مئات الجثث لا تزال تحت الأنقاض بعد 10 أشهر من استعادة الموصل

العثور على متفجرات وأحزمة ناسفة بينها... وتحذير من مخاطرها على الصحة

عناصر من الدفاع المدني يبحثون عن جثث تحت الأنقاض في الموصل (أ.ف.ب)
عناصر من الدفاع المدني يبحثون عن جثث تحت الأنقاض في الموصل (أ.ف.ب)
TT

مئات الجثث لا تزال تحت الأنقاض بعد 10 أشهر من استعادة الموصل

عناصر من الدفاع المدني يبحثون عن جثث تحت الأنقاض في الموصل (أ.ف.ب)
عناصر من الدفاع المدني يبحثون عن جثث تحت الأنقاض في الموصل (أ.ف.ب)

في أعلى تلة حطام على ضفة نهر دجلة بوسط المدينة القديمة في غرب الموصل، ينهمك عناصر الجيش والشرطة والدفاع المدني ببزاتهم المرقطة في حركة متواصلة سعيا إلى إخراج الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض وتزيد الحرارة المرتفعة من تحللها.
وبكمامات تغطي أنوفهم جراء الرائحة القوية، يعمل رجال الدفاع المدني والجيش والشرطة من دون توقف على انتشال الجثث، رغم خطر الألغام والعبوات غير المفككة في المدينة القديمة التي دمرت تماما جراء المعارك لطرد تنظيم داعش.
ويقول ضابط جهد الإنقاذ في الشطر الغربي من الموصل المقدم ربيع إبراهيم لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «تم رفع 763 جثة خلال 3 أيام، والعمل مستمر لحين رفع كل الجثث من المنطقة». ويضيف إبراهيم: «يتم تسليم الجثث المتفسخة إلى دائرة صحة نينوى وبلدية الموصل التي تتخذ الإجراءات اللازمة بدفنها». ويوضح أن جثث المدنيين تسلم إلى ذويهم بعد إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من الهويات، فيما تدفن جثث مقاتلي تنظيم داعش في مقبرة خاصة بمنطقة السحاجي عند أطراف غرب الموصل.
لكن الفرق العاملة تواجه صعوبات يومية خلال عمليات انتشال الجثث. ويقول مدير الدفاع المدني في محافظة نينوى حسام خليل إن «صعوبة العمل في المنطقة القديمة تكمن بصعوبة إدخال الآليات الثقيلة لضيق الأزقة والطرقات، مما يضطرنا إلى استخدام المعدات البسيطة». ويأتي ذلك إلى جانب الخطر المحدق بالعملية التي تتركز في المنطقة المحصورة بين جسر الموصل الخامس والجسر القديم. ويلفت رئيس لجنة انتشال الجثث في بلدية الموصل المهندس دريد حازم محمد إلى أن «القوات الأمنية المرافقة للجنة عثرت على كميات من الأعتدة والمتفجرات والأحزمة الناسفة (...) بين الجثث وتحت الأنقاض». وأضاف: «بعض جثث الدواعش ترتدي أحزمة ناسفة، وهذا مصدر خطر كبير عند رفع الجثة ما لم تتم معالجة الحزام». وهذا ما يطالب به المقدم ضياء عبد الحسن الخفاجي من «الفرقة 20» التابعة للجيش العراقي، قائلا: «نحن في حاجة إلى فريق معالجة هندسي» للحد من تلك المخاطر.
غير أن الخطر الأكبر الذي تطرحه هذه الجثث المطمورة تحت الأنقاض منذ 10 أشهر، يبقى خطرا صحيا على حياة المواطنين. ويقول عثمان سعد شاكر (40 عاما) الذي دمر منزله تماما في منطقة القليعات بالمدينة القديمة إن «الخوف من التلوث والإصابة بالأمراض بسبب الجثث يمنعنا من العودة إلى المنطقة».
أما أبو عادل (33 عاما) وهو من سكان حي الميدان المجاور، فقد طالب الجهات الحكومية «بسرعة رفع الجثث، وتعويض أهالي المنطقة مع توفير الخدمات حتى يتمكنوا من العودة وإعادة إعمار بيوتهم ومحالهم المدمرة». لكن المهمة ضخمة؛ فمنذ استعادة القوات الأمنية الموصل في 10 يوليو (تموز) الماضي «تم رفع 2838 جثة، بينها 600 تعود لعناصر (داعش)»، بحسب ما يؤكد محافظ نينوى نوفل سلطان العاكوب.
ورغم دفن الجثث في أماكن بعيدة، فهي تترك وراءها جراثيم وأمراضا، قد يحملها النهر إلى خارج المدينة القديمة. وتؤكد السلطات أن «محطات التصفية لا تنتج مياها ملوثة؛ بل هي معقمة وصالحة للشرب والاستخدام البشري، إذ إنها تسحب من عمق ووسط النهر، أي من المياه الجارية، وليس من المياه التي سرعتها صفر قرب الضفاف وحافات النهر». لكن اختصاصي الأمراض الباطنية الطبيب أحمد إبراهيم يحذر بشكل متكرر من الأمراض التي قد تنقلها المياه الملوثة. ويقول إبراهيم إن تلك المياه «معرضة للإصابة بأمراض مختلفة منها مرض التيفوئيد والنزلات المعوية والبلهارسيا والإسهال والملاريا والكوليرا»، مطالبا «الأهالي بغلي المياه قبل استخدامها، فهذه الأمراض قد تظهر أعراضها فورا، أو ربما لاحقا أو بعد سنوات».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.