُخرِج محمد عبد العزيز بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»، والممثل الأميركي ماثيو ماكونهي بـ«جائزة شخصية العام»، والمخرج العالمي جاي ريتشي، والممثل الهندي هريثيك روشان، والمصمم اللبناني زهير مراد بـ«الجائزة الفخرية».

الفنان ياسر العظمة يلقي كلمة بعد تكريمه بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة» (هيئة الترفيه)

كما تُوِّج بـ«جائزة صُنّاع الترفيه الفخرية» الممثلة مريم الصالح، والممثلين إبراهيم الصلال، وسعد خضر، وعبد الرحمن الخطيب، وعبد الرحمن العقل، وعلي إبراهيم، وغانم السليطي، ومحمد الطويان. وقدّمها لهم سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي.

وفاز في فئة «المسلسلات»، سامر إسماعيل بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في «العميل»، وهدى حسين بـ«الممثلة المفضّلة» عن «زوجة واحدة لا تكفي»، والعنود عبد الحكيم بـ«الوجه الجديد المفضّل» عن «بيت العنكبوت»، و«شباب البومب 12» بـ«المسلسل الخليجي المفضَّل»، و«نعمة الأفوكاتو» بـ«المسلسل المصري المفضَّل»، و«مدرسة الروابي للبنات 2» بـ«المسلسل المشرقي المفضَّل».

أما في فئة «الإخراج»، ففازت رشا شربتجي بجائزة «مخرج المسلسلات المفضَّل» عن عملها «ولاد بديعة»، وطارق العريان بـ«مخرج الأفلام المفضَّل» عن «ولاد رزق 3: القاضية».

حفل استثنائي لتتويج الفائزين بجوائز «جوي أووردز» في الرياض (هيئة الترفيه)

وضمن فئة «السينما»، فاز هشام ماجد بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في «إكس مراتي»، وهنا الزاهد بـ«الممثلة المفضَّلة» عن «فاصل من اللحظات اللذيذة»، و«ولاد رزق 3: القاضية» بـ«الفيلم المفضَّل».

وفاز في فئة «الرياضة»، اللاعب سالم الدوسري كابتن فريق الهلال السعودي بجائزة «الرياضي المفضَّل»، ولاعبة الفنون القتالية السعودية هتان السيف بـ«الرياضيِّة المفضَّلة».

أما فئة «المؤثرين»، ففاز أحمد القحطاني «شونق بونق» بجائزة «المؤثر المفضَّل»، ونارين عمارة «نارين بيوتي» بـ«المؤثرة المفضَّلة».

وضمن فئة «الموسيقى»، تقاسَمت «هو أنت مين» لأنغام، و«هيجيلي موجوع» لتامر عاشور جائزة «الأغنية الأكثر رواجاً»، وذهبت «الأغنية المفضَّلة» إلى «الجو» لماجد المهندس، وفاز عايض بـ«الفنان المفضَّل»، وأصالة نصري بـ«الفنانة المفضَّلة»، وراكان آل ساعد بـ«الوجه الجديد المفضَّل».

الرياض وجهة مهمة للفن والرياضة تجمع كبار نجوم العالم (هيئة الترفيه)

وكتب المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، في منشور على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «بدعم مولاي الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو سيدي ولي العهد عراب الرؤية وقائدنا الملهم (الأمير محمد بن سلمان) اليوم نشهد النجاح الكبير لحفل توزيع جوائز جوي أووردز 2025».

وتعدّ «جوي أووردز»، التي تمنحها هيئة الترفيه السعودية، واحدةً من أرقى الجوائز العربية، وتُمثِّل اعترافاً جماهيرياً بالتميُّز في الإنجازات الفنية والرياضية ومجالات التأثير. ويُقدِّم حفلها أحد المشاهير الذي يمثل قيمة جماهيرية لدى متابعيه من جميع أنحاء العالم.

وشهدت جوائز صُنّاع الترفيه في نسختها الخامسة، منافسة قوية في مختلف فئاتها التي تشمل «السينما، والمسلسلات، والموسيقى، والرياضة، والمؤثرين، والإخراج»، مع التركيز على أهم الأعمال والشخصيات المتألقة خلال العام.

وتُمنح لمستحقيها بناء على رأي الجمهور، الأمر الذي صنع منها أهمية كبيرة لدى مختلف الفئات المجتمعية التي يمكنها التصويت لفنانها أو لاعبها المفضل دون أي معايير أخرى من جهات تحكيمية.