الرئيس التونسي: تغيير الحكومة أو رئيسها يتطلب المرور عبر البرلمان

السبسي لم يحسم مصير الشاهد

سهام بن سدرين رئيسة منتدى الحقيقة والكرامة تتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)
سهام بن سدرين رئيسة منتدى الحقيقة والكرامة تتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)
TT

الرئيس التونسي: تغيير الحكومة أو رئيسها يتطلب المرور عبر البرلمان

سهام بن سدرين رئيسة منتدى الحقيقة والكرامة تتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)
سهام بن سدرين رئيسة منتدى الحقيقة والكرامة تتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)

خصص الاجتماع، الذي عقد أمس بقصر قرطاج، بإشراف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، لحسم النقطة 64 من خريطة الطريق المتعلقة بتغيير الحكومة جزئياً أو تغييرها بالكامل، والاستغناء عن رئيسها الحالي. ولم يحسم الباجي في مصير حكومة يوسف الشاهد، أو مآل رئيسها المكلف من قبله على رأس حكومة الوحدة الوطنية، واستند في ذلك إلى ضرورة الرجوع للبرلمان، كما ينص دستور البلاد.
وفي افتتاح هذا الاجتماع، الذي ضم مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية الداعمة، والموقعة على «وثيقة قرطاج 2»، قال الباجي إن تغيير الحكومة أو رئيسها يتطلب أن يكون متوافقاً مع الدستور، وإنه في الوقت ذاته لا يستطيع أن يمنع من ينادون بتغيير الحكومة. وزاد الباجي بهذا الموقف جرعة من الغموض حول مصير حكومة الشاهد التي يدعو نجله حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب «النداء»، إلى تغيير رئيسها إثر تغيير أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر الباجي، في كلمة وجهها إلى ممثلي الأطراف السياسية والاجتماعية المشاركة، أن اجتماع أمس سيكون الأخير، وأن النقطة الخلافية التي لم يقع الحسم بشأنها تتعلق بتغيير الحكومة. وأضاف أن الحل الأخير لمقترح تغيير الحكومة جزئياً أو بشكل كلي ليس من صلاحياته، بل من صميم مسؤوليات مجلس نواب الشعب (البرلمان).
وردَّ الرئيس التونسي، الذي كلّف يوسف الشاهد قبل نحو سنة ونصف السنة بتولي رئاسة الحكومة، بهذا الموقف، على العريضة التي انطلق نواب في توقيعها للمطالبة بجلسة برلمانية عامة طارئة بعد توجيه الاتهام لرئاسة الجمهورية بـ«السطو» على صلاحيات البرلمان من خلال تجاوز صلاحياتها الدستورية في علاقة بالمشاورات الحاصلة حول «وثيقة قرطاج 2» ومسألة تغيير الحكومة من عدمه.
واعتبر عدد من نواب البرلمان أن إقالة رئيس الحكومة أو استقالته تكون «ضمن ما نص عليه الدستور فقط وليس بما يحدث الآن في قصر قرطاج»، للحفاظ على السلطات الدستورية ولحماية المسار الديمقراطي في تونس. وفي هذا الشأن، قال حسونة الناصفي، النائب عن «حركة مشروع تونس» (حزب معارض)، إن تغيير الحكومات يأتي عبر مؤسسات الدولة الشرعية، والبرلمان التونسي هو فقط من يسحب الثقة من الحكومات، ويوافق على إجراء تحوير أو تعديل في الحكومة، على حد قوله. أما المحلل السياسي التونسي عبد الله العبيدي فتوقع في تصريح إعلامي أن يضحّي الباجي قائد السبسي بحكومة الشاهد، وبالشاهد نفسه، إرضاء لضغوط نجله المتمسك بإقالة رئيس الحكومة، وقال إن الشاهد قد يلقى مصير الحبيب الصيد نفسه، وبطرق دستورية، أي عبر الرجوع إلى البرلمان.
وتدعم حركة «النهضة» وحزب «المبادرة» وحزب «المسار الاجتماعي الديمقراطي» و«الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة» (مجمع رجال الأعمال) و«الاتحاد التونسي للفلاحين» بقاء الشاهد في منصبه، بهدف الحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد قبل نحو سنة وثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبرمجة خلال السنة المقبلة. وفي المقابل، تتمسك حركة «نداء تونس» بزعامة حافظ قائد السبسي (نجل رئيس الجمهورية)، وحزب «الاتحاد الوطني الحر» و«الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) و«اتحاد المرأة» بتغيير الحكومة ورئيسها. ويرى أصحاب هذا الرأي أن «وثيقة قرطاج 2» بها توجهات اقتصادية واجتماعية جديدة، ولا بد من رئيس حكومة جديد لتنفيذها.
على صعيد آخر، أكدت الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية (هيئة دستورية) على ضرورة احترام السلطات العمومية للدستور التونسي إثر «تواتر الخطابات المنتهكة للحريات الفردية» بمناسبة حلول شهر رمضان. وعبّرت الهيئة عن إدانتها لتصريحات لطفي براهم، وزير الداخلية، التي أعلن من خلالها عن عزم وزارة الداخلية غلق المقاهي الشعبية التي تفتتح أبوابها في شهر رمضان في إطار احترام رأي الغالبية في تونس. وقالت إن موقف براهم يؤسس لانتهاك الحريات الفردية من قبل المجموعات الخارجة عن القانون أو من المؤسسة الأمنية، معتبرة أن تلك التصريحات قسّمت المواطنين وفق قناعاتهم ومعتقداتهم.
ودعت هيئة حقوق الإنسان، الحكومة والسلطة القضائية، إلى اتخاذ كل الإجراءات القانونية للتصدي لهذه «الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها»، وتحمل مسؤوليتها في حماية الحريات الفردية، خصوصاً حرية الضمير التي كفلها الدستور.
وذكّرت الهيئة وزير الداخلية بأنه «مسؤول عن أمن جميع التونسيين بقطع النظر عن انتماءاتهم العقائدية والفكرية»، وبأنه «مسؤول عن احترام مبادئ الدستور دون اجتهاد أو تأويل».
وفي السياق ذاته، قررت وزارة الداخلية منع تنظيم وقفة احتجاجية كانت مبرمجة يوم الأحد للمطالبة بفتح المقاهي في رمضان، والدفاع عن غير الصائمين، وبررت المنع بدواعٍ أمنية.
في غضون ذلك، قالت رئيسة «هيئة الحقيقة والكرامة» سهام بن سدرين في مؤتمر صحافي في العاصمة التونسية أمس، إن الهيئة ستسلم أرشيفها إلى الأرشيف الوطني التونسي، لكنها على رغم تقليص طاقمها ستواصل العمل بما لديها من موازنة مالية، وذلك في أعقاب قرار البرلمان إنهاء عملها اعتباراً من 31 مايو (أيار) الحالي.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.