هوليوود أمام التصدي لقانون حيازة السلاح أو الدعوة إليه

«رغبة موت»... والرجل الذي يلعب دور القاضي والجلاد

بروس ويليس في فيلم  «رغبة موت»
بروس ويليس في فيلم «رغبة موت»
TT

هوليوود أمام التصدي لقانون حيازة السلاح أو الدعوة إليه

بروس ويليس في فيلم  «رغبة موت»
بروس ويليس في فيلم «رغبة موت»

ذلك لأن المسألة تنضوي تحت المعايير والمحاذير ذاتها التي نشأت عليها منذ الأيام الأولى لتأسيس الولايات المتحدة الأميركية. من ناحية هناك قانون يضمن حق حمل السلاح، وهناك «لوبي» قوي يحمي هذا القانون ويعارض المساس به، وهناك معارضون له يريدون وضع حد لتجارة السلاح وما تسببه كل سنة من حوادث قتل يقع فيها عشرات القتلى والجرحى.
بعد أقل من ثلاثة أسابيع على قيام طالب باقتحام مدرسته وقتل وجرح رفاقه بأعصاب باردة، حط في العروض فيلم «رغبة موت» للمخرج إيلي روث وبطولة بروس ويليس في دور رجل يسعى للانتقام ممن قتل زوجته وأدخل ابنته في غيبوبة دائمة. هذا الانتقام فردي ويتم بمنأى عن القانون. بروس ويليس يتسلح بالمسدسات وبأدوات ضرب وتعذيب وقتل، ويبدأ برصد من يشتبه بهم، ومن يجدهم مذنبين عموماً. فهو يلعب دور القاضي والجلاد، يصدر الأمر وينفّذه أيضاً.
يحقق تحريان بالشرطة في القضية ويسعيان لمعرفة المذنبين، لكن بول كيرسي (ويليس) يفضل عدم الانتظار ويقرر أن يشتري سلاحه بنفسه ويجول ليلاً في مدينة شيكاغو كما لو كانت عبارة عن حي واحد على أمل التعرف على الجناة. خلال هذه الرحلة الانتقامية يتعرّض لآخرين ليسوا على علاقة بما حل بزوجته وابنته، فيقتلهم ضمن رغبة جامحة في تفعيل القانون ولو بالخروج عنه.

قاتل بلا ترخيص
«رغبة موت» هو إعادة صنع للفيلم نفسه لمايكل وينر قام به عام 1974 عن رواية لبرايان غارفيلد تتحدث عن مهندس معماري يعيش وعائلته في نيويورك ويقوم بالدور الراحل تشارلز برونسون، يقرر بأن تحقيق العالة لا يتم بإسناد المهمّة لسواه. إنه فيلم سيء المضمون ورديء التنفيذ لكن الأجزاء اللاحقة، وهي أربعة فلا تقل سوءا.
فمع وصول الجزء الخامس إلى دور العرض سنة 1994 (تحت عنوان: «رغبة موت: وجه الموت») أصبحت فكرة الفيلم الأساسية تدور حول قتل الأشرار وكل من يتعرض لأحبائه، وهذا ما جعل البطل يقظاً ومسلحاً وقاتلاً بلا رخصة.
القاسم المشترك الآخر ما بين الفيلمين، خصوصاً بين نسخة 1974 والفيلم الجديد، هو أن اللوم يقع على عاتق الشرطة لأنها أخفقت في العثور على القاتلين مما يضطر المنتقم لتولي زمام الأمور بنفسه.
ما أحدثه «رغبة موت» هو حالة قبول من الذين يوافقون على رسالته في مواجهة من يعارضها. كلاهما حليف لانتماء سياسي مختلف مع تسليح المواطنين ليتولوا زمام أمور القانون، والآخر ضد فعل الانتقام المنفرد وهيئات الأمن الشعبية مع إبقاء الأمر في أيدي المؤسسات القانونية المختلفة.
صحيح أن تصدي الأفراد لتحقيق العدالة حين يعجز القانون له تاريخ طويل في السينما، لكن ليس على النحو الذي يؤيد ويحشد التبريرات اللازمة إلا فيما قل من أعمال. هناك مثلاً فيلم بعنوان The Vigilante يعود إلى سنة 1947 لكن ما جعل رسالته قليلة الأذى، حتى آنذاك، هو أنه لم يطلب من المشاهدين لا الاقتداء ببطله ولا تبني موقفه بل تم له استخدام الصورة الذهنية لذلك الفرد للترفيه هذا على عكس ردات الفعل لنجاح «رغبة موت» الأول.
أحد تلك الأفلام المصنوعة على النسق ذاته هو «قوة الأمن الأهلي» (Vigilante Force) لجورج أرميتاج سنة 1976 وهي، للمفارقة، السنة ذاتها التي قام فيها المخرج مارتن سكورسيزي بتحقيق فيلمه «سائق التاكسي» الذي يقترب من هذا الموضوع لكنه يبث فيه تحذيراً هائلاً.
«سائق التاكسي» (عن سيناريو لبول شرادر) دار حول سائق سيارة أجرة (روبرت دينيرو) الذي يعاين المجتمع من وجهة نظر خطاياه. لم يقتل أحد قريباً له أو زوجة ولا حتى صديقة، بل وجد أن التطرّف الديني والعرقي كما السياسي سبيل لتقويم مجتمع فالت يستغل فتاة دون السادسة عشر جنسيا.

