ماتيس أصر على هجوم محدود وبولتون طالب بـ«عقاب مؤلم»

تأييد جمهوري للضربات واعتراضات ديمقراطية

TT

ماتيس أصر على هجوم محدود وبولتون طالب بـ«عقاب مؤلم»

أثارت الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، في سوريا، جدلاً في الأوساط الأميركية. ففي حين أكد مؤيدوها أهميتها لردع النظام السوري عن تكرار استخدام السلاح الكيماوي، شكا معارضوها من اتخاذ إدارة الرئيس دونالد ترمب القرار دون الرجوع إلى الكونغرس، والحصول على تفويض من السلطة التشريعية. وطالب آخرون باستراتيجية موسعة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا.
وفي الواقع، لم تكن الضربة مفاجئة للنظام السوري وحلفائه ولا للأوساط الأميركية، فقد تحدث ترمب أكثر من مرة في الأيام الماضية عن عملية عسكرية قد تكون وشيكة ضد سوريا. لكن المفاجأة جاءت من داخل البيت الأبيض خلال مناقشات ترمب مع مستشاريه في الإدارة وأعضاء مجلس الأمن القومي لتحديد حجم الضربة وأهدافها. وبدا واضحاً خلال اليومين السابقين، قبل الإعلان عن شنّ الهجمات، أن هناك اختلافاً بين الرئيس وبعض مستشاريه، من ناحية، ومسؤولي وزارة الدفاع، وعلى رأسهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، من ناحية أخرى، وهو ما تسبب في تأخير توقيت توجيه الضربة. ولم يكن جوهر الاختلاف خلال النقاشات حول مدى جدوى توجيه ضربة عسكرية لمعاقبة النظام السوري من عدمه، لكن حدة الاختلاف كانت حول مدى اتساع الضربة ومدتها، والأهداف التي يمكن أن تحققها. لكن لم يختلف كثيرون داخل الإدارة على ضرورة معاقبة بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. وأفيد بأن الرئيس ترمب رأى ضرورة توجيه ضربة قاسية مؤلمة ليس فقط للنظام السوري ولكن أيضاً للدول الداعمة له، وعلى رأسها روسيا وإيران.
وأكدت تقارير أنه كان يسعى بشكل كبير للضغط على المؤسسة العسكرية لتوجيه ضربة قاسية، وإعطاء «درس قاسٍ» للأسد ولحلفائه الروس والإيرانيين. إلا أن وزير الدفاع ماتيس كان حذراً جداً في هذا الشأن، وتبنى منهجاً أكثر حذراً عندما تعلق الأمر بتوسيع مدى الضربة. وركزت مخاوف ماتيس من احتمال تصعيد الصراع في سوريا والدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا.
وأضافت التقارير أن الخميس الماضي كان اليوم المحدد للضربة، إلا أن وزير الدفاع استطاع أن يلغي الضربة خشية الدخول في صراع مع الروس. وعلى جانب آخر، كان جون بولتون، مستشار الأمن القومي الجديد للرئيس ترمب، من بين أكبر المشجعين على توجيه ضربة عسكرية واسعة ضد سوريا. وطبقاً لمصادر في البيت الأبيض، فإن بولتون أراد «عقاباً مؤلماً» وجادل من أجل توجيه ضربة تدميرية «تزيل» جزءاً من البنية التحتية للنظام السوري، ولم يرغب في تكرار ضربة مطار الشعيرات العام الماضي، على أساس أنها تمثّل عقاباً يمكن للنظام التعافي منه من خلال إعادة بناء قواعده الجوية وإصلاحها. وأشارت المصادر إلى أنه عندما وجه ترمب خطابه ليلة الجمعة (فجر السبت بتوقيت دمشق)، من داخل غرفة الاستقبال الدبلوماسي في البيت الأبيض، للإعلان عن توجيه ضربه عسكرية لسوريا، لم يكن حاضراً من مستشاريه سوى بولتون وسارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض. وبدا ترمب متشائماً في حديثه عن روسيا وإيران، إذ قال في خطابه: «نأمل أن يكون هناك تعاون يوماً ما مع روسيا، وربما إيران، وربما لا يكون هناك تعاون». وهناك من رأى أن الضربة جاءت طبقاً لاختيارات وزير الدفاع الذي أصر، كما تردد، على أن تكون قصيرة ومحدودة، فهي لم تستهدف سوى ثلاثة أهداف فقط مرتبطة بالبرنامج الكيماوي السوري.

