مساواة «الأدنى للأجور» بـ«حد الكفاف» للمرة الأولى في روسيا

مساواة «الأدنى للأجور» بـ«حد الكفاف» للمرة الأولى في روسيا
TT

مساواة «الأدنى للأجور» بـ«حد الكفاف» للمرة الأولى في روسيا

مساواة «الأدنى للأجور» بـ«حد الكفاف» للمرة الأولى في روسيا

منذ مطلع مايو (أيار) الجاري، بدأ العمل في روسيا بقانون يساوي لأول مرة في تاريخ البلاد بين الحد الأدنى للأجور الشهرية والحد الأدنى المطلوب للمعيشة، أو ما يطلق عليه «حد الكفاف»، وذلك بموجب قرار اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يناير (كانون الثاني) الماضي، ويهدف إلى تحسين دخل المواطنين، لا سيما نحو 20 مليون مواطن يعانون من الفقر.
ويفترض أن تعدل الحكومة الروسية الحد الأدنى من الأجور نحو الزيادة لا العكس، وفق التغيرات التي تطرأ على الوضع الاقتصادي في البلاد، لا سيما مع بقاء عوامل سلبية تؤثر على القيمة الفعلية للحد المعيشي الأدنى، مثل تراجع سعر الروبل، وارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية والخدمات في السوق.
وجاء الإعلان عن بدء العمل بهذا القرار بالتزامن مع تعقيدات طرأت على الاقتصاد الروسي، وهبوط سعر الروبل وارتفاع سعر السلع الغذائية، على خلفية عقوبات جديدة فرضتها الولايات المتحدة ضد روسيا في أبريل (نيسان) الماضي. لذلك يرى مراقبون أنه في ظل الظروف الراهنة وبقاء الاقتصاد الروسي تحت ضغط العوامل الجيوسياسية، لا بد من آلية عمل تضمن سرعة التحرك من جانب الحكومة، في مجال رفع الأجور لتبقى مساوية للحد المعيشي الأدنى.
وأعلنت الحكومة الروسية في الأول من مايو الجاري، بدء العمل بقانون فيدرالي ينص على زيادة قدرها 1674 روبلاً على الحد الأدنى من الأجور الشهرية ليصل حتى 11163 روبلاً، ويصبح مساوياً للحد الأدنى للمعيشة لأول مرة في تاريخ روسيا الحديثة. وجاءت هذه الخطوة ضمن خطة تدريجية لرفع الأجور حتى الحد الأدنى للمعيشة، وضعتها وزارة العمل الروسية، وأعلنت عنها في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، وأقرت حينها الخطوة الأولى بزيادة الحد الأدنى من الأجور من 7800 روبل حتى 9489، أو ما يعادل 85 في المائة من الحد الأدنى للمعيشة، وأكدت أنها ستواصل العمل في هذا الاتجاه، وأن تتبنى زيادة أخرى مطلع عام 2019، لترفع الحد الأدنى من الأجور حتى 100 في المائة من الحد الأدنى للمعيشة. إلا أن الرئيس الروسي قرر تقديم موعد الخطوة الثانية عوضاً عن يناير 2019، إلى الأول من مايو الجاري.
وحسب صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الحكومية الروسية، فإن الحكومة ستقوم بتعديل الحد الأدنى من الأجور الشهرية وزيادتها بحال ارتفعت قيمة الحد الأدنى المطلوب للمعيشة، بينما ستحافظ على الأجور ولن تقوم بتخفيضها، إن تراجعت قيمة الحد الأدنى للمعيشة.
في حديثه عن رفع الحد الأدنى من الأجور الشهرية، أشار الرئيس الروسي في تصريحات مطلع العام الجاري، إلى أن الحديث حول ضرورة هذه الخطوة يدور منذ زمن بعيد، و«دوماً نواصل الحديث حول ضرورة أن يصبح الحد الأدنى من الأجور مساوياً لمستوى الحد الأدنى للمعيشة على أقل تقدير»، ولفت إلى أن الأمر كان ينتهي دوماً بالإشارة إلى عدم توفر إمكانات في الميزانية لاتخاذ هذه الخطوة، ورأى أن هذا «غير عادل»، موضحاً أن «الاقتصاد الروسي يحافظ على الدينامية الإيجابية، وعجز الميزانية أقل مما كنا نتوقع، بينما ينمو احتياطي روسيا من الذهب. أي أن اقتصاد روسيا في مرحلة النمو، ولدينا إمكانات لرفع الحد الأدنى من الأجور في مطلع مايو»، وأكد حينها أن هذا القرار سيشمل نحو 4 ملايين موظف وعامل في القطاعين الحكومي والخاص، وحتى بعض المتقاعدين الذين ما زالوا يعملون.
من جانبه، أكد رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف على أهمية زيادة الأجور الشهرية في إطار العمل على مواجهة الفقر. وقال في كلمة أمام البرلمان الروسي في أبريل الماضي، إن «الفقر المشكلة الأكثر تعقيداً بالنسبة لروسيا الحديثة»، وأشار إلى أن نحو 20 مليون روسي يعيشون حالياً تحت مستوى الفقر، لافتاً إلى أن «الخطوات التي نتخذها لمكافحة الفقر ليست كافية بعد، ولا بد من حلول متكاملة»، وعبر عن قناعته بأنه «لا يمكن حل هذه المشكلة عبر زيادة الأجور الشهرية فقط». ورغم كل المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تحدث عنها بوتين، عاد مدفيديف وأشار إلى أنه «لا تتوفر في الميزانية إمكانية لتمويل رفع الحد الأدنى من الأجور الشهرية». ولتجاوز هذه المعضلة، كشف عن قرار بزيادة الإنفاق من صندوق الاحتياطي لدى الحكومة الروسية، وهو صندوق مستقل يتبع الحكومة الروسية، ولا علاقة له بصندوق الاحتياطي للدولة الروسية، وقال إن الحكومة ستخصص نحو 36 مليار روبل من هذا الصندوق لمساعدة الأقاليم في تنفيذ قرار رفع الحد الأدنى من الأجور الشهرية.
ويرى مراقبون أن رفع الحد الأدنى للأجور الشهرية خطوة جدية لا يمكن التقليل من أهميتها، إلا أنها غير كافية للقضاء على الفقر، ومن جانب آخر هي بحاجة لآلية محددة تسمح للحكومة بالتجاوب مع المتغيرات بسرعة، وتعديل قيمة الأجور الشهرية بوتيرة تواكب وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخدمات، التي تؤدي بدورها إلى زيادة قيمة الحد الأدنى الضروري المطلوب للمعيشة.
ويشيرون في هذا السياق إلى أن الأوضاع الاقتصادية حالياً، في مرحلة تطبيق قرار رفع الأجور، لم تعد نفسها التي كانت سائدة حينما وضعت وزارة العمل الروسية خطتها في هذا المجال. وعلى سبيل المثال كان سعر صرف الروبل يتراوح في الفترة ما بين مطلع يناير وحتى مطلع فبراير (شباط) العام الجاري ما بين 55 إلى 57 روبلاً للدولار. وفي الفترة من مطلع أبريل وحتى مطلع مايو، هبط الروبل تحت تأثير العقوبات الأميركية حتى 61 إلى 65 روبلاً للدولار. وقد أثرت العقوبات وتداعياتها على مؤشرات السوق الروسية، وبصورة مباشرة على الأسعار في سوق المواد الغذائية، التي تشكل قيمتها عاملاً رئيسياً في حساب مستوى الحد الأدنى للمعيشة.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.