فيلمان آخران
تلك الفتاة الصغيرة لم تكن سوى جودي فوستر التي قامت قبل عشر سنوات ببطولة فيلم بعنوان «الشجاعة» (the Brave One) الذي هو نوع من «رغبة موت» مقلوباً: عوض الرجل هناك المرأة التي تتعرض لضرب مبرح من ثلاثة أشرار قتلوا صديقاً لها. ما إن تخرج من المستشفى حتى تقرر الثأر. هنا تبدأ رحلة شفائها عبر شرائها مسدس من السوق السوداء، وبعد ثلاث جرائم قتل سقط فيها ثمانية ضحايا كان لا بد للتحرّي المتفهم (ترنس هوارد) من اكتشاف أنها هي التي ترتكب تلك الجرائم. الآن على السيناريو أن ينتهي إما بمواجهة عنيفة قد تؤدي بها إلى الموت أو بأخرى يجد فيها التحري مضطّراً لإلقاء القبض عليها أو أنها تتوقّف في الوقت المناسب وتخرج من المأزق بأعجوبة. اختيار الفيلم يوازي كل هذه النهايات ضعفاً، وقد يزيد من حيث إنه يريد إبقاءها حرّة من العدالة ومن الطوق الذي فرضته على نفسها٠
الفارق شاسع بين فيلم سكورسيزي الذي يصوّر وضعاً سياسياً وراء انفلات الوضع على النحو المتمثل في «سائق التاكسي» وبين قرار الانتقام الشخصي من كل واحد ربما كان مشتركاً في جريمة فردية وقعت لبطل الفيلم أو لم يكن. الشبهة في هذه الأحوال تكفي.
طوال السنوات الفاصلة ما بين «رغبة موت» 1974 و«رغبة موت» 2018 حفلت السينما الأميركية بأفلام مشابهة: «رجل محترق» (2004)، «هاري براون» (2009)، «حكم بالموت» (2007)، «المبيد» (1980)، «المدافع» (2005) من بين أخرى.
وفي العام المنصرم فيلمان على الأقل تداولا الموضوع ذاته: «أفعال انتقامية» Acts of Vengeance حيث نجد أنطونيو بانديراس في دور محام قتل أحدهم زوجته وابنته من دون سبب ظاهر فيبدأ عملية البحث مدفوعاً بحبه للانتقام مع نصف مفاجأة قرب النهاية. و«أفعال عنيفة» (Acts of Violence) حيث يتآخى ثلاثة أشقاء للانتقام من عصابة رقيق أبيض خطفوا شقيقتهم وقتلوا زوجة أحدهم. بروس ويليس موجود في هذا الفيلم. هو تحري يؤمن بأن ما يقوم به الثلاثة مبرر وفي نهاية الفيلم يستقيل من وظيفته ليقتل رئيس العصابة كمدني... ومن هناك تسلل إلى «رغبة موت» الحالي حيث فتح له المخرج إيلي روث كل الأسباب الواهية لارتكاب المزيد من الجرائم.

> أخرج مايكل وينر الأجزاء الثلاثة الأولى من Death Wish في السنوات ما بين 1974 و1985. ثم قام ج. لي تومسون بتحقيق الجزء الرابع (1987) عاد إليه المخرج الآن غولدستين سنة 1994 بجزء رابع.‬
> كلها من بطولة الممثل تشارلز برونسون وهي ساعدته على مداومة الظهور على الشاشة والمحافظة على نجوميته. الجزء الخامس من هذا المسلسل «رغبة موت: وجه الموت» كان آخر فيلم في مسيرته.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.