نظم الذكاء الصناعي تعوّض نقص الأطباء في الصين

عشرات المستشفيات توظف أدوات مطورة لأتمتة المهام الطبية الروتينية

نظم الذكاء الصناعي تدخل ميدان الرعاية الصحية في الصين
نظم الذكاء الصناعي تدخل ميدان الرعاية الصحية في الصين
TT

نظم الذكاء الصناعي تعوّض نقص الأطباء في الصين

نظم الذكاء الصناعي تدخل ميدان الرعاية الصحية في الصين
نظم الذكاء الصناعي تدخل ميدان الرعاية الصحية في الصين

تباشر الصين حالياً بإطلاق مبادرة واسعة لإدخال تقنيات الذكاء الصناعي إلى مجال العناية الصحية عبر أدوات مطورة خصيصا للفحوصات، مثل شبكات عصبية صناعية تتعرف من صور الأشعة السينية (إكس) على بدايات الأورام السرطانية. ويبدو توجه الصين في بعض أساليبه، معاكسا لما يحصل حالياً في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، علما بأن الضوابط المفروضة في الصين على استخدام البيانات والتقنيات الجديدة تعتبر أقلّ صرامة من الدول الأخرى.
ويعاني هذا البلد ذو الكثافة السكانية الأعلى في العالم من حاجة واضحة وكبيرة إلى الأتمتة قي ظلّ توفّر 1.5 طبيب لكلّ 1000 شخص، مقابل 2.5 طبيب في الولايات المتحدة.

ذكاء صناعي طبي

وتخطو الصين خطوات سريعة في هذا الاتجاه، حيث تعمل 131 شركة حالياً على تبني تقنية الذكاء الصناعي في مجال العناية الصحية، حسب ما أفادت شركة يو إنتليجينس (Yiou Intelligence) الاستشارية في بكين. ومن الشهر المقبل، سيبدأ مستشفى في بكين بتشغيل جميع آلات التصوير الشعاعي المخصصة للرئة بخوارزمية ذكاء صناعي، بهدف تفعيل عملية التصوير.
في يوم عادي من عملها الطبي، حمّلت شونج تشونج وو، طبيبة الأشعة المتخصصة بأمراض السرطان في أحد المستشفيات غرب بكين، صورة أشعة مثيرة للقلق لرئة بشرية على برنامج حاسوبي يشبه الفوتوشوب. تفحصّت الطبيبة بعناية، شبكة عصبية صناعية مدرّبة على آلاف الصور الشعاعية التجريبية، ثم حدّدت أماكن وجود العقد الصغيرة، أو العقيدات، بمربعات حمراء. صححت وو علامتين أشارت بهما الشبكة خطأً إلى أوعية دموية على أنها أورام محتملة، ولكنّها وجدت أيضاً أن واحدة من العقيدات التي تجاهلتها سابقاً، تشكّل ربّما مؤشراً مبكراً على وجود المرض.
تدعو الحكومة الصينية إلى تبني تقنيات مشابهة، للمساعدة في التشخيصات الطبية التي تعتمد على الحوسبة، في إطار المرحلة الأولى من خطتها الكبرى الهادفة للاعتماد الكلّي على الذكاء الصناعي بحلول عام 2020. وتستهدف كبرى شركات التكنولوجيا في الصين هذه السوق أيضاً، حيث شكّلت كلّ من شركتي «علي بابا» و«تينسينت» وحدات بحثية خاصة لتطوير أدوات تشخيصية مدعّمة بالذكاء الصناعي.
ومن المتوقع أن يلعب تقبّل الصينيين للذكاء الصناعي دوراً كبيراً في تسهيل ازدهار هذه التقنية في عالم الطب. ففي الوقت الذي أثار فيه تقدّم هذه التقنية مخاوف كثيرة من خسارة الوظائف في الغرب، يسعى معظم الأطباء الصينيين جاهدين إلى أتمتة أعمالهم الروتينية المتكررة.
ولكن استخدام الذكاء الصناعي في الطب لا يمكن أن يمرّ دون بعض التحديات، خاصة أن أدوات التشخيص المدعمة به قد تعتمد عمليات حسابية معقّدة يصعب شرحها للوصول إلى استنتاجاتها، الأمر الذي أثار بعض التساؤلات في الصين حول الجهة التي ستتحمّل مسؤولية الأخطاء الطبية التي قد تحصل حين يستعين التشخيص بمصادر خارجية لهذه الخوارزميات.
وأدرجت إدارة الغذاء والدواء الصينية العام الماضي أدوات الذكاء الصناعي التشخيصية على لائحة الأجهزة الطبية المسموح بها، ولكنها فرضت على الشركات التقدّم بطلب للحصول على اعتماد أكاديمي لكلّ منتج قبل تحديد سعره.

