مدن تونس تعرض كنوزها بمناسبة الاحتفال بشهر التراث

معبد المياه في زغوان  -  شمسية نساء جربة
معبد المياه في زغوان - شمسية نساء جربة
TT

مدن تونس تعرض كنوزها بمناسبة الاحتفال بشهر التراث

معبد المياه في زغوان  -  شمسية نساء جربة
معبد المياه في زغوان - شمسية نساء جربة

شرعت مختلف مناطق تونس في عرض أفضل ما لديها من مخزون تراثي ومن إبداعات حرفية ويدوية ضمن شهر التراث الذي يخصّص شهراً متواصلاً من كل عام للتعرف على التراث التونسي ونفض الغبار عن الكثير من كنوزه. شهر التراث انطلق يوم أمس في مدينة زغوان، تحت شعار «القيم الكونية للتراث الثقافي التونسي»، ويتواصل لغاية 18 من مايو (أيار) المقبل.
وتتضمن الدورة 27 من شهر التراث، عروض الفنون الشعبية ومؤتمرات تتمحور حول تثمين التراث المادي واللامادي في تونس، ولقاءات حول التراث الشفوي والمأثورات الشعبية من الأمثال والأقوال والحكم المأثورة، فضلا عن الأكلات التونسية التقليدية واللباس والعادات والتقاليد المميزة لكل جهة من جهات تونس.
من جهّته، أكّد كمال البشيني المدير العام لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية (من هياكل وزارة الثقافة التونسية)، على أنّ الاحتفالات هذه السنة تنطلق من معبد المياه في مدينة زغوان (شمال تونس)، ويندرج هذا الاختيار في إطار المساهمة بإتمام إعداد ملف إدراج مدينة زغوان في القائمة النهائية للتراث العالمي، اعتمادا على معالمها الأثرية الهامة، ومن بينها «معبد المياه» الذي يعود إلى العهد الروماني، وقنوات نقل مياه زغوان العذبة إلى حمامات أنطونيوس في قرطاج على امتداد نحو 60 كلم.
وأوضح البشيني في تصريح إعلامي أنّ الهندسة المعمارية الرومانية لـ«معبد المياه» فريدة من نوعها، فهي على حد قوله تترجم فلسفة إنسانية تقوم على منح ماء الحياة لكل الكائنات الحية.
وتتباهى مختلف المدن التونسية خلال شهر التراث بأفضل ما لديها من معالم أثرية ومن تراث لا مادي وتحاول جلب انتباه التونسيين إلى تراثهم العريق، وتعرض على سبيل المثال اللباس التقليدي والأكلات الشعبية ومراحل العرس التقليدي ومسابقة في الغناء الشعبي في القصرين (وسط غربي تونس)، وتقدم منطقة جندوبة (شمال غربي تونس)، ورشات لتقطير الزيوت الطبيعية ونماذج من صناعة الزربية المحلية والمحراث التقليدي الذي يكاد ينقرض نتيجة الآلات الفلاحية العصرية.
أمّا العاصمة التونسية فقد ركّزت اهتمامها على الفسيفساء والفنون التشكيلية والخزف الفني والنحت والألعاب التراثية وبرمجت معارض الحرف التقليدية خاصة منها تقطير الأعشاب والعطور التي تتزامن مع فصل الربيع.
وتنتهز مناطق الجنوب التونسي بدورها هذه الفرصة لعرض مآثرها المادية واللامادية وتحرص جزيرة جربة (جنوب شرقي تونس) على إحياء تراثها اليومي من خلال ارتداء الملابس التقليدية المحلية، والمظلات الواقية من الشمس، علاوة على مختلف أنماط الحياة في الجزيرة من خلال عادات خزن المنتجات الفلاحية واللحوم خلال فترات ذروة الإنتاج واستهلاكها خلال فترات قلة المحصول.
وفي هذا الشأن، قال الناصر بوعبيد منسق لجنة القيادة المحلية لإدراج جزيرة جربة ضمن التراث العالمي، إنّ الجزيرة التونسية قدّمت ملفاً متكاملاً لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي وتستغل شهر التراث من كل سنة لإطلاع الزائرين على كنوزها الأثرية، وتعتمد في هذا المقترح على معالمها الدينية المتنوعة والعادات العائلية اليومية (في المجال الفلاحي)، وهي عادات حافظت عليها على الرغم من الاستثمارات السياحية الهائلة التي عرفتها الجزيرة.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض