ملف ترحيل رعايا جنوب الصحراء يثير متاعب جديدة لسلطات الجزائر

«لجنة الأمم المتحدة لحقوق المهاجرين» اعتبرت طردهم «انتهاكاً لحقوق الإنسان»

TT

ملف ترحيل رعايا جنوب الصحراء يثير متاعب جديدة لسلطات الجزائر

ستكون الحكومة الجزائرية، يومي 10 و11 أبريل (نيسان) المقبل، مضطرة للإجابة عن استفسارات كثيرة تلقتها من «لجنة الأمم المتحدة لحقوق العمال المهاجرين» في جنيف، تتعلق بحملة ترحيل المئات من رعايا دول جنوب الصحراء، وما صاحبها من «انتهاك لحقوق الإنسان»، بحسب انتقادات تنظيمات حقوقية دولية.
وذكر مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط» أن الجزائر «حضرت إجابات قوية للأسئلة التي تلقتها منذ شهر، بخصوص عمليات ترحيل رعايا من دول الساحل. فالأمر يتعلق بنقل هؤلاء المهاجرين السريين إلى بلدانهم، بناء على اتفاق مع حكوماتهم، ونتحدى أية جهة تثبت أنهم تعرضوا لإهانة أثناء ترحيلهم. كما أن إبعادهم إلى بلدانهم تم لدواع أمنية، تعكس مخاوفنا من أن يتم تجنيدهم من طرف شبكات المتطرفين، واستعمالهم في الاتجار بالمخدرات والسلاح».
وأوضح المصدر أن الجيش «اعتقل في مرات كثيرة مهاجرين من بلدان الساحل الأفريقي، كانوا بصدد الدخول إلى التراب الليبي، حيث خلايا التنظيم الإرهابي (داعش). وتخشى الجزائر أن يتم تدريب هؤلاء المهاجرين على السلاح، ليعودوا إليها لتنفيذ عمليات إرهابية. وهذه المخاوف نقلناها إلى حكومتي النيجر ومالي، واقتنعتا بها».
وكثيراً ما تربط الجزائر انتقادات الجمعيات الحقوقية الأجنبية بـ«ضغط دولي علينا لأننا نرفض أن نساوم في مواقفنا وقراراتنا في القضايا الكبيرة». ومن هذه القضايا، حسب تصريحات المسؤولين المحليين، رفض الجزائر المشاركة في حروب خارج حدودها، خصوصاً في مالي وليبيا.
وفي 25 من الشهر الماضي، قالت الخارجية الجزائرية عن ملاحظات أصدرتها «منظمة العفو الدولية» إنها تحمل «مغالطات وادعاءات لا أساس لها من الصحة، وهي للأسف تتكرر بطريقة آلية، وتنقل صورة نمطية بالية، وتقييماً متحيزاً، واستنتاجات ساذجة».
وأفاد تقرير حديث لـ«الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان» بأن «مئات الأشخاص المرحلين يلتحقون بالنيجر ومالي مشياً على الأقدام، حيث تحاول جمعيات تقديم المساعدة لهم، فيما تنقل شهادات عنهم أنهم رحلوا بالقوة إلى الحدود، وفي غياب اتفاق مع سلطات مالي يقضي باستقبالهم».
وأضاف التقرير أن توقيف المهاجرين «يتم بناء على شكل الوجه، ودون احترام للإجراءات، كالتثبت من الهوية، ومن تراخيص الإقامة السارية بالنسبة لبعض الأشخاص المعتقلين». ودعت «الفيدرالية» لجنة حقوق الإنسان بالاتحاد الأفريقي إلى بحث هذه القضية في أول اجتماع تعقده.
وتعد العلاقة بين الجزائر «وفيدرالية حقوق الإنسان» سيئة للغاية، وهي تعود إلى منتصف تسعينات القرن الماضي، حينما اتهم التنظيم الحقوقي الجيش الجزائري بقتل مدنيين، بينما كان الشائع آنذاك أن «الجماعة الإسلامية المسلحة» هي من مارست التقتيل. ومن أشهر القضايا التي أثارت جدلاً بهذا الخصوص مقتل 7 رجال رهبان فرنسيين بجنوب العاصمة عام 1996. وإلى اليوم، لم تكشف ملابسات هذه الجريمة التي شكلت أزمة دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، قبل سنوات قليلة، وذلك حينما صرح الملحق العسكري بسفارة فرنسا في الجزائر سابقاً بأنه «سمع أن الجيش الجزائري قتل الرهبان بالخطأ في أثناء قصف مواقع إرهابيين».
وفي الغالب، تنشر التنظيمات الحقوقية الدولية ملاحظاتها عن الجزائر انطلاقاً مما يصلها من نشطاء محليين ينتمون لـ«الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، التي قالت في تقرير عن ترحيل المهاجرين إن السلطات تجمعهم بمركز للتسلية بزرالدة (الضاحية الغربية للعاصمة)، الذي تحول - حسبها - في المدة الأخيرة إلى «مركز احتجاز غير معلن للمهاجرين».
وقالت الرابطة إن هؤلاء المهاجرين «ينقلون بعد فترة تحت الإكراه إلى تمنراست (أقصى الجنوب، بالحدود مع النيجر)، ويتم ذلك بواسطة حافلات محاطة بالدرك، وبرعاية الهلال الأحمر الجزائري، ثم يتم التخلي عن هؤلاء في الصحراء بالحدود الجنوبية، وهي طريقة لدفعهم إلى مغادرة التراب الجزائري، وغالباً ما يتركون من دون موارد مالية، عرضة لكل أنواع التعسف والأخطار على حياتهم».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.