اعتذرت السلطات البريطانية، أمس، وتعهدت بدفع تعويض لعبد الحكيم بلحاج، القيادي الليبي السابق بـ«الجماعة المقاتلة»، في وقت رفض الجيش الوطني، مجددا، طلب مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، أمام مجلس الأمن الدولي، تسليمها أحد ضباطه المتهمين بارتكاب «جرائم حرب» في مدينة بنغازي بشرق البلاد.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، تقدمت الحكومة البريطانية باعتذار رسمي عن دورها في «إساءة معاملة» بلحاج - الذي خطف في تايلاند عام 2004 ونقل إلى بلاده ليبيا، حيث قال إنه «تعرض للتعذيب»، في رسالة تلاها المدعي العام جيريمي رايت أمام البرلمان.
وقالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، في الرسالة الموجهة إلى بلحاج وزوجته فاطمة: «نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة، أعتذر منكما بلا تحفظ». وأقرت ماي أن «أفعال حكومة المملكة المتحدة ساهمت في اعتقالكما وتسليمكما ومعاناتكما».
وقدّم السفير البريطاني في تركيا، دومينيك تشيلكوت، رسالة الاعتذار إلى بلحاج، خلال لقاء قصير أمام صحافيين في القنصلية البريطانية، بمدينة إسطنبول التركية، حيث تصافحا قبل أن يخرجا من القاعة دون الإدلاء بأي تصريحات.
وقالت وكالة «الأناضول» التركية، إن زوجة بلحاج تواجدت أمس، في البرلمان البريطاني للاستماع إلى نص رسالة ماي، فيما تواجد بلحاج في مقر القنصلية البريطانية بمدينة إسطنبول لتسلم خطاب الاعتذار من المسؤولين.
وأوضح المدعي العام البريطاني أنه علاوة على الاعتذار ستدفع حكومة المملكة المتحدة نصف مليون جنيه إسترليني (565 ألف يورو) لفاطمة زوجة بلحاج، لكنها لن تدفع شيئا لهذا الأخير الذي لم يطلب تعويضا ماليا في إطار اتفاق إنهاء الملاحقات القضائية التي بدأها الزوجان.
وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية تحدثت عن أن لندن توصلت لتسوية مع بلحاج، لكنها لم تكشف عن مصادرها أو تفصح عن تفاصيل بشأن التسوية التي توصلت إليها بريطانيا وبلحاج.
وحاولت الحكومة البريطانية منع بلحاج من اتخاذ إجراءات قضائية لكن المحكمة العليا رفضت مساعي الحكومة في يناير (كانون الثاني) 2017 وسمحت لبلحاج بمقاضاة المسؤولين عن نقله غير القانوني إلى ليبيا.
واتهم بلحاج - الذي قدمته وسائل إعلام جماعة الإخوان وقناة الجزيرة القطرية على أنه قائد عملية تحرير طرابلس بعد الإطاحة بنظام القذافي في 2011 - الحكومة البريطانية بتزويد الاستخبارات الأميركية بالمعلومات التي أتاحت توقيفه في تايلاند ثم تسليمه لسلطات طرابلس.
وتم توقيفه هو وزوجته واحتجزا في بانكوك من عناصر المخابرات الأميركية في 2004. وكان حينها يقود «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» التي كانت تحارب القذافي. ورحل الزوجان إلى طرابلس حيث تعرض بلحاج للتعذيب والسجن لستة أشهر، حيث أشارت سجلات من أرشيف نظام القذافي إلى أنه ألقي القبض عليه بفضل معلومات من البريطانيين وذلك بعد طلب بلا جدوى للجوء في المملكة المتحدة.
وبعد ثورة 2011 في ليبيا ترأس بلحاج «المجلس العسكري لطرابلس» قبل أن يؤسس حزبه (الوطن) الذي لم يفز بأي مقعد في الانتخابات التشريعية في 2012 ولا في انتخابات 2014. وبين 2012 و2014 أسس قناة تلفزيون إسلامية وهو يعيش حاليا في إسطنبول.
وطوال سنوات سعى بلحاج لاتخاذ إجراءات قانونية ضد وزير خارجية بريطانيا السابق جاك سترو ووكالتي المخابرات الداخلية (إم.آي 5) والخارجية (إم.آي 6) ورئيس سابق للمخابرات وإدارات حكومية، بهدف الحصول على اعتذار من كل الأطراف المشاركة في تسليمه.
وقال سترو، الذي كان وزيرا للخارجية في حكومة توني بلير، إنه التزم دوما بالقانونين البريطاني والدولي، وأضاف في بيان: «لم أشارك قط بأي شكل في عملية التسليم غير القانونية أو في احتجاز أي شخص من قبل دول أخرى».
يشار إلى أن سامي السعدي وهو معارض ليبي آخر نقل عنوة في 2004 مع زوجته وأطفالهما الأربعة من هونغ كونغ إلى ليبيا، حصل على 2.2 مليون جنيه (2.8 مليون يورو) من الحكومة البريطانية التي اتهمها بالمشاركة في القبض عليه وتسليمه للسلطات الليبية.
إلي ذلك، قال مصدر مسؤول في القوات الخاصة الليبية، التي يتبعها ضابطه الموقوف حاليا عن العمل، محمود الورفلي لـ«الشرق الأوسط»، إن قضية الورفلي «مغلقة على اعتبار أنه يحاكم حاليا من قبل محكمة عسكرية» تابعة للجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر، لافتا إلى أن هذه المحكمة لم تنته بعد من عملها في انتظار إجراء التحقيقات التي يخضع لها الورفلي منذ نحو ثلاثة شهور.
كما نقل مسؤول مقرب من اللواء ونيس بوخمادة قائد قوات الصاعقة التابعة للجيش الوطني الليبي لـ«الشرق الأوسط»، عنه، قوله، بأن المطالب بتسليم الورفلي تظهر فقط على السطح، كلما كان الجيش الوطني يقوم بعمليه في مكافحة الإرهاب والقضاء على الجماعات المتطرفة في البلاد.
وأضاف: «لن نسلم الورفلي تحت أي ظرف، لأنه ضابط يخضع للمحاكمة العسكرية حاليا، والجيش فقط هو من سيفصل في مساءلته سواء بالبراءة أو الإدانة».
وكانت بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أبلغت اجتماعا لمجلس الأمن، مساء أول من أمس، أن محققي المحكمة توجهوا إلى ليبيا في شهر مارس (آذار) الماضي للمرة الأولى منذ يونيو (حزيران) 2012، في مهمة هي أيضا الأولى من نوعها، للمساعدة في الدفع قدما بالتحقيقات في جرائم حرب مفترضة، معربة عن تقديرها العميق لمكتب المدعي العام الليبي على تيسير مهمة البعثة الأخيرة واستضافة فريقها.
اعتذار بريطاني «بلا تحفظ» وتعويض رسمي لبلحاج
اعتذار بريطاني «بلا تحفظ» وتعويض رسمي لبلحاج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة