أدب الطفل في المغرب... إكراهات «بناء» جيل المستقبل

لطيفة باقا  -  حسن مرصو  -  نادية السالمي
لطيفة باقا - حسن مرصو - نادية السالمي
TT

أدب الطفل في المغرب... إكراهات «بناء» جيل المستقبل

لطيفة باقا  -  حسن مرصو  -  نادية السالمي
لطيفة باقا - حسن مرصو - نادية السالمي

يتفق المهتمون بأوضاع الأدب وتداول الكتاب في المغرب على عدم الفصل بين واقع أدب الطفل والواقع الأدبي والثقافي، بشكل عام، مع استدراكهم بالحديث عن حساسية التعاطي مع أدب الطفل؛ من جهة أن الأمر يتعلق بصناعة جيل المستقبل، وأن كل تربية سليمة على فعل القراءة، وبالتالي تحبيب الكتاب للناشئة، من شأنه أن يسهم في الإجابة عن الإشكالات الراهنة، والمرتبطة، أساساً، بظاهرة العزوف عن القراءة وتدني نسب المقروئية.
وبقدر ما يتم الإقرار بالإكراهات التي تواجه القطاع الثقافي بالمغرب، على صعيد الكتابة والنشر والتوزيع وعادة القراءة، يتم التشديد على ضرورة الاهتمام بأدب الطفل، على غرار ما يحدث في البلدان المتقدمة، حيث لا يُترك شيء للصدفة، استثماراً في المستقبل، بـ«بناء» رجاله ونسائه.
في هذا الصدد، يطرح الباحثون مميّزات أدب الطفل وشروطه، بتشديدهم على ضرورة تسلح كاتب أدب الطفل بالعوامل التربوية والسيكولوجية والسوسيولوجية والفنية واللغوية؛ بغية «إيجاد أسلوب كتابي مناسب»، يراعي «مستوى الطفل» و«درجة نموه»؛ في حين يقترح آخرون حلولاً لتطوير أدب الطفل، من قبيل الدعوة إلى «توجيه الاهتمام لكل الأجناس الأدبية في صيغتها الورقية والرقمية والإذاعية»، مع «الانفتاح على التجارب الأخرى في إطار المثاقفة والعولمة».
وتعتبر الكاتبة لطيفة باقا الكتابة للطفل من أصعب الأنواع الأدبية، مشيرة، في حديثها معنا، إلى أنه لم يسبق لها أن خاضت التجربة، لتهيبها من المجال، الذي يستدعي من الذي يخوض فيه الإلمام بمجالات متعددة، مع قدرة على البحث عن الصيغ التي تجعل أدبه محبباً للطفل. وترى باقا أن الكاتب المتعود على الكتابة للكبار يخضع، عادة، لمنطق القراءة والنقد واختيارات القراء، على عكس التوجه للطفل.
وتمثل باقا لوجهة نظرها بتجربتها الشخصية، مشيرة إلى أنها ترى أن الأدب غير مطالب بأن يكون أخلاقياً وتربوياً، في حين يقتضي الأمر، عند التوجه إلى امرأة أو رجل الغد، وبالتالي إلى كائن في مرحلة التكوين، القيام برقابة ذاتية، وأن نعطي للأدب لمسة تربوية، الشيء الذي يفقد الكاتب حرية الإبداع الشخصي، بحيث يصير محكوماً بمنطق المؤسسة، بأبعادها التربوية والأخلاقية، وللتقاليد وغيرها، وذلك بشكل يتحكم في العملية الإبداعية ويجعل المبدع فاقداً للحرية التي تمنحه إياها الكتابة للكبار.
من جهته، يرى الشاعر والكاتب حسن مرصو، أن مشروعه الموجه للطفل «يتوخى أولاً خلق المتعة لدى الطفل، مع ما يواكب ذلك من توسيع لخبراته، وتعميق فهمه للحياة الناس والمجتمع والطبيعة من حوله، ومساعدته على اشتقاق رؤية جديدة للعالم، خصوصاً أمام هذا القصور المهول فيما يخص الكتابة الشعرية للأطفال وإنتاج أغانٍ تساير العصر. فأغلب صغارنا ما زالوا يلوكون كتاباتٍ شعرية قديمة وأغاني عفى عنها الزمن».