استخدامات طبية

وتبنّى أكثر من 20 مستشفى في الصين برنامج الذكاء الصناعي الجديد الذي استخدمته وو وطوّرته شركة «بيري دوك» الناشئة في بكين، التي جمعت أيضاً شبكة تضمّ أكثر من 180 مستشفى لمشاركتها في الأبحاث.
تعتبر خوارزميات الرسم التي تعمل على معالجة الصور الطبية، كصور الأشعة المقطعية والأشعة السينية ميدانا مثيراً للاهتمام بالنسبة للشركات الصينية الناشئة، والسبب هو أنّ فئة التصوير هذه ستساهم وبشكل كبير في تطوّر أحدث خوارزميات التعلّم المتعمّق.
ولكن تقنية الذكاء الصناعي تستخدم في مجالات أخرى أيضاً. يعمل بيجون لف، خبير في الأشعة السينية بالتعاون مع جامعة تسينغ – هوا، على تطوير برنامج ذكاء صناعي لتصميم أسنان صناعية. تمّ تدريب نموذج تجريبي خوارزمي يستخدم قواعد أكاديمية موجودة في الكتب لتصميم الأسنان الصناعية، إلى جانب 30000 حالة واقعية من تقديم أطباء مختصين، بحسب ما قال لف، الذي يخطط لإجراء تجارب عيادية لهذه الخوارزمية في وقت لاحق هذا العام.
كما يعمل بينج ليو، طبيب متخصص بسرطان الغدد اللمفاوية في بكين مع باحثين من الجامعة نفسها على تطوير خوارزميات تعلّم آلي يمكن أن تستخدم بيانات فوق صوتية لرصد تجلطات الدم التي يسببها علاج سرطان الغدد اللمفاوية، لأن التشخيص المبكر لهذه التجلطات عبر صور الموجات فوق الصوتية لأوعية المريض الدموية يسهّل علاجها. ولكن المستشفيات لا تمتلك غالباً المصادر الكافية لتصوير كلّ مريض إلا في حال كان يعاني من عوارض محددة.
يستخدم باحثون آخرون في الصين هذه التقنية في مجال المعرفة العامة؛ فقد صممت شركة «آي فلايتك» بالتعاون مع جامعة تسينغ – هوا، نظام ذكاء صناعي سجّل نتائج مرتفعة متفوقاً على نحو 96 في المائة من طلاب الطب الصينيين الذين خضعوا لاختبارات الترخيص الطبي العام الماضي. ولكن الصعوبة في تصميم نظام مشابه لا تكمن في تضمينه مواد من العلوم الطبية الموجودة حالياً، بل بتعليم الآلات كيفية فهم الاتصالات المعقدة بين الوقائع المختلفة واستخدام هذه المعلومات في التفكير واتخاذ القرارات.

معالجة اللغة الطبيعية

إنّ هذا النظام في صميمه هو برنامج معالجة للغة الطبيعية تتركز مهارته بشكل رئيسي على التعامل مع الأسئلة الطبية، وتختلف طريقة استنتاجه للإجابة على سؤال متعدّد الإجابات عن طريقة اختيار البشر للجواب الصحيح من بين الخيارات المتاحة. إذ تبحث الخوارزمية عن دليل مطلوب للإجابة على سؤال محدّد من خلال احتساب أوجه الشبه الإحصائية بين الكلمات المتمثلة حسابياً.
يظهر تحليل مفصّل للاختبار المجالات التي لا يمكن فيها للآلات أن تنافس البشر، وهي المنطق والأخلاق. فقد سجّل علم الخوارزميات نتائج أدنى من المعدل الوطني في الشقّ الذي يختبر القدرة على ممارسة التحكيم في الأوضاع الضاغطة كالخلافات العائلية.
يعمل جي وو، أستاذ مساعد في جامعة تسينغ - هوا والباحث الرئيسي في المشروع، على اكتشاف طرق لوضع هذه الخوارزمية في الاستخدام العيادي، ولكنه يقرّ بأن العملية لن تكون بسيطة كتنزيل هذا البرنامج على حاسوب الطبيب.
يشعر الأطباء الذين يستخدمون الأدوات الجديدة بأنّها تقدّم لهم مساعدة كبيرة. ففي مستشفى تشونج تشونج وو في بكين، مثلاً، يستقبل قسم العيادات الخارجية نحو 10000 شخص في اليوم، أي أنّ جي وو لا تملك الوقت الكافي لقراءة كلّ صورة بدقة كما تبدو، مما جعلها تعترف لمجلة «تكنولوجي ريفيو» بأنّ برنامج معالجة الصور «يخفّف عنها عبئا كبيراً».



المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»