طالبات «الفنون الجميلة» يرسمون البهجة على أسوار المستشفيات والحدائق

مبادرات شبابية تلقى قبولاً لدى المواطنين والمسؤولين

TT

طالبات «الفنون الجميلة» يرسمون البهجة على أسوار المستشفيات والحدائق

بأنامل طلاب كليات الفنون الجميلة تزينت أسوار وحدائق الأماكن العامة في مصر، بعدما قاموا برسم جداريات نابضة بالحياة، تزين أسوار الحدائق العامة والمستشفيات والكليات. أطلقت مستشفى سرطان الأطفال 57357، أخيراً، مبادرة «احلم... ارسم... لون»، لرسم السور المؤقت للمستشفى، التي نفذها 115 طالباً وطالبة من كليات الفنون التطبيقية، والتربية الفنية جامعة حلوان، والفنون التطبيقية جامعة بنها، وكلية التربية جامعة المنيا، وذلك بمناسبة الاحتفال بمرور 10 سنوات على افتتاح هذا الصرح الطبي، لإدخال البهجة والسرور على قلوب الأطفال مرضى السرطان.
وقالت نغم رفقي زكي، طالبة بالفرقة الأولى بكلية التربية الفنية بالزمالك لـ«الشرق الأوسط»: «شاركت في مبادرة (احلم... ارسم... لون) في أوائل الشهر الحالي، لرسم البسمة على وجوه الأطفال، ليتمكنوا بقوة الإرادة والعزيمة من قهر المرض اللعين، وقد شارك أطفال المستشفى معنا في رسم وتلوين الجداريات، حتى تمكنا من تلوين السور المؤقت للمشروعات المستقبلية للمستشفى». ولفتت: «سنقوم في الفترة المقبلة بتلوين جدرايات جامعة حلوان».
وأسهمت 14 طالبة يدرسن بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، في تلوين جداريات حديقة الحيوان بالجيزة، فتحولت إلى قطعة فنية. وأعربت الدكتورة تغريد يحيى، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، والمشرفة على مشروع تخرج الطالبات عن سعادتها لردود فعل زوار الحديقة على الجداريات، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «تمكنت الطالبات من جعل حديقة الحيوان، بالجيزة محط أنظار كل الشرائح العمرية، للاستمتاع بجمال وروعة الجداريات الفنية التي جسدتها طالبات كلية التربية الفنية اللاتي طبقن مادة (التثقيف بالفن) - إحدى المواد العملية - على (حديقة الحيوان) بالجيزة، وذلك بعد الحصول على موافقة الدكتور رشاد رحيم، مدير عام حدائق الحيوان»، موضحة: «قامت الطالبات برسم 8 جداريات بالحديقة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، والعمل ما زال مستمراً حتى الآن، وقد استغرقت جدارية (الشمبانزي)، الموجودة عند مدخل الإدارة 5 أسابيع، ثم وقع الاختيار على بوابة رقم 5 المخصصة لرحلات المدارس والأعداد الكبيرة، لاستكمال رسم وتلوين بقية الجداريات المعبرة عن عدة حيوانات بالحديقة مثل: الزرافة، والحمار الوحشي، والأسد، والفيل، ومن المقرر أن ينتهي العمل في الجداريات بنهاية شهر مارس (آذار) المقبل، ليصل إجمالي عدد الجداريات المتوقع إنجازها منذ بدء العمل إلى 10 جداريات».
وأوضح الدكتور رشاد رحيم، مدير عام حدائق الحيوان: «أصبحت الآن جداريات حديقة الحيوان نابضة بالحياة بفضل الجهد المُضني، الذي بذلته طالبات كلية التربية الفنية، وهو ما ألقى بظلاله على رفع الروح المعنوية للزائرين، الذين وجدوا متعتهم الحقيقية في التقاط الصور التذكارية بجوار الجداريات وليس الحيوانات، وهذا يدل على إتقان الطالبات لعملهن على أكمل وجه». ويستكمل حديثه قائلاً: «أطمح في تعميم فكرة تلوين الجداريات على مختلف حدائق الحيوان بالجمهورية، كما أنوي التعاقد مع بعض أعضاء الفريق لاستكمال عملهن في تجميل حديقة الحيوان بالجيزة، وسنقوم بتوفير كل الخامات لهن لإنجاز العمل».
ويعتبر فن الجداريات من أقدم أنواع الفنون القديمة، التي كانت مقتصرة في الماضي على تصوير حياة الملوك وحروبهم وعلاقتهم مع الآلهة والطبيعة وبعض مظاهر الحياة العامة، أما الآن فقد اختلفت طبيعة الجداريات، وأصبحت تعبر عن أحلام الشعوب وهو ما ظهر جلياً بعد قيام الثورات في تونس ومصر، فقد تحول «فن الغرافيتي»، إلى فن احتجاجي يعكس الاعتراض على الأوضاع السائدة. ويتميز ذلك الفن بأنك لا تحتاج لزيارة قاعات عرض اللوحات لمشاهدة جدارية، لأنك ستشاهدها وتتأملها أثناء ذهابك وإيابك بالشوارع والميادين العامة على واجهات المباني أو الفنادق أو الحوائط.
وتعد جدارية «سوق الجمعة» للفنان التشكيلي المصري طه القرني، من أهم الجداريات التي دخلت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية عام 2007، وبلغ طولها 23 متراً وارتفاعها 140 سم. كما شهد فن الغرافيتي في مصر، ازدهاراً كبيراً بعد اندلاع انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011. من خلال الرسم على حوائط الميادين العامة والشوارع بوسط القاهرة.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.