موسكو تتحدث عن مفاوضات سرية مع واشنطن

TT

موسكو تتحدث عن مفاوضات سرية مع واشنطن

صعدت موسكو اتهاماتها ضد الغرب عموماً والولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص على خلفية قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ورأت وزارة الدفاع الروسية أن لندن وواشنطن تقدمان «دعماً وحماية للإرهابيين في سوريا وخصوصاً في الغوطة»، في حين كشف دبلوماسي روسي بارز عن «قنوات اتصال سرية بين موسكو وواشنطن لمناقشة الملفات الخلافية وعلى رأسها سوريا».
وشغلت التطورات حول الغوطة الشرقية حيزا أساسيا أمس من محادثات هاتفية أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف إن الطرفين بحثا مستجدات الموقف والمساعي المبذولة لتنفيذ بنود القرار 2401 بـ«التسلسل» بهدف تخفيف حدة تدهور الوضع الإنساني. وزاد أن الرئيسين بحثا «أهمية إجلاء المدنيين من مناطق القتال وتوفير مجالات لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الغوطة الشرقية».
وبرز تباين في المعطيات التي قدمتها الرئاسة الروسية مع معطيات الرئاسة الفرنسية حول مجرى المحادثات، إذ تجنب الكرملين الإشارة إلى أن ماكرون حث بوتين على الضغط على دمشق لـ«احترام القرار الإنساني» وأنه أصر خلال المكالمة على أهمية أن تقوم موسكو بدور لوقف القصف العشوائي وحماية المدنيين.
في غضون ذلك، شنت وزارة الدفاع الروسية حملة قوية على واشنطن ردا على اتهامات لروسيا بعدم الالتزام بالقرار 2401. ودعا بيان أصدرته الوزارة الجانب الأميركي إلى «التعرف على مضمون القرار الدولي قبل اتهام موسكو بانتهاكات مزعومة في الغوطة الشرقية». وذكر البيان أن «الجماعات المسلحة الواقعة تحت نفوذ واشنطن هي من هاجمت منذ بداية عام 2018، وحدات القوات الحكومية السورية في حرستا (الغوطة الشرقية) بشكل يومي، في محاولة منها لتغيير حدود منطقة وقف التصعيد، خلافا لاتفاقات آستانة».
وزاد أنه «من الغريب أنه لم يصدر بيان إدانة واحد من واشنطن أو من حلفاء الولايات المتحدة، خلال أشهر من الهجمات المركزة التي شنها المسلحون... وفقط عندما تصدت السلطات السورية للفصائل الموالية للولايات المتحدة، تبع ذلك اتهامات كاذبة تقليدية حول (قصف المؤسسات الطبية) في الغوطة الشرقية والشائعات حول الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية». واتهم البيان واشنطن بأنها «لا تقوم بما يلزم وفقا للقرار 2401 للجم تشكيلات العصابات الخاضعة لها في الغوطة الشرقية، عن قصف دمشق، الذي يتسبب بقتل المدنيين يوميا».
تزامن ذلك مع تصعيد وزارة الخارجية الروسية لهجتها من خلال اتهام واشنطن ولندن بأنهما «تقومان بعمل مباشر لحماية الإرهاب في سوريا». ورأت في بيان أن قرار مجلس حقوق الإنسان حول الوضع في الغوطة الشرقية «لا علاقة له بالاهتمام الحقيقي بحقوق الإنسان في سوريا». وشددت على أن «رفض ممثلي واشنطن ولندن في مجلس حقوق الإنسان الاقتراحات الروسية يعكس حقيقة الدعم الذي يقدمه البلدان للمسلحين في الغوطة الشرقية».
ووصف مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة في جنيف غينادي غاتيلوف القرار بأنه «مسيس ويهدف لانتقاد دمشق وفق السيناريو ذاته الذي تم تنفيذه حيال الوضع في شرق حلب عام 2016».
وأشار غاتيلوف إلى أن مبادرات بريطانيا «لا تضم أي خلفية إنسانية أو حقوقية»، مضيفا: «لقد أضفنا إلى النص تعديلات تهدف للكشف عن النوايا الحقيقية لمن يدعم المبادرات المسيسة التي يقوم بها مكتب حقوق الإنسان، والتي تهدف في الواقع إلى دعم المجموعات المسلحة المعارضة للقوات الحكومية».
ولفت المندوب الروسي إلى أن بريطانيا والولايات المتحدة، «أثبتتا عمليا دعمهما للإرهابيين في سوريا عموما وفي الغوطة خصوصا» عبر رفض مقترحات روسيا حول مشروع قرار مجلس حقوق الإنسان، موضحا أن «التعديلات التي طرحناها كان يجب أن تحظى بتأييد جميع الدول التي لا تريد تصعيد النزاع والتي تسعى بشكل صادق لإيجاد حل للأزمة السورية والقضاء على المخاطر الإرهابية، إلا أنه يمكن الاستنتاج بأن المبادرين بهذا القرار لا يهتمون بتسوية الأزمة حول الغوطة الشرقية، ويواصلون عمليا دعم الإرهابيين، متغاضين عن جرائمهم».
وانتقد غاتيلوف بشكل خاص دعوة لندن وواشنطن إلى عرض التعديلات الروسية المقترحة على التصويت ما أسفر عن رفضها بغالبية أصوات المجلس. معتبرا أن «التصويت على مقترحاتنا أثبت عمليا استخدام (المعايير المزدوجة)».
وأوضح: «لقد رصدنا بعناية نتائج التصويت واستنتجنا أنه مثال واضح على تطبيق المعايير المزدوجة. ولأسباب سياسية، رفضت بعض الدول إدانة الإرهابيين والهجمات الإرهابية ضد المدنيين، ولا يمكننا أن نتفق مع مثل هذا الموقف»، مشددا على أنه لا يمكن لروسيا تبني موقف الدول الرافضة لإدانة الإرهاب في سوريا لأهداف سياسية.
اللافت أنه رغم الحملة الروسية القوية على واشنطن، وتصاعد الاتهامات لها بدعم الإرهاب في سوريا، لفتت تصريحات نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف أمس الأنظار، عندما تحدث عن قنوات حوار نشطة حول سوريا تعمل بين موسكو وواشنطن «على مستويات مختلفة».
وقال الدبلوماسي المكلف بملف العلاقة مع واشنطن إن الطرفين يجريان حوارات سرية في ملفات عدة على رأسها الملف السوري»، موضحا أن «الحوار يجري على مستويات عدة وبمشاركة ممثلين عن دوائر مختلفة في البلدين بينها وزارة الخارجية في البلدين» وزاد أنه «توجد قنوات سرية لا يتم الإعلان عنها». مؤكدا: «الحوارات تجري في واشنطن وفي موسكو ولها طابع عملي».
في السياق، أعلن ريابكوف أن بلاده اقترحت على واشنطن عقد اجتماع لوزيري خارجية البلدين قبل نهاية الأسبوع في إثيوبيا. وأوضح: «حتى صباح اليوم (أمس) لم تكن لدينا أي معلومات حول إمكانية تنسيق أجندة الوزيرين، لكننا نعتبر أن من شأن مثل هذا اللقاء أن يكون مفيدا». وتابع: «المسائل التي يجب بحثها تتراكم، ونحن قدمنا للجانب الأميركي مقترحات بهذا الخصوص. وننتظر الرد»، علما بأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يقوم حاليا بجولة أفريقية تشمل أنغولا وناميبيا وموزمبيق وزيمبابوي وإثيوبيا، التي يصل إليها في 9 مارس (آذار) الجاري.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.