- ردود الفعل
وجاءت ردود الفعل على الضربة منقسمة على أساس حزبي، إذ أثنى الجمهوريون على تحرك إدارة ترمب، بينما انتقد الديمقراطيون الضربة العسكرية. وفور الإعلان عن الضربة، أرسل البيت الأبيض إلى أعضاء الكونغرس وثيقة أعدها فريق مجلس الأمن القومي حول الأدلة التي حصلت عليها الإدارة من تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومنظمة الصحة العالمية وشهود عيان، إضافة إلى شرح مبررات الضربة وأهدافها والأسس القانونية التي استندت إليها.
وكان 88 عضواً (جمهورياً وديمقراطياً) في مجلس النواب الأميركي قد أرسلوا رسالة إلى ترمب يوم الجمعة حثوا فيها الإدارة على استشارة الكونغرس والحصول على تفويض تشريعي قبل القيام بعمل عسكري في سوريا. لكن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس شدد، من جهته، على أن قرار شن الضربة العسكرية يستند إلى المادة الثانية في الدستور التي تعطي للقائد الأعلى للقوات المسلحة - وهو الرئيس الأميركي - حق شن ضربات عسكرية في الخارج للدفاع عن المصالح القومية الأميركية و«للولايات المتحدة مصلحة في وقف الكارثة في سوريا واستخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة دولياً».
وتباينت ردود فعل المشرعين في الكونغرس في أعقاب شن الضربة فجر أمس (السبت). وقال ماك ثورنبيري، رئيس لجنة الشؤون العسكرية في مجلس النواب، إن «استخدام (بشار) الأسد للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين الأبرياء أمر غير مقبول. وفي الوقت ذاته، يشكل الهجوم (في دوما) جزءاً من الهجمات بالأسلحة الكيماوية المدعومة من قبل روسيا في جميع أنحاء العالم. لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائنا أن نسمح بهذه الهجمات. أؤيد قرار الرئيس بإجراء هذا الضربات بمساندة حلفائنا. لا تزال هناك أسئلة صعبة حول مستقبل سياستنا في سوريا، لكن هذه الأسئلة يجب ألا تنتقص من صحة القرار».
كما قال النائب الجمهوري ستيف سكاليس إن «الرئيس ترمب محق في التأكيد أن تصرفات وأفعال الأسد لا يمكن أن تمر دون رد»، فيما اعتبر السيناتور الجمهوري توم كوتون، في بيان، أن «جزّار دمشق تعلّم الليلة درسين بالطريقة الصعبة: الأول أن استخدام أسلحة الدمار الشامل لن يحقق لك ميزة عسكرية بمجرد أن تنتهي منك الولايات المتحدة، والثاني أن روسيا لن تستطيع حمايتك». وانضم السيناتور تشارلز شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ، إلى الجمهوريين في تأييد قرار ترمب، واعتبره «مناسباً»، لكنه حذّر من التورط في الوضع السوري المتأزم. وقال شومر في بيان: «اتخاذ إجراء محدود لمعاقبة الأسد بأمل ردعه عن القيام (باستخدام أسلحة كيماوية) مرة أخرى هو أمر مناسب، لكن على الإدارة أن تكون حذرة بشأن عدم دخولنا في حرب أكبر في سوريا». كما أعرب السيناتور مارك وارنر، زعيم الأقلية الديمقراطية في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، عن دعمه للرد العسكري «المعتدل» في سوريا. لكنه حذّر كذلك من إجراءات يمكن أن «تزيد من زعزعة استقرار» المنطقة أو توسيع نطاق الصراع. كذلك أشاد السيناتور الجمهوري جون ماكين بالضربة المشتركة بين أميركا وفرنسا وبريطانيا، لكنه دعا إلى استراتيجية شاملة لسوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها. وقد اتصل نائب الرئيس مايك بنس (يقوم بجولة في أميركا اللاتينية) بقادة الكونغرس لإخطارهم بالضربة العسكرية، قبل خطاب الرئيس ترمب الذي أعلن فيه بدء العملية الثلاثية في سوريا. وتحدث بنس مع زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وزعيم الغالبية في مجلس النواب بول رايان، وزعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي. في المقابل، أثار الديمقراطيون اعتراضات حول مدى قانونية اتخاذ الإدارة الأميركية قرار شن ضربة عسكرية دون الرجوع إلى الكونغرس. وضمّت الأصوات الديمقراطية المعارضة نانسي بيلوسي ونواباً آخرين شددوا على أن الدستور ينص على أن الكونغرس هو الجهة الوحيدة ذات سلطات إعلان الحرب وتخويل الرئيس حق استخدام القوة العسكرية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».