ويتحدث مرصو عن الدوافع التي جعلته يخوض مغامرة الكتابة والنشر، بل إنتاج أغانٍ وفيديوهات مصورة تتهيب منها شركات الإنتاج أنفسها، قائلاً: «لا بأس، ونحن مقبلون على هذه المغامرة، أن نتوخى البعد القيمي في تربية الطفل وربطه بلغته، وترسيخ هويته الثقافية ومبادئ المواطنة لديه، وكذا تعزيز الإبداع المدرسي عبر إشراك الأطفال أنفسهم في هذا العمل، بهدف تنمية القدرات المعرفية والمهارات الوجدانية للطفل، وتطوير شخصيته، وجعلها تنمو بشكل متوازن».
ويرى مرصو أن لأغنية الطفل «خصائص متميّزة عن الأساليب التعليمية الأخرى؛ وذلك لمقدرتها الكبيرة على التأثير في منظومة أفكاره ومشاعره. إنها الحامل الأفضل لتعلُّمات الطفل. وبمناسبة الحديث عن أغنية الطفل، فلا بأس من الإشارة كذلك إلى أننا نسعى إلى إعادة الاعتبار لهذه الأغنية والارتقاء بالذوق العام للأطفال، وتهذيبه وتحصينه من الإسفاف الذي أصبحت تعرفه الأغنية المغربية والعربية عموماً، حيث غالباً ما يلجأ أطفالنا إلى ترديد هذه الأغاني على مرأى ومسمع منا نحن الكبار. أضف إلى ذلك استنكاف الكتاب عن الكتابة لهذه الشريحة، وغياب مؤسسات حاضنة».
نادية السالمي، التي تعد أول امرأة مغربية أسست داراً للنشر، تحت عنوان «يوماد»، في 1998، متخصصة في أدب الطفل، بالفرنسية والعربية والأمازيغية، مستوحاة، في أغلبها، من ثقافة وحضارة البلد، ترى، من جهتها، أن قطاع أدب الطفل هو قطاع ناشئ في المغرب، قبل أن تبسط جملة إكراهات تتطلب ضرورة تجاوزها خدمة لمستقبل يتعين أن يتهيأ مع طفولة تحاط بما يلزم من الاهتمام والمواكبة، على مختلف الأصعدة.
لا تخفي السالمي أن الكتاب المرتبط بأدب الطفل قد شهد بعض التطور، على مستوى الشكل والمضمون، مع مطلع الألفية الثالثة، مع تغير في النظرة، مقارنة بما سبق، بحيث حدث تطور في الإخراج والتصميم والرسومات المصاحبة، وذلك سيراً على منوال التطور الحاصل في هذا المجال في أوروبا، مثلاً.
لكنها تنتقد التعاطي مع أدب الطفل وتداول الكتاب الموجه للناشئة، مثيرة الانتباه، في هذا الصدد، إلى غياب معارض مغربية مخصصة لأدب الطفل، تقول: «نحن بلد تنعدم فيه المعارض المخصصة لأدب الطفل، على عكس ما يحدث في أوروبا، مثلاً، حيث يتأكد الوعي بأهمية الاستثمار في الطفل، عماد المستقبل، والعمود الفقري لكل مناعة للمجتمع وأساس كل تنمية مستقبلية. وللأسف، نحن لا نهتم بالطفل في المغرب، وهو وضع لا يستثنى منه حتى الكبار. نحن الذين نعيش في بلد يكاد يناهز تعداد سكانه الأربعين مليون نسمة، نصفهم من الناشئة، علينا أن نطرح سؤالاً أساسياً: ماذا هيأنا لأطفالنا، وبماذا نغذيهم ثقافياً وفكرياً؟».
على مستوى دور النشر المشتغلة في مجال أدب الطفل، تؤكد السالمي أن هناك تطوراً في الشكل والمضمون وجودة في المنجز، تضاهي ما ينشر في البلدان المتقدمة، قبل أن تستدرك: «على مستوى دور النشر المتخصصة في أدب الطفل، يتعلق الأمر بقلة، في وقت زادت فيه التحديات، والتطور لا نواكبه إلا بشكل نسبي، مع وجود إشكال على مستوى الثقافة الموجهة للطفل؛ إذ ليست لدينا، مثلاً، سينما موجهة للطفل أو مسرح موجه للطفل، وبالتالي كيف نريد أن نهيئ طفولتنا للمستقبل؟».